خلال عام..الداخلية تنفذ أكثر من 20 مليون حكم قضائي متنوع

وزارة‭ ‬الداخلية‭
وزارة‭ ‬الداخلية‭

محمود‭ ‬صالح‭ ‬

مفهوم‭ ‬العدالة‭ ‬الناجزة‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬فهم‭ ‬دلالاته‭ ‬إلا‭ ‬بوضعه‭ ‬داخل‭ ‬سياق‭ ‬مجتمعي،‭ ‬وتطبيقه‭ ‬جملةً‭ ‬وتفصيلًا‭ ‬على‭ ‬أحداثٍ‭ ‬كانت‭ ‬محور‭ ‬حديث‭ ‬الشارع‭ ‬المصري،‭ ‬ومضاهاة‭ ‬تلك‭ ‬الأحداث‭ ‬منذ‭ ‬لحظتها‭ ‬الأولى‭ ‬حتى‭ ‬نصل‭ ‬إلى‭ ‬ما‭ ‬آلت‭ ‬إليه‭ ‬وما‭ ‬انتهت‭ ‬به،‭ ‬وكي‭ ‬نصل‭ ‬إلى‭ ‬تلك‭ ‬النتيجة‭ ‬سنأخذ‭ ‬عين‭ ‬قارئنا‭ ‬فى‭ ‬جولة‭ ‬داخل‭ ‬مجموع‭ ‬الأحكام‭ ‬التى‭ ‬أعلنت‭ ‬الإدارة‭ ‬العامة‭ ‬لتنفيذ‭ ‬الأحكام‭ ‬بوزارة‭ ‬الداخلية‭ ‬تنفيذها‭ ‬هذا‭ ‬العام،‭ ‬ونسلط‭ ‬الضوء‭ ‬على‭ ‬بعض‭ ‬تلك‭ ‬الوقائع‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬أكثر‭ ‬صعوبة‭ ‬وخطورة‭ ‬لمناقشة‭ ‬تفاصيلها‭ ‬وأحداثها‭ ‬حتى‭ ‬يتسنى‭ ‬لنا‭ ‬فهم‭ ‬مفهوم‭ ‬العدالة‭ ‬الناجزة‭ ‬فهمًا‭ ‬صحيحًا‭ ‬ومتقنًا‭.‬

يوميًا‭ ‬تصدر‭ ‬المحاكم‭ ‬فى‭ ‬كل‭ ‬أنحاء‭ ‬الجمهورية‭ ‬المئات‭ ‬بل‭ ‬والألاف‭ ‬من‭ ‬الأحكام‭ ‬المختلفة،‭ ‬وتنتقل‭ ‬تلك‭ ‬الأحكام‭ ‬إلى‭ ‬مكاتب‭ ‬الأجهزة‭ ‬الأمنية‭ ‬فى‭ ‬الإدارة‭ ‬العامة‭ ‬لمباحث‭ ‬تنفذ‭ ‬الأحكام‭ ‬وأقسام‭ ‬ومراكز‭ ‬الشرطة‭ ‬حتى‭ ‬يتم‭ ‬تنفيذها،‭ ‬وهو‭ ‬أمر‭ ‬–‭ ‬لو‭ ‬تعلمون‭ ‬–‭ ‬عظيم‭.‬

لذلك‭ ‬تعتاد‭ ‬وزارة‭ ‬الداخلية‭ ‬نشر‭ ‬يوميًا‭ ‬عبر‭ ‬منصاتها‭ ‬المختلفة‭ ‬تفاصيل‭ ‬وعدد‭ ‬الأحكام‭ ‬التى‭ ‬استطاعت‭ ‬الإدارة‭ ‬العامة‭ ‬لتنفيذ‭ ‬الأحكام‭ ‬تنفيذها،‭ ‬ومن‭ ‬خلال‭ ‬متابعة‭ ‬دقيقة‭ ‬ومتأنية‭ ‬لهذه‭ ‬البيانات‭ ‬يتبيّن‭ ‬أن‭ ‬متوسط‭ ‬عدد‭ ‬الأحكام‭ ‬التى‭ ‬يتم‭ ‬تنفيذها‭ ‬يوميًا‭ ‬يقارب‭ ‬من‭ ‬الـ‭  ‬60‭ ‬ألف‭ ‬حكم‭ ‬قضائي،‭ ‬ما‭ ‬بين‭ ‬أحكام‭ ‬جنائية‭ ‬وأحكام‭ ‬بالحبس‭ ‬الجزئي‭ ‬وأحكام‭ ‬بالحبس‭ ‬المستأنف،‭ ‬ناهيك‭ ‬عن‭ ‬أحكام‭ ‬الغرامة‭ ‬والمخالفة‭.‬

خلف‭ ‬كل‭ ‬هذه‭ ‬الأحكام‭ ‬التى‭ ‬يتم‭ ‬تنفيذها‭ ‬على‭ ‬مدار‭ ‬اليوم‭ ‬خلية‭ ‬نحل‭ ‬تعمل،‭ ‬لا‭ ‬تكل‭ ‬ولا‭ ‬تمل،‭ ‬حتى‭ ‬أن‭ ‬بهذا‭ ‬المعدل‭ ‬نستطيع‭ ‬أن‭ ‬نجزم‭ ‬بأنه‭ ‬فى‭ ‬القريب‭ ‬العاجل‭ ‬ستنتهى‭ ‬كل‭ ‬القضايا‭ ‬العالقة‭ ‬التى‭ ‬لم‭ ‬يتم‭ ‬تنفيذ‭ ‬أحكامها‭ ‬بعد،‭ ‬ويصبع‭ ‬مفهوم‭ ‬العدالة‭ ‬الناجزة‭ ‬مفهوم‭ ‬فعلي‭ ‬نرى‭ ‬صداه‭ ‬يوميًا‭ ‬فى‭ ‬الشارع‭ ‬المصري‭.‬

فمثلًا،‭ ‬على‭ ‬مدار‭ ‬هذا‭ ‬العام‭ ‬وبشكل‭ ‬يومي،‭ ‬ومن‭ ‬خلال‭ ‬متابعة‭ ‬وإحصاء‭ ‬تلك‭ ‬البيانات‭ ‬التى‭ ‬تنشرها‭ ‬وزارة‭ ‬الداخلية‭ ‬عبر‭ ‬منصاتها،‭ ‬وصل‭ ‬الرقم‭ ‬سنويًا‭ ‬إلى‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬20‭ ‬مليون‭ ‬حكم‭ ‬تم‭ ‬تنفيذه‭ ‬خلال‭ ‬هذا‭ ‬العام‭ ‬فقط‭. ‬

هذا‭ ‬الرقم‭ ‬لا‭ ‬يعنى‭ ‬أن‭ ‬عدد‭ ‬المحكوم‭ ‬عليهم‭ ‬فى‭ ‬هذه‭ ‬القضايا،‭ ‬والتى‭ ‬تم‭ ‬تنفيذ‭ ‬فيهم‭ ‬هذا‭ ‬الحكم‭ ‬هو‭ ‬نفس‭ ‬عدد‭ ‬الأحكام،‭ ‬لأن‭ ‬هناك‭ ‬أشخاص‭ ‬عليهم‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬حكم،‭ ‬يصل‭ ‬فى‭ ‬أحيانٍ‭ ‬كثير‭ ‬إلى‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬مئة‭ ‬حكم،‭ ‬وحتى‭ ‬لا‭ ‬يثير‭ ‬هذا‭ ‬اللغط،‭ ‬فإن‭ ‬البيانات‭ ‬التي‭ ‬تنشرها‭ ‬الوزارة‭ ‬تتضمن‭ ‬عدد‭ ‬المحكوم‭ ‬عليهم،‭ ‬ومتوسط‭ ‬عدد‭ ‬المحكوم‭ ‬عليهم‭ ‬يوميًا‭ ‬بمراجعة‭ ‬تلك‭ ‬البيانات‭ ‬هو‭ ‬5‭ ‬آلاف‭ ‬شخص،‭ ‬فى‭ ‬كل‭ ‬أنحاء‭ ‬الجمهورية‭ ‬وعلى‭ ‬مدار‭ ‬اليوم،‭ ‬وبحسبة‭ ‬بسيطة،‭ ‬فإن‭ ‬عدد‭ ‬الذين‭ ‬تم‭ ‬ضبطهم‭ ‬لتنفيذ‭ ‬أحكام‭ ‬عالقة‭ ‬عليهم‭ ‬لا‭ ‬يقل‭ ‬عن‭ ‬مليون‭ ‬ونص‭ ‬المليون‭ ‬شخص‭ ‬خلال‭ ‬هذا‭ ‬العام‭ ‬فقط‭. ‬

من‭ ‬بين‭ ‬كل‭ ‬هذه‭ ‬القضايا‭.. ‬نسلط‭ ‬الضوء‭ ‬على‭ ‬أبرز‭ ‬الوقائع‭ ‬التى‭ ‬شهدها‭ ‬هذا‭ ‬العام‭ ‬ومجهود‭ ‬الأجهزة‭ ‬الأمنية‭ ‬فى‭ ‬إنهائها‭ ‬كما‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬يكون‭.‬

بطاقة‭ ‬مزورة

مع‭ ‬أحداث‭ ‬يناير،‭ ‬وما‭ ‬حدث‭ ‬في‭ ‬سجن‭ ‬وادي‭ ‬النطرون،‭ ‬وجد‭ ‬«حسن»‭ ‬نفسه‭ ‬خارج‭ ‬أسوار‭ ‬السجن‭ ‬يركض‭ ‬هربًا‭. ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬يعرف‭ ‬لماذا‭ ‬يجري،‭ ‬ولم‭ ‬يتخيل‭ ‬يومًا‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬بعد‭ ‬كم‭ ‬هذه‭ ‬الجرائم‭ ‬الوحشية‭ ‬التي‭ ‬ارتكبها‭ ‬خارج‭ ‬زنزانته‭. ‬

كان‭ ‬وقتها‭ ‬الوضع‭ ‬الأمني‭ ‬مضطربا،‭ ‬والأمور‭ ‬تقود‭ ‬الدولة‭ ‬من‭ ‬سيء‭ ‬إلى‭ ‬أسوأ،‭ ‬خصوصا‭ ‬بعد‭ ‬وصول‭ ‬الجماعة‭ ‬الإرهابية‭ ‬إلى‭ ‬منصة‭ ‬الحكم،‭ ‬وحينها‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬على‭ ‬«حسن»‭ ‬بذل‭ ‬أى‭ ‬مجهود‭ ‬في‭ ‬التخفي،‭ ‬إذ‭ ‬أن‭ ‬الوضع‭ ‬الأمني‭ ‬غير‭ ‬مستقر‭ ‬وليس‭ ‬هناك‭ ‬ما‭ ‬يجعله‭ ‬يخاف‭ ‬القبض‭ ‬عليه‭.‬

لكن‭ ‬بعد‭ ‬ثورة‭ ‬‮٣٠‬‭ ‬يونيو‭ ‬بدأ‭ ‬الوضع‭ ‬الأمني‭ ‬يتعافى،‭ ‬وبدأ‭ ‬النظر‭ ‬في‭ ‬ملفات‭ ‬الهاربين‭ ‬وتعقبهم‭ ‬هو‭ ‬الأولوية‭.‬

كان‭ ‬«حسن»‭ ‬يعرف‭ ‬ذلك‭ ‬حق‭ ‬المعرفة،‭ ‬ورأى‭ ‬بعد‭ ‬ذلك‭ ‬أن‭ ‬العيّش‭ ‬باسمه‭ ‬وصورته‭ ‬يمثل‭ ‬تهديدًا‭ ‬عليه،‭ ‬وأنه‭ ‬لو‭ ‬ظل‭ ‬يعيش‭ ‬في‭ ‬بيته‭ ‬فمسألة‭ ‬القبض‭ ‬عليه‭ ‬هي‭ ‬مسألة‭ ‬وقت‭ ‬فقط‭.‬

وعليه‭ ‬كانت‭ ‬أولى‭ ‬محاولاته‭ ‬تغير‭ ‬اسمه،‭ ‬واستغل‭ ‬اسم‭ ‬ابن‭ ‬خالته‭ ‬المتوفى‭ ‬والذي‭ ‬لن‭ ‬يشك‭ ‬أحد‭ ‬فيه‭ ‬واستطاع‭ ‬دفع‭ ‬‮٢٠‬‭ ‬ألف‭ ‬جنيه‭ ‬مقابل‭ ‬تغير‭ ‬اسمه‭ ‬في‭ ‬بطاقته‭ ‬الشخصية،‭ ‬لكن‭ ‬ما‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬يعيه‭ ‬أن‭ ‬صورته‭ ‬على‭ ‬بطاقته‭ ‬غير‭ ‬تلك‭ ‬الصورة‭ ‬الموجودة‭ ‬على‭ ‬الحاسوب‭ ‬مع‭ ‬اسم‭ ‬نجل‭ ‬خالته،‭ ‬وأنها‭ ‬في‭ ‬الأساس‭ ‬ليست‭ ‬صورته‭ ‬إنما‭ ‬صورة‭ ‬لرجل‭ ‬يعيش‭ ‬في‭ ‬نفس‭ ‬بلدته‭. ‬بمعنى‭ ‬أنه‭ ‬يمشي‭ ‬ببطاقة‭ ‬ليست‭ ‬باسمه‭ ‬أو‭ ‬صورته،‭ ‬وأن‭ ‬أى‭ ‬محاولة‭ ‬من‭ ‬شأنها‭ ‬التفريق‭ ‬بينهما‭ ‬سترى‭ ‬بالعين‭ ‬المجردة‭ ‬ولا‭ ‬تحتاج‭ ‬حتى‭ ‬إلى‭ ‬تفحص‭. ‬وهذا‭ ‬أول‭ ‬خطأ‭ ‬ارتكبه‭.‬

لكن‭ ‬خياله‭ ‬المريض‭ ‬صور‭ ‬له‭ ‬أنه‭ ‬بعد‭ ‬ذلك‭ ‬سيصبح‭ ‬بعيدًا‭ ‬عن‭ ‬أجهزة‭ ‬الأمن،‭ ‬وأن‭ ‬تعقبه‭ ‬أصبح‭ ‬مستحيلًا،‭ ‬وعليه‭ ‬أخذته‭ ‬العزة‭ ‬بالإثم،‭ ‬وعاد‭ ‬إلى‭ ‬حياته‭ ‬متخفيا‭ ‬في‭ ‬صورته‭ ‬واسمه‭ ‬الجدد،‭ ‬يتزوج‭ ‬ويطلق‭ ‬بهما،‭ ‬حتى‭ ‬وصلت‭ ‬زيجاته‭ ‬إلى‭ ‬أربع‭ ‬مرات،‭ ‬وكلها‭ ‬بالاسم‭ ‬والصورة‭ ‬المستعارين‭.‬

أيام‭ ‬تجر‭ ‬أيام‭ ‬ويعيش‭ ‬«حسن»‭ ‬حياته‭ ‬كما‭ ‬كان‭ ‬يتخيل،‭ ‬لكن،‭ ‬على‭ ‬البر‭ ‬الثاني،‭ ‬هناك‭ ‬من‭ ‬فتح‭ ‬ملفه‭ ‬القديم‭ ‬وبدأ‭ ‬يبحث‭ ‬فيه،‭ ‬ووضعه‭ ‬موضع‭ ‬الأهمية،‭ ‬وبدأت‭ ‬الأجهزة‭ ‬عملها‭ ‬في‭ ‬تعقبه‭.‬

وعلى‭ ‬هذا‭ ‬النحو‭ ‬استمر‭ ‬الوضع‭ ‬فترة‭ ‬زمنية‭ ‬كبيرة،‭ ‬حتى‭ ‬حانت‭ ‬اللحظة،‭ ‬ووجد‭ ‬الباحث‭ ‬ضالته،‭ ‬وعليه‭ ‬كانت‭ ‬المعلومة‭ ‬التي‭ ‬تفيد‭ ‬بأن‭ ‬«حسن»‭ ‬السابق‭ ‬اتهامه‭ ‬في‭ ‬عدة‭ ‬قضايا‭ ‬قتل‭ ‬عمد‭ ‬والمحكوم‭ ‬عليه‭ ‬بالإعدام‭ ‬شنقًا‭ ‬على‭ ‬مكتب‭ ‬الرائد‭ ‬أحمد‭ ‬عبدالله‭ ‬معاون‭ ‬أول‭ ‬مباحث‭ ‬القطامية،‭ ‬والتي‭ ‬جاءته‭ ‬من‭ ‬أحد‭ ‬مصادره‭ ‬السرية،‭ ‬هى‭ ‬أول‭ ‬الخيط‭ ‬للقبض‭ ‬عليه‭.‬

بإخطار‭ ‬اللواء‭ ‬أشرف‭ ‬الجندي‭ ‬مدير‭ ‬أمن‭ ‬القاهرة‭ ‬أمر‭ ‬بسرعة‭ ‬تشكيل‭ ‬فريق‭ ‬بحث‭ ‬على‭ ‬أعلى‭ ‬مستوى‭ ‬برئاسة‭ ‬اللواء‭ ‬نبيل‭ ‬سليم‭ ‬مدير‭ ‬الإدارة‭ ‬العامة‭ ‬لمباحث‭ ‬القاهرة‭ ‬للقبض‭ ‬على‭ ‬المتهم‭ ‬وعقب‭ ‬تقنين‭ ‬الإجراءات‭ ‬وبعمل‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الأكمنة‭ ‬الثابتة‭ ‬والمتحركة‭ ‬تمكن‭ ‬الرائدان‭ ‬محمود‭ ‬درويش‭ ‬ومحمد‭ ‬مجدي‭ ‬معاونا‭ ‬المباحث‭ ‬من‭ ‬ضبطه‭ ‬في‭ ‬أحد‭ ‬الأكمنة‭ ‬المعدة‭ ‬له،‭ ‬وبمناقشته‭ ‬قرر‭ ‬أن‭ ‬الصورة‭ ‬لشخص‭ ‬من‭ ‬نفس‭ ‬بلدته‭ ‬ويعيش‭ ‬حاليا‭ ‬بليبيا‭ ‬وأن‭ ‬والده‭ ‬متوفى‭. ‬وعليه‭ ‬تم‭ ‬تحرير‭ ‬محضر‭ ‬وأحاله‭ ‬مأمور‭ ‬قسم‭ ‬القطامية‭ ‬إلى‭ ‬النيابة‭ ‬العامة‭ ‬لمباشرة‭ ‬التحقيق‭.‬

الغراب

شركة‭ ‬للإنشاءات‭ ‬بدأت‭ ‬عملها‭ ‬منذ‭ ‬أربعة‭ ‬أعوام‭ ‬في‭ ‬التجمع‭ ‬الخامس،‭ ‬صاحبها‭ ‬يبدو‭ ‬وقورًا،‭ ‬تراه‭ ‬وتطمئن‭ ‬له،‭ ‬لكن‭ ‬ما‭ ‬كان‭ ‬هذا‭ ‬إلا‭ ‬آداة‭ ‬من‭ ‬أدوات‭ ‬النصب‭ ‬التي‭ ‬يبدع‭ ‬فيها،‭ ‬تلك‭ ‬الشركة‭ ‬تلقت‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الأموال‭ ‬من‭ ‬بعض‭ ‬الأشخاص‭ ‬نظير‭ ‬شقق‭ ‬وعقارات‭ ‬في‭ ‬التجمع،‭ ‬دفعوا‭ ‬لهم‭ ‬«تحويشة»‭ ‬عمرهم،‭ ‬لكن‭ ‬بعد‭ ‬شهور‭ ‬قليلة،‭ ‬أغلقت‭ ‬الشركة‭ ‬وتبين‭ ‬أنه‭ ‬لا‭ ‬أساس‭ ‬لها‭ ‬من‭ ‬الصحة،‭ ‬وأن‭ ‬أموال‭ ‬الناس‭ ‬أكلها‭ ‬«الغراب»‭ ‬وطار‭.‬

أقيمت‭ ‬الدعاوي‭ ‬القضائية‭ ‬ضد‭ ‬هذا‭ ‬الهارب،‭ ‬حتى‭ ‬وصلت‭ ‬عدد‭ ‬أحكامه‭ ‬إلى‭ ‬‮٤٣٨‬‭ ‬حبس‭ ‬جزئي،‭ ‬منها‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬مطلوب‭ ‬التنفيذ‭ ‬عليه‭ ‬فيها‭ ‬ومنها‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬مستأنف،‭ ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬‮٧٢٤‬‭ ‬حكم‭ ‬غرامة‭ ‬في‭ ‬قضايا‭ ‬استيلاء‭ ‬ونصب‭ ‬وشيكات‭ ‬وسرقة‭ ‬تيار‭ ‬كهربائي‭.‬

ووصلت‭ ‬مدد‭ ‬حبسه‭ ‬إلى‭ ‬‮٥٩٥‬‭ ‬سنة‭ ‬وغرامات‭ ‬مالية‭ ‬تجاوزت‭ ‬حد‭ ‬الـ‭ ‬‮٢٨‬‭ ‬مليون‭ ‬جنيه‭.‬، بهذه‭ ‬الأرقام،‭ ‬كاد‭ ‬الرجل‭ ‬أن‭ ‬يصبح‭ ‬عالِمًا‭ ‬في‭ ‬النصب،‭ ‬إذ‭ ‬أنه‭ ‬ارتكب‭ ‬كل‭ ‬أنواع‭ ‬النصب،‭ ‬وامتهن‭ ‬تقريبا‭ ‬كل‭ ‬المهن،‭ ‬لكن‭ ‬وكما‭ ‬سبق‭ ‬القول،‭ ‬النهاية‭ ‬حاضرة‭ ‬وإن‭ ‬تعذر‭ ‬رؤيتها‭.‬

كان‭ ‬صاحبنا‭ ‬يغوى‭ ‬شركات‭ ‬الإنشاءات،‭ ‬ويحاول‭ ‬دائما‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬نطاق‭ ‬القاهرة‭ ‬الجديدة‭ ‬نطاقه،‭ ‬حيث‭ ‬الوجهة‭ ‬الاستثمارية‭ ‬الأكبر،‭ ‬ولكن‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬الفترة‭ ‬قرر‭ ‬أن‭ ‬يهدأ‭ ‬بعض‭ ‬الشيء،‭ ‬وعندما‭ ‬رأى‭ ‬أن‭ ‬عودته‭ ‬سانحة،‭ ‬وأن‭ ‬أجهزة‭ ‬الأمن‭ ‬لا‭ ‬تتعقبه،‭ ‬بادر‭ ‬وخرج‭ ‬من‭ ‬مخبئه‭ ‬باحثًا‭ ‬عن‭ ‬مكتب‭ ‬جديد‭ ‬يعود‭ ‬من‭ ‬خلاله‭ ‬للنصب‭. ‬

لكن‭ ‬كان‭ ‬خروجه‭ ‬ومراقبته‭ ‬هو‭ ‬السبب‭ ‬في‭ ‬تحديد‭ ‬مخبئه،‭ ‬وكانت‭ ‬تلك‭ ‬المعلومة‭ ‬الأولى‭ ‬التي‭ ‬جاءت‭ ‬للمقدم‭ ‬إسلام‭ ‬عبد‭ ‬العال‭ ‬رئيس‭ ‬مباحث‭ ‬قسم‭ ‬شرطة‭ ‬المقطم،‭ ‬والذي‭ ‬على‭ ‬الفور‭ ‬قام‭ ‬بإخطار‭ ‬اللواء‭ ‬أشرف‭  ‬الجندي‭ ‬مدير‭ ‬أمن‭ ‬القاهرة،‭ ‬والذي‭ ‬أمر‭ ‬بتشكيل‭ ‬فريق‭ ‬بحث‭ ‬برئاسة‭ ‬اللواء‭ ‬نبيل‭ ‬سليم‭ ‬مدير‭ ‬الإدارة‭ ‬العامة‭ ‬لمباحث‭ ‬القاهرة‭ ‬للقبض‭ ‬على‭ ‬المتهم،‭ ‬وبالفعل‭ ‬عقب‭ ‬تقنين‭ ‬الإجراءات،‭ ‬تم‭ ‬إستهدافه‭ ‬وأمكن‭ ‬ضبطه،‭ ‬وبمواجهته‭ ‬أمام‭ ‬العميد‭ ‬عمرو‭ ‬خاطر‭ ‬مفتش‭ ‬المباحث‭ ‬بالأحكام‭ ‬الصادرة‭ ‬ضده‭ ‬أقر‭ ‬بها‭ ‬وتم‭ ‬تحرير‭ ‬محضر،‭ ‬وأمر‭ ‬العميد‭ ‬محمد‭ ‬فرغلي‭ ‬مأمور‭ ‬قسم‭ ‬المقطم‭ ‬والرائد‭ ‬صلاح‭ ‬عبد‭ ‬الرحمن‭ ‬معاون‭ ‬الضبط‭ ‬بإحالة‭ ‬المتهم‭ ‬إلى‭ ‬النيابة‭ ‬العامة‭.‬

مقاول

الواقعة‭ ‬الأخرى،‭ ‬والتي‭ ‬شهدتها‭ ‬منطقة‭ ‬عين‭ ‬شمس‭ ‬بالقاهرة،‭ ‬لم‭ ‬تختلف‭ ‬كثيرًا‭ ‬عن‭ ‬تلك‭ ‬الواقعة‭ ‬التي‭ ‬شهدتها‭ ‬التجمع‭ ‬الخامس،‭ ‬الفرق‭ ‬فقط‭ ‬أن‭ ‬هارب‭ ‬التجمع‭ ‬صاحب‭ ‬شركة‭ ‬إنشاءات‭ ‬وأن‭ ‬هارب‭ ‬عين‭ ‬شمس‭ ‬مقاول‭.‬

الحكاية‭ ‬بدأت‭ ‬بـ‭ ‬مقاول‭ ‬اشترى‭ ‬قطعة‭ ‬أرض‭ ‬في‭ ‬نطاق‭ ‬مدينة‭ ‬عين‭ ‬شمس‭ ‬وأقام‭ ‬عليها‭ ‬برجًا‭ ‬سكنيًا،‭ ‬وعرض‭ ‬فيه‭ ‬شقق‭ ‬للبيع،‭ ‬وبالفعل‭ ‬أتاه‭ ‬الناس‭ ‬ودفعوا‭ ‬له‭ ‬الأموال،‭ ‬وفي‭ ‬الميعاد‭ ‬المحدد‭ ‬لتسليم‭ ‬الشقق‭ ‬السكنية‭ ‬لم‭ ‬يكتمل‭ ‬البرج،‭ ‬ومن‭ ‬الواضح‭ ‬وفق‭ ‬النظرة‭ ‬الأولى‭ ‬له‭ ‬أنه‭ ‬لن‭ ‬يكتمل،‭ ‬الأدهى‭ ‬والأمر‭ ‬أن‭ ‬الرجل‭ ‬مارس‭ ‬عمليات‭ ‬نصبه‭ ‬تلك‭ ‬في‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬برج‭ ‬ومكان،‭ ‬وله‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬ضحية‭.‬

وبعد‭ ‬أن‭ ‬تقدم‭ ‬الضحايا‭ ‬ورفعوا‭ ‬دعاوى‭ ‬قضائية‭ ‬ضده،‭ ‬وبلغت‭ ‬أحكامه‭ ‬108‭ ‬حكم‭ ‬بإجمالى‭ ‬حبس‭ ‬121‭ ‬سنة،‭ ‬وغرامات‭ ‬مالية‭ ‬قدرها‭ ‬16,137,200‭ ‬جنيه،‭ ‬كانت‭ ‬مسألة‭ ‬القبض‭ ‬عليه‭ ‬مسألة‭ ‬وقت‭.‬

وبالفعل‭ ‬وفي‭ ‬غضون‭ ‬أيام،‭ ‬تمكن‭ ‬المقدم‭ ‬باهر‭ ‬المشلاوي‭ ‬رئيس‭ ‬مباحث‭ ‬قسم‭ ‬شرطة‭ ‬عين‭ ‬شمس‭ ‬من‭ ‬القبض‭ ‬عليه،‭ ‬وبمواجهته‭ ‬بالأحكام‭ ‬الصادرة‭ ‬ضده‭ ‬أقر‭ ‬بها،‭ ‬وتم‭ ‬تحرير‭ ‬محضر،‭ ‬وأمر‭ ‬العميد‭ ‬محمد‭ ‬عمارة‭ ‬مأمور‭ ‬قسم‭ ‬عين‭ ‬شمس‭ ‬والعقيد‭ ‬أحمد‭ ‬العاصي‭ ‬نائب‭ ‬المأمور‭ ‬بإحالة‭ ‬المتهم‭ ‬إلى‭ ‬النيابة‭ ‬العامة‭.‬