شخصيات إسلامية l الإمام‭ ‬الشافعى..‭ ‬ دون‭ ‬مذهبه‭ ‬فى‭ ‬ثلاثة‭ ‬بلدان

الإمام‭ ‬الشافعى
الإمام‭ ‬الشافعى

‭ ‬أحمد‭ ‬جمال

هو‭ ‬محمد‭ ‬بن‭ ‬إدريس‭ ‬بن‭ ‬العباس‭ ‬بن‭ ‬عثمان‭ ‬بن‭ ‬شافع‭ ‬بن‭ ‬السائب‭ ‬بن‭ ‬عبيد‭ ‬بن‭ ‬عبد‭ ‬يزيد‭ ‬بن‭ ‬هشام‭ ‬بن‭ ‬المطلب‭ ‬بن‭ ‬عبد‭ ‬مناف‭ ‬بن‭ ‬قصى‭ ‬الشافعى،‭ ‬وقد‭ ‬وُلد‭ ‬الإمام‭ ‬الشافعى‭ ‬فى‭ ‬غزة،‭ ‬ومات‭ ‬أبوه‭ ‬فى‭ ‬طفولته‭ ‬فعاش‭ ‬يتيماً،‭ ‬وانتقل‭ ‬إلى‭ ‬مكة‭ ‬وهوابن‭ ‬عامين،‭ ‬فتعلّم‭ ‬الرماية‭ ‬منذ‭ ‬طفولته‭ ‬حتى‭ ‬أنه‭ ‬فاق‭ ‬أقرانه،‭ ‬وقد‭ ‬تعلّم‭ ‬الشافعى‭ ‬اللغة‭ ‬العربية‭ ‬والشرع‭ ‬وبرع‭ ‬فيهما‭ ‬وتقدم،‭ ‬ثم‭ ‬درس‭ ‬الفقه‭ ‬وأحبّه،‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬ساد‭ ‬أهل‭ ‬زمانه‭ ‬فيه‭.‬

‭ ‬رحلة‭ ‬الإمام‭ ‬فى‭ ‬طلب‭ ‬العلم‭ ‬

ارتحل‭ ‬الإمام‭ ‬الشافعى‭ ‬إلى‭ ‬المدينة‭ ‬المنورة‭ ‬وهو‭ ‬فى‭ ‬العشرين‭ ‬من‭ ‬عمره،‭ ‬وقد‭ ‬كان‭ ‬فى‭ ‬ذلك‭ ‬الحين‭ ‬مُفتياً‭ ‬مُؤهلاً‭ ‬للإمامة،‭ ‬وكان‭ ‬قد‭ ‬حفظ‭ ‬موطأ‭ ‬الإمام‭ ‬مالك،‭ ‬وضبط‭ ‬قواعد‭ ‬السنة،‭ ‬وفهم‭ ‬مقاصدها‭ ‬وعلم‭ ‬الناسخ‭ ‬والمنسوخ‭ ‬منها،‭ ‬وقد‭ ‬ضبط‭ ‬قواعد‭ ‬القياس‭ ‬والموازين،‭ ‬وتلقّى‭ ‬العلم‭ ‬على‭ ‬يد‭ ‬شيوخ‭ ‬كثر‭ ‬متفرقين‭ ‬فى‭ ‬بلاد‭ ‬مختلفة،‭ ‬وقد‭ ‬أخذ‭ ‬عنهم‭ ‬فى‭ ‬أثناء‭ ‬ترحاله‭. ‬ومن‭ ‬شيوخه‭:‬‭ ‬سفيان‭ ‬بن‭ ‬عيينة،‭ ‬مسلم‭ ‬بن‭ ‬خالد‭ ‬الزنجى،‭ ‬سعيد‭ ‬بن‭ ‬سالم‭ ‬القداح،‭ ‬مالك‭ ‬بن‭ ‬أنس،‭ ‬داود‭ ‬بن‭ ‬عبدالرحمن‭ ‬العطار،‭ ‬إبراهيم‭ ‬بن‭ ‬سعد‭ ‬الأنصارى‭ ‬وغيرهم‭ ‬الكثير‭.‬

واستمر‭ ‬فى‭ ‬الترحال‭ ‬وطلب‭ ‬العلم،‭ ‬فذهب‭ ‬إلى‭ ‬اليمن‭ ‬وبغداد‭ ‬مرتين‭ ‬وأسّس‭ ‬مذهبه،‭ ‬وقد‭ ‬ارتحل‭ ‬إلى‭ ‬مصر‭ ‬وبقى‭ ‬فيها‭ ‬عدة‭ ‬سنوات‭ ‬ثم‭ ‬توفيّ‭ ‬فيها‭ ‬وقد‭ ‬صنّف‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬التصانيف،‭ ‬ودوّن‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬العلم،‭ ‬وكتب‭ ‬مصنفات‭ ‬فى‭ ‬أصول‭ ‬الفقه‭ ‬وفروعه،‭ ‬وقد‭ ‬ذاع‭ ‬صيته‭ ‬فى‭ ‬ذلك‭ ‬الوقت‭ ‬وكثر‭ ‬عدد‭ ‬الطلبة‭ ‬عنده،‭ ‬فكلهم‭ ‬أرادوا‭ ‬أن‭ ‬يتعلموا‭ ‬من‭ ‬بحر‭ ‬العلم‭ ‬الذى‭ ‬كان‭ ‬عنده‭ ‬ومن‭ ‬تلاميذه‭ ‬أبوبكر‭ ‬الحميدى،‭ ‬وأبوإسحاق‭ ‬إبراهيم‭ ‬بن‭ ‬محمد‭ ‬العباسى،‭ ‬وأبوبكر‭ ‬محمد‭ ‬بن‭ ‬إدريس،‭ ‬وأبوالوليد‭ ‬موسى‭ ‬بن‭ ‬أبى‭ ‬الجارود،‭ ‬والحسن‭ ‬الصباح‭ ‬الزعفراني‭.‬

‭ ‬أخلاقه‭ ‬وصفاته

الإمام‭ ‬الشافعى‭ ‬كان‭ ‬يتصف‭ ‬بمكارم‭ ‬الأخلاق‭ ‬وحسن‭ ‬المعاملة،‭ ‬وشهد‭ ‬له‭ ‬كثيرون‭ ‬فى‭ ‬ذلك،‭ ‬فقد‭ ‬كان‭ ‬صاحب‭ ‬علم‭ ‬وخلق،‭ ‬ويتصف‭ ‬بالذكاء‭ ‬الشديد‭ ‬وقد‭ ‬قيل‭ ‬عنه‭:‬‭ ‬‮«‬لو‭ ‬وُزن‭ ‬عقل‭ ‬الشافعى‭ ‬بنصف‭ ‬عقل‭ ‬أهل‭ ‬الأرض‭ ‬لرجحهم‮»‬،‭ ‬وقال‭ ‬المأمون‭ ‬عن‭ ‬الشافعى‭:‬‭ ‬‮«‬امتحنته‭ ‬فى‭ ‬كل‭ ‬شيء‭ ‬فوجدته‭ ‬كاملاً‮»‬،‭ ‬وقد‭ ‬كان‭ ‬صافى‭ ‬العقل‭ ‬والذهن‭ ‬وسريع‭ ‬الفهم‭.‬ومن‭ ‬أفقه‭ ‬الناس‭ ‬فى‭ ‬كتاب‭ ‬الله‭ ‬والسنة‭ ‬النبوية،‭ ‬وقد‭ ‬قال‭ ‬أحمد‭ ‬بن‭ ‬حنبل‭ ‬عنه‭:‬‭ ‬‮«‬كان‭ ‬الفقه‭ ‬قفلا‭ ‬على‭ ‬أهله،‭ ‬حتى‭ ‬فتحه‭ ‬الله‭ ‬بالشافعي‮»‬،‭ ‬وقد‭ ‬كان‭ ‬الشافعى‭ ‬فيلسوفاً‭ ‬فى‭ ‬اللغة،‭ ‬واختلاف‭ ‬الناس،‭ ‬والمعانى‭ ‬والفقه‭.‬وكان‭ ‬يتصف‭ ‬بالورع‭ ‬فقد‭ ‬كان‭ ‬يختم‭ ‬القرآن‭ ‬فى‭ ‬رمضان‭ ‬ستين‭ ‬مرة‭ ‬فى‭ ‬الصلاة‭ ‬والتواضع‭ ‬خضوعه‭ ‬للحق‭ ‬وبذل‭ ‬النصح‭ ‬للعالم‭ ‬والسخاء‭ ‬وحسن‭ ‬الخلق‭ ‬الفراسة‭ ‬والفطنة‭.‬

‭ ‬منجزاته‭ ‬

أسس‭ ‬الإمام‭ ‬الشافعى‭ ‬مذهباً‭ ‬خاصاً‭ ‬به‭ ‬يدعى‭ ‬المذهب‭ ‬الشافعى،‭ ‬فبعد‭ ‬أن‭ ‬أقام‭ ‬فى‭ ‬بغداد‭ ‬مدة‭ ‬طويلة‭ ‬أراد‭ ‬أن‭ ‬يخرج‭ ‬للناس‭ ‬مذهباً‭ ‬يجمع‭ ‬فقه‭ ‬أهل‭ ‬العراق‭ ‬مع‭ ‬أهل‭ ‬المدينة،‭ ‬وقد‭ ‬دوّن‭ ‬مذهبه‭ ‬فى‭ ‬ثلاثة‭ ‬بلدان‭ ‬على‭ ‬ثلاث‭ ‬مراحل‭ ‬حسب‭ ‬مكان‭ ‬تواجده،‭ ‬وفى‭ ‬كل‭ ‬منها‭ ‬تلاميذه‭ ‬الذين‭ ‬تلقّوا‭ ‬العلم‭ ‬على‭ ‬يديه،‭ ‬وهذه‭ ‬البلدان‭ ‬على‭ ‬الترتيب‭ ‬هى‭:‬‭ ‬مكة‭ ‬المكرمة‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬عاد‭ ‬إليها،‭ ‬ثم‭ ‬بغداد‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬سافر‭ ‬إليها‭ ‬للمرة‭ ‬الثانية،‭ ‬ثم‭ ‬ارتحل‭ ‬إلى‭ ‬مصر‭ ‬ومات‭ ‬فيها‭.‬

‭ ‬الشافعى‭ ‬فى‭ ‬مصر‭ ‬

ذهب‭ ‬الإمام‭ ‬الشافعى‭ ‬إلى‭ ‬مصر‭ ‬وكان‭ ‬قد‭ ‬نضج‭ ‬فكره‭ ‬وزادت‭ ‬خبرته‭ ‬واختبر‭ ‬العمل‭ ‬بمذهبه،‭ ‬وهذا‭ ‬أدى‭ ‬إلى‭ ‬ظهور‭ ‬آراء‭ ‬جديدة‭ ‬لديه‭ ‬وحذف‭ ‬بعض‭ ‬الآراء‭ ‬القديمة‭.‬

‭ ‬مؤلفاته

ألّف‭ ‬الإمام‭ ‬الشافعى‭ ‬‭-‬رحمه‭ ‬الله‭-‬‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الكتب‭ ‬والمصنّفات،‭ ‬كما‭ ‬أنه‭ ‬أوّل‭ ‬من‭ ‬دوّن‭ ‬علم‭ ‬أصول‭ ‬الفقه‭ ‬ومن‭ ‬هذه‭ ‬الكتب‭:‬‭ ‬كتاب‭ ‬الرسالة،‭ ‬وهو‭ ‬أول‭ ‬كتاب‭ ‬كُتب‭ ‬فى‭ ‬علم‭ ‬أصول‭ ‬الفقه‭. ‬كتاب‭ ‬جماع‭ ‬العلم‭. ‬كتاب‭ ‬إبطال‭ ‬الاستحسان‭. ‬كتاب‭ ‬أحكام‭ ‬القرآن‭. ‬بالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬غيرها‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الكتب‭ ‬القيمة‭ ‬التى‭ ‬أثْرت‭ ‬علم‭ ‬الفقه،‭ ‬وأرشدت‭ ‬الفقهاء‭ ‬إلى‭ ‬هذا‭ ‬السبيل‭. ‬

‭ ‬وفاة‭ ‬الشافعى

توفيّ‭ ‬الإمام‭ ‬الشافعى‭ ‬سنة‭ ‬150هـ‭-‬204هـ‭ ‬فى‭ ‬مصر‭ ‬وكان‭ ‬عمره‭ ‬أربعاً‭ ‬وخمسين‭ ‬سنة،‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬ارتحل‭ ‬إليها‭ ‬سنة‭ ‬199هـ،‭ ‬فعاش‭ ‬فيها‭ ‬مدة‭ ‬خمس‭ ‬سنوات‭ ‬ثم‭ ‬مرض‭ ‬واشتد‭ ‬عليه‭ ‬المرض‭ ‬وتوفى‭ ‬على‭ ‬إثره‭ ‬وقد‭ ‬سأله‭ ‬أحدهم‭ ‬عن‭ ‬حاله‭ ‬وهو‭ ‬فى‭ ‬مرض‭ ‬موته‭ ‬فقال‭:‬‭ ‬يا‭ ‬أبا‭ ‬عبدالله‭ ‬كيف‭ ‬أصبحت؟‭ ‬فرفع‭ ‬رأسه،‭ ‬وقال‭:‬‭ ‬‮«‬أصبحت‭ ‬من‭ ‬الدنيا‭ ‬راحلاً،‭ ‬ولإخوانى‭ ‬مُفارقاً،‭ ‬ولسوء‭ ‬فعالى‭ ‬ملاقياً،‭ ‬وعلى‭ ‬الله‭ ‬وارداً،‭ ‬ما‭ ‬أدرى‭ ‬روحى‭ ‬تصير‭ ‬إلى‭ ‬الجنة‭ ‬فأهنيها،‭ ‬أو‭ ‬إلى‭ ‬النار‭ ‬فأعزيها،‭ ‬ثم‭ ‬بكى‭.‬