لا جدال أن مصر بقيادة رئيسها تقود المنطقة شمال وجنوب البحر المتوسط إلي مستقبل واعد وأكثر أمنا وأمانا، فعلينا معاونتها وتقديم الدعم اللازم لها».. هذا ما نطق به «أدميرال/ يانيس بافوبولوس» قائد مركز حلف الناتو للتدريب العملياتي للأمن البحري خلال كلمته الختامية للمؤتمر السنوي السادس للحلف والذي دار حول أمن الطاقة في البيئة البحرية المنعقد بالمركز بكريت، كما قام بتسليم قيادة المركز لقائد آخر.
سبق ذلك حضور أدميرال بافوبولوس ومعه وفد من قادة القوات البحرية بحلف الناتو مؤتمر «سفن الدورية البحرية بالشرق الأوسط» بأبوظبي في ديسمبر الماضي، حيث استمعوا خلاله لمحاضرتي باللغة الإنجليزية وعنوانها «الإرهاب البحري خطر يهدد الأمن القومي لدول الشرق الأوسط»، والتي رغم انتقادها لسياسات الحلف وأمريكا في المنطقة واعتبارهم شركاء في مسئولية نتائج الكثير مما يحدث وما يُنتظر حدوثه حولنا، إلا أن وفد الناتو أوصي بمشاركتي في فعاليات المؤتمر السنوي السادس للحلف المنعقد بمركز التدريب العملياتي للأمن البحري بجزيرة «كريت» المدة من 2 - 4 يونيو، وموضوعه «التحديات الحالية والمستقبلية لأمن الطاقة بالبيئة البحرية» بحضور «130» مدعوا من الناتو والاتحاد الأوروبي ومجلس التعاون الخليجي وممثلين لدول البحر المتوسط، وحاضر فيه «31» خبيراً في مجالات الدفاع والأمن القومي والأمن البحري، والإقتصاد وحرب المعلومات.
خلال محاضرتي المختصرة وحلقة النقاش حول التهديدات الحالية والمستقبلية لدول المتوسط والخليج العربي لم أتراجع عن نقدي العلمي المبني علي حقائق لسياسات أمريكا والناتو في المنطقة، وكنت أتوقع هجمات مضادة خلال محاضراتهم ونقاشاتهم، لأفاجأ بتأييد علمي دقيق مبني علي حقائق لموقف مصر السياسي والأمني والاقتصادي في المنطقة من قبل بعض المحاضرين.. حيث قام البروفسور «ديمتريس دالاكليز» خبير الأمن البحري بالجامعة العالمية للعلوم البحرية بالدنمارك بعرض محاضرة شاملة عن دور قناة السويس الجديدة موضحاً مزاياها، ومنها أن القناة القديمة تسمح بمرور «٤٨» باخرة يوميا وبإضافة القناة الجديدة يمر «٩٨» باخرة يوميا، مما يسرع الحركة المرورية ويقلل من فترات انتظار السفن.. ووضح أن قناة السويس الجديدة تبني بأيد مصرية 100% رغم تعرض القناتين لتهديدات مباشرة.. فقاطعه رئيس المؤتمر سائلاً «وهل يعني ذلك تقليل التكاليف التي تدفعها السفن؟» فأجاب «نعم.. ولذلك علينا معاونة مصر وقيادتها ودعم موقفها».
وخلال سلسلة محاضرات حول أهمية احتياطي الغاز للاتحاد الأوروبي وعن تأمين مصادر الطاقة البحرية وقواعد استخدام القوة لحمايتها ألقاها كل من بروفيسور أنتونيو فوسكولوس الباحث اليوناني في مجال الطاقة البترولية، وبروفسير الإقتصاد الإيطالي لورينزو تشيانو ديبيبي بجامعة جنوا، وبروفسير القانون الدولي الفرنسية كيارا نيري بجامعة ليون وضحوا من خلال بيانات وأرقام واتفاقيات دولية أن تكاليف الطاقة الشمسية للحصول علي أدني متطلبات للحياة باهظة، وأن مصر تعتبر أكبر دولة منتج للغاز في المنطقة وال»١٥» عالمياً، إلا أنها قد لا تجد كفايتها فيما تنتجه، وطبقا للاتفاقية مع قبرص ستستقبل مصر «يومياً» غازا خاما قيمته مليون وثلاثمائة ألف يورو لتسييله وتصديره لأوروبا عبر إسبانيا، وهذا ما قد يبرر إقدام مصر علي توقيع عقود مع شركات ألمانية لدعم مصر فنيا لتوليد الطاقة من الغاز الطبيعي.. وتسييل غاز البحر المتوسط في مصر سيقلل سعر البرميل إلي «10» دولارات في الوقت الذي تشتريه أوروبا من روسيا بـ»١٨» دولارا.. وسيحقق ذلك منافع عديدة لمصر أهمها استفادتها من أرباح تسييل الغاز علي أراضيها فتنتفع منه مباشرة كدولة مصنعة، ومن تشغيل العمالة المصرية، ومن وارد العملة الصعبة نظرا لتصديرها الغاز المسال لأوروبا، ومن ثم الدعم السياسي الأوروبي لها.. بجانب توصيف مصر بأنها دولة مصنعة ومصدرة للغاز الطبيعي وليست منتجة فقط.
وهذا ما أثار حفيظة الوفد التركي بالمؤتمر لدرجة تكرار تصعيد حدة الجدال مع المحاضرين معلنين أن هناك تعديا علي الحدود الإقليمية البحرية التركية بالاتفاقية المصرية اليونانية القبرصية، إلا أن السبب الحقيقي يتلخص في طمع تركيا في تسييل الغاز وعبوره خلال أراضيها لأوروبا بدلاً من مصر.. هكذا بني الخبراء آراءهم علي دلائل موضوعية تتسم بالعلم والمنطق.
وبدوري أوصيت بضرورة تجنب التكتلات الدولية التعامل مع دولة عربية منفردة، فيجب قيام الاتحاد الأوروبي كتحالف إقليمي بالتنسيق مع جامعة الدول العربية كتحالف إقليمي مناظر، وكذا قيام حلف الناتو كقوة عسكرية أمريكية أوروبية مكلفة بحماية مصالحها بتنسيق مهامه مع قوة الدفاع العربي المشترك الجاري تجهيزها والمكلفة بحماية المصالح العربية بالمنطقة.. كما يجب تجاوز الخلافات الدولية داخل الإقليم الواحد والتركيز علي التهديد الأخطر الآن، وهو الإرهاب العقائدي بالمنطقة، بالعمل الجماعي للتصدي له والقضاء عليه بأسرع وقت.