أسابيع قليلة مضت علي الرحلة التاريخية للرئيس السيسي إلي ألمانيا والتي كانت ملحمة من التجهيز والعمل المتواصل ليس فقط من الفريق الرئاسي وإنما أيضاً وبنفس القدر من الفريق المصاحب لرحلة الرئيس والذي ضم مجتمع الأعمال والصناعة ورموز الصحافة المصرية وقادة الدبلوماسية المصرية التي سبقت وصاحبت وتلت أيام الزيارة.
استدعت الذاكرة جانباً من تلك الملحمة خاصة ما كان منها علي محور مجتمع الصناعة والأعمال المصري.. بدت رحلة الرئيس علي الجانب الألماني أشبه ما تكون بضباب كثيف يعلو سطح البحر وسفينة مصر تقترب ببطء وثبات من الشاطئ الألماني ذي الميناء المهيب، فلا أحد يري السفينة رؤية العين وإن كانت صافرتها تسمع من بعيد وهدير آلاتها الخفيض يعلو تدريجياً، ومع انعدام رؤية السفينة علي أرض الواقع أعمل الكثيرون كل باتجاهه رؤيته البديلة المبنية علي التوقع الذي لا يخلو من الخيال والذي انعكس علي تصريحات وآراء وتلميحات حملتها الصحف والقنوات الفضائية التي لم تخل من التناقض الذي أتت به التيارات الفكرية المختلفة الواضح منها والخفي.
وكان وصول الرئيس إلي أرض العاصمة الألمانية برلين بمثابة رسو السفينة مصر علي أرض الواقع ليري الجميع رؤية العيان الواقع يفرض نفسه بهدوء وثقة فتوقفت التكهنات عن الطنين إذ أن الواقع قد حل محل الاجتهاد الذي لم يعد له لزوم حينئذ.
لم يكن قد مضي أسبوع سابق لموعد سفر الرئيس عندما صدر قرار السيد وزير الصناعة والتجارة والمشروعات الصغيرة والمتوسطة بتشكيل مجلس الأعمال المصري الألماني وإسناد رئاسته لشخصنا المتواضع وهو مجلس ضم نخبة متميزة من رجال الصناعة والأعمال المصريين الذين لهم تعاملات راسخة وناجحة مع ألمانيا. وهو الأمر الذي سهل تقسيم الأدوار وتوزيعها لتسبق وتصاحب وتتلو زيارة الرئيس.. وكم كان السيد الرئيس موفقاً عندما عمد إلي توجيه كلمة في بداية المؤتمر الصحفي الذي عقده أجاب فيه علي معظم الأسئلة التي قد ترد علي ذهن الصحفيين باعتبارها موضوعات مختلف حولها وبذا فوت الفرصة علي جانب من الصحفيين المدفوعين من تيارات بعينها من النفاذ من هذا الباب باعتبار أن تلك الأسئلة قد سبق الإجابة عليها إن كلياً أو جزئياً في طرح الرئيس المتقدم.. وكانت لقاءات مجلس الأعمال المصري الألماني مع النخبة من الجانب الألماني ناجحة التقت فيها الأفكار المتصادمة لتخرج بعدها في توافق يقبله منطق الآخر ليصحح من بعض مفاهيمه.. ففي حديث محموم أطلقته إحدي الشخصيات الألمانية في نقاش ردد فيه ست مرات كلمة الديمقراطية. وجاء الرد مقنعاً من أن مجلس الأعمال شأنه شأن الشعب المصري بكتلته الصلبة يؤمن إيماناً راسخاً بكل صور الديمقراطية وأشكالها مثل : ديمقراطية التوزيع العادل للثروة - ديمقراطية التوزيع العادل لفرص العمل- ديمقراطية مجتمع الفرص المتساوية - ديمقراطية تمكين المرأة - ديمقراطية حماية المرأة والطفل - ديمقراطية توفير الخدمات من تعليم ورعاية صحية لكافة فئات المجتمع وكذا ديمقراطية التمثيل العادل لفئات الشعب داخل المجالس النيابية.
وفي تعليق طريف أطلقه أحد كبار رجال الصناعة الألمان علي مائدة الغذاء إذ قال إن الديمقراطية لا تصنع خبزاً فرد عليه أحدنا قائلاً وإنما الديمقراطية ضرورة تؤمن الخبز وإن كانت لا تصنعه.
وفي نقاش حول ما بدا تناقضاً وقتياً بين الدعوة للاستثمار في مصر وتأخر صدور اللائحة التنفيذية لقانون الاستثمار الجديد، وكم كان الرد الهادي مقنعاً من أن القوانين السارية تسمح بإنشاء الشركات وانطلاق المشروعات الاستثمارية لتضع صدور اللائحة لتضع المزيد من المزايا والتسهيلات التي من شأنها أن تحسن مناخ الأعمال في مصر، بل إن الدول الصناعية مثل ألمانيا وكذا فرنسا لا يوجد بهما قانون للاستثمار إذ أن قوانين تأسيس الشركات المساهمة وغيرها وقوانين البورصة والضرائب وحماية المستهلك والتنافسية والدخول للأسواق والتخارج منها فيها ما يكفي لكافة أنواع الاستثمار دون الحاجة إلي قوانين إضافية كما أن في مصر قوانين مماثلة لكل ما سبق ذكره تعمل علي استقرار الأسواق في إطار كامل من الشرعية.. وللحديث بقية.