التفكير التقليدي للعسكرية المصرية»، تقرير صدر مؤخراً من «مركز التنبؤ الاستراتيجي الأمريكي للدراسات الأمنية والمخابراتية - ستراتفور» والذي يُطلق عليه «المخابرات المركزية في الظل» حيث أن معظم خبراءه عاملون سابقون بالمخابرات الأمريكية، تبدو نقاط التقرير لأول وهلة موضوعية، إلا أنني بدراستي المتأنية له تعجبت لما فيه من مغايرة وتناقض وتضليل في نقاطه.. فكيف يري معدوه أن التهديد المحتمل من العدو الإسرائيلي قد تضاءل في الوقت الذي تبني فيه إسرائيل قوتها العسكرية التقليدية، فتجدها تبني فرقها المدرعة وبما يحقق ثلاث أضعاف نظيرتها المصرية، وتحتفظ إسرائيل لليوم بأكثر من عشر ألوية مدرعة وميكانيكية في مواجهه سيناء؟ ناهيك عن حجم التشكيلات الجوية والوحدات الخاصة، وتعاظم تهديد قواتها البحرية لمياهنا الإقليمية، لماذا لم تقم إسرائيل بتسريحها أو تخفيضها أو حتي نقلها من أمام الجبهة المصرية؟
تبني إسرائيل قدراتها العسكرية الكمية والنوعية وبما يمكنها من إدارة حرب هجومية ناجحة علي الاتجاهات الاستراتيجية أمام سوريا ومصر مشركة قوات عربية أخري في المقارنة، فما بالك الآن وبعد سقوط أكبر الجيوش العربية، ألم تزد من قوة التهديد الإسرائيلي؟ولماذا تطوير الأسلحة التقليدية من مصادر متنوعة روسية وفرنسية وصينية يُعد إسرافاً في النفقات العسكرية علي حساب الحالة الأمنية والاقتصادية، ولم يكن كذلك عندما كان من المصادر الأمريكية؟
كيف يري تقرير مركز التنبؤ الاستراتيجي الأمريكي ضرورة قيام العسكرية المصرية بالاستثمار الضخم في تطوير قواتها وأسلحتها لمحاربة الإرهاب رغم قناعة المحللين الأمريكيين أن «لا الإرهاب في سيناء ولا الصراع الداخلي الليبي هو ما يهدد وجود الدولة المصرية، والذي تضاءل بعد الإطاحة بمرسي»، وكما ذُكر تحديداً في التقرير؟
كيف يصف التقرير العسكرية المصرية بالجمود رغم قيامها بتشكيل قوات التدخل وتسليحها وتدريبها لمكافحة الإرهاب؟ وكيف يري تسليح العسكرية المصرية لقواتها بما يحقق لها فقط القدرة علي إدارة حرب دفاعية ناجحة أمام عدو متفوق نوعياً علي أنه تعظيم غير مُبرر للأسلحة التقليدية سعياً منها لأن تكون لها هيبة ومكانة كاذبة، علماً بأن ميزانية تسليح الجيش الإسرائيلي تزيد عن ثلاثة أضعاف ميزانية تسليح الجيش المصري.
كيف أن العسكرية المصرية تنتهج المركزية لنزع المبادأة من الضباط وعدم تدريبهم علي الحرب ضد الإرهاب نظراً لتخوف القادة من إنقلاب الضباط عليهم.. فلماذا إنشق وإنقلب إذن القادة والضباط الأصاغر والصف ضباط بالجيوش السورية والليبية رغم إنتهاجها نفس المركزية التي يتحدث عنها التقرير.
لقد جاء هذا التقرير ليستند عليه البعض لشن حملة إعلامية ضد العسكرية المصرية التي مازال إنفاقها العسكري بالرغم من كل هذه الصفقات لا يصل إلي ثلث الإنفاق العسكري لإسرائيل،والسادس في المنطقة العربية علي الرغم من ان القوة العسكرية المصرية تحتل المركز الأول عربيا.

وأخيراً ورغم أتخاذ القيادة المصرية خطوات ملموسة للتصدي للإرهاب، إلا أنها وجب عليها الإستمرار في تطوير أساليب قتالها وتدريب كامل قواتها في سيناء وغيرها علي التكتيكات والمهارات الخاصة لمكافحة الإرهاب.. كما يجب علي القيادة المصرية أن تعظم من قدرات كافة مؤسسات الدولة لتقوم بدورها التنموي علي أكمل وجه، رافعة العبء عن المؤسسة العسكرية التي يقع عليها الاعتماد الأكبر في حركة التنمية الاقتصادية، لتكون بديلاً موضوعياًعن تزايد الإجراءات الأمنية المكثفة بالبلاد، ولتتفرغ القوات المسلحة لدورها الرئيسي في حماية حدود الدولة.