أذكى من «شرلـــــــوك هولمـــز»| تلميذتان اكتشفن عملية خطف طفل فى المول الشهير

نور وليلى
نور وليلى

محمود صالح 

  قبل حوالي سنتين، كانت «ليلى» تقف أمام «كشك»وبجوارها شاب يحمل على ظهره حقيبة جيتار، وفى غفلة عن البائع وعن الطفلة أسقط الشاب الحقيبة عن ظهره وفتحها، وبدأ فى وضع أى شيء يضع عليه يده.  

لاحظته الطفلة وانتبهت لتصرفه، وأيقنت أن الشاب يسرق، وأن تلك الحقيبة لم يكن فيها جيتار، وأنه يستخدمها لغرض السرقة فقط ليس إلا وعليه، بمجرد ما أن حضر البائع، لم تتردد لحظة، وأبلغته بما فعل الشاب بمنتهى الشجاعة دون أن تخشى شيئًا.  

وأنقذت الرجل صاحب الـ «كشك» من جريمة سرقة كاد أن يتعرض لها لولا وجودها. هذه الشجاعة، والفطنة، لازمتا ليلى حتى استطاعت وصديقتها «نور» أن تنقذاً طفلاً كاد أن يُخطف أمام عينيهما فى أحد المولات الشهيرة بمصر الجديدة، تفاصيل إنقاذهما للطفل بشجاعتهما ترويها السطور التالية.

كانت أولى النصائح التى ألقتها الأم على مسامع طفلتها أن لا تسكت عن باطل، وأن تتكلم دون أن تخشى أحد، وكانت هذه النصائح هى اللبنة الأولى في نشأة «نور»، وجعلت من شخصيتها شخصية متفردة بين أقرانها

هذا عن «ليلى» أما «نور»، صديقتها، فكانت تشبهها فى أخلاقها الفريدة وطبعها المتميز، وفى الحقيقة إن رأيت الطفلتين معًا ستظن أنهما توأمتان، وليس مجرد أصدقاء.

هما في الثالثة عشر من العمر، لهما نفس الطباع، والأسلوب، والأهم من ذلك أن إقدامهما على فعل الخير واضح لا لبث فيه، وأن جرأتهما فى الحق مستمدة من تربية حسنة تربياها، دون خوف أو تردد، ولولا هذا، لكان طفل فى الثالثة من عمره انضم إلى قائمة المخطوفين.

شجاعة

فى لقائنا معهما، داخل مدرسة نفرتاري الدولية، تحكي «ليلى» تفاصيل تلك الواقعة قائلة: «كنت أنا ونور فى طريقنا إلى منطقة المطاعم فى المول الشهير، لاحظت سيدة وفى يدها طفل صغير، وفى لحظة غفلت السيدة عن ابنها، ولم تأخذ الخاطفة أكثر من لحظة حتى رأيتها تمد يدها نحو الطفل وتسحبه من يده.  

فى البداية ظننت أنها ربما قريبته، ولكن من مسكتها للطفلة والتى بها غلظة وقوة مفرطة، دخل فى قلبي الشك، ولفتّ نظر «نور» والتى كانت فى الأصل تلاحظ ما يجرى أمامنا، ودون أن نفكر سرنا خلف السيدة، نلاحظ تحركاتها، حتى وجدنا الطفل يبكي بشكل هستيري، والسيدة تسحبه من يده غير عابئة ببكائه».

واستكملت: «كانت السيدة الخاطفة ملامحها متجهمة، وفى وجهها ندبات أدركنا بعدها أنها ندبات بآلة حادة، كالتى نراها فى وجوه المسجلين خطر والبلطجية، وصوتها غليظ، وملابسها طبيعية غير ملفتة للنظر، عبارة عن حجاب وقميص وجيب. ونحن نسير خلفها كنا ننتظر فقط اللحظة التى سأنقض عليها أنا و»نور»، وحانت هذه اللحظة عندما استطاع الطفل أن ينسل من يد تلك السيدة وحاول الركض نحو السلم الكهربائي، ومع أن السلم مخصص للصعود إلا أن الطفل كان يحاول النزول هربًا من السيدة التى وجد نفسه فجأة فى يدها. وقتها تدخلت أنا وصديقتي، وأمسكت الطفل، فجاءت تأخذه من يدي، فقلت لها من أنت ، فقالت لى أنها أمه، فقلت لها أنت  ليست أمه، فأنا رأيت هذا الطفل مع والدته فى منطقة الطعام، وليست أنت ».

تضيف «نور» قائلة: «وقت أن تدخلنا، كانت «ليلى» تحدث السيدة التى قبضت على يد الطفل، تحاول نزعه من يد «ليلى» لتهرب به، لكن كنت وقتها قد ركضت نحو فرد الأمن وجئت به إلى مكاننا بصحبة الطفل. سألنا فرد الأمن عن القصة وأبلغناه أن تلك السيدة ليست أم هذا الطفل وأنها تحاول خطفه، وكانت السيدة تحاول بكل الطرق أن تثبت أن هذا ابنها وأنها أمه، والطفل بين يدي «ليلى» يبكي بشكل هستيري».

حضن

واختتمت: «وقتها سمعنا من ورائنا سيدة تركض نحونا بمجرد ما أن رأت الطفل بصحبتنا، ظلت تنادي عليه بعلو الصوت الذي رج في كل أرجاء المول «مازن».. وبمجرد ما أن رآها الطفل عرفها وحاول الركض نحوها، وبعد أن ارتمى فى حضن أمه هدأت أعصابه وقل بكائه، وقتها رأينا أنا وليلى أن نذهب بعد أن اطمأن بالنا على الطفل وأنه عاد لأمه، وأننا استطعنا أن ننقذه من مصير مجهول كان سيلاقيه إن استطاعت الخاطفة أن تخرج به قبل أن يلاحظها أحد».

عقبت والدة «ليلى»، الدكتورة راوية ، قائلة: «بعد أن عادت بنتى إلى البيت وقصت عليا تلك القصة، رأيت أن من باب أولى أن أبلغ إدارة المدرسة بما حدث، لأننا كثيرًا ما نقرأ ونعرف عن الأخبار السلبية، فالأولى أنه عندما يحدث شيء ما إيجابي نتحدث عنه، وبالفعل كانت إدارة المدرسة قد أسعدها موقف ليلى وزميلتها، ولم تتوان الأستاذة «نهى» ناظرة المرحلة الإعدادية والثانوية عن تقديم التهنئة لـ «ليلى» و«نور» وإعطاءهما شهادة تكريم على موقفهما هذا.

وقبل أن تنهى حديثها قالت: «سألت ليلى سؤالًا وأذهلتني إجابتها، قلت لها، افترضى إن الست دى أمه وانتى طلعتي غلطانة؟ فقالت لي : أنا كنت خايفة من كده فعلا، بس قلت بيني وبين نفسي، لو طلعت غلطانة هيقولوا طفلة وغلطت، لكن لو طلعت صح هبقى أنقذت طفل صغير من الخطف ورجعته تاني لحضن أبوه وأمه اللي كان هيتحرم منه العمر كله».

ربما الخطأ الذي وقعت فيه «ليلى» أنها انسحبت وصديقتها بمجرد ما أن اطمأنتا على الطفل فى حضن أمه، وهذا ما جعلها تجهل ما حدث بعد ذلك، وهو ما قالته لها أمه، والتى قالت لها أنه كان عليها أن تنتظر حتى تحضر القوة الأمنية وتتأكد من أن السيدة صاحبة الندبات فى قبضة العدالة لتحاسب على جريمتها تلك، ولكن كان مبرر «ليلى» أنها فرحت عندما وجدت الطفل يعود إلى أمه أمام عينها، وهذه الفرحة جعلت قبلها يطمئن ويهدأ بالها، وعليه لم تجد سببًا فى بقائها بعد أن نجحت هى ونور فى إنقاذ الطفل.

كان موقف إدارة المدرسة داعمت لموقف وتصرف «ليلى»، وهذا شيء إيجابي لابد أن نشيد به حق الإشادة، وهى إقامة احتفالية، وتكريم «ليلى» أمام زملائها فى المدرسة، حتى تكون عظة لهم ويسيرون على دربها فى تصرفاتها النبيلة وموقفها الشجاع، وعقبت الأستاذة «نهى عزت» قائلة: «منذ أن أبلغتنى والدتها بما حدث، وموقفها وشجاعتها، عرضت الأمر على مجلس الإدارة الذي وافق على الفور على تكريم ليلى، وبالفعل قمنا بتكريمها، وهذا التكريم أقل شيء يمكن أن تقدمه المدرسة لها، لكن أردنا من تكريمها هذا إعطاء المثل والقدوة لزملائها، وحثهم على هذه المواقف الشجاعة دون خوف أو تردد».