بلاغ إلى «أخبار الحوادث»: مـواطن يطلب المساعدة فى منع زواج طفـلة لمسن

منع زواج طفـلة لمسن
منع زواج طفـلة لمسن

منى ربيع 

منذ عدة أيام رن هاتفي لأجد من يخبرني بأنه تابع حملتنا التي كانت منذ شهور قليلة عن الإتجار في البشر وخصصنا جزءًا منها لزواج القاصرات، يريد منع جريمة إتجار في البشر تقع أمام عينيه، وانه من خلالها استطاع أن يعرف معلومات عن قانون مكافحة الإتجار بالبشر والجرائم التى تندرج تحته، أتى صاحب البلاغ يحمل في يده حافظة بها بعض الاوراق وأعداد من الجريدة، عرفنى بنفسه بأنه يعمل محاسبًا، ويريد منع زواج جارته وهي طفلة تبلغ من العمر 13 عامًا من ثري عجوز وانه حاول مرارًا مع أسرتها لكنهم رفضوا الانصياع، ما اضطره لأن يأتي إلينا، وجرت بعدها الأحداث سريعة.

لم اتردد تحدثت مع أحد مصادري القضائية والذى اخبرنى بأن المبلغ ليس عليه سوى ابلاغ نجدة الطفل على رقم 16000، الذي خرج مسرعًا قاصدًا نجدة الطفل على وعد بالعودة مرة اخرى ليحكي لنا ماذا حدث؟.. وبعد يومين أتى المحاسب ليخبرنى بما فعله مع الخط الساخن لنجدة الطفل الذين سجلوا المحادثة كاملة؛ أخبرهم ابأن جارته الطفلة الصغيرة ذات الثلاثة عشر عاما سوف تزوجها اسرتها بعد أيام لثري عجوز، كان صوت الرجل يمتلئ بالفرحة وهو يروى لي سرعة استجابة نجدة الطفل لبلاغه وحضورهم للأسرة التى تسكن في نفس الحي الذي يسكنه، واستطاع القائمون على هذا الكيان المهم بالفعل منع تزويج الفتاة بالرغم من إنكار اسرة الطفلة لما ابلغت به، ولأن لم يكن هناك جريمة قد وقعت بالفعل إلا أن نجدة الطفلة طلبت من أسرة الصغيرة كتابة إقرار بعدم تزويجها وهي دون السن القانونى، واذا فعلوا ذلك سيعرضون أنفسهم للعقاب بعد إحالتهم للنيابة العامة بتهمة الإتجار بالبشر.

هنا سألته: ما الذى جعلك تلجأ لجريدة أخبار الحوادث؟

اجاب المبلغ مع احتفاظنا بكافة بياناته للحفاظ على هويته قائلا: انا أسكن في نفس الحي مع تلك الطفلة، وأعرفها جيدا فقد كانت تأتى وامها لدى والدتى المسنة تساعدها في مرضها وفي نفس الوقت كانت الصغيرة تذهب لمدرستها فهي للأسف نشأت وسط أسرة مفككة، فوالدها طلق أمها وتركهما دون حتى أن يسأل عنها، منذ ولادتها تقريبا، وبدأت الام تعمل من أجل الإنفاق عليها وعلى شقيقتها التى تكبرها بسبع سنوات، فتلك الطفلة الصغيرة لا تستحق ما كان سيحدث لها، فأنا أعرفها جيدا، كنت أعاملها مثل أولادى وكانت عندما تأتى لمساعدة أمي كنت أذاكر لها دروسها.

كيف عرفت بالقصة؟!

في أحد الأيام جاءت الصغيرة إلى أمي لتساعدها كالمعتاد، واثناء مراجعتى معها لدروسها، فوجئت بها تخبرنى بأنها لن تكمل تعليمها وانها حزينة من أجل ذلك، لكنها لا تعرف ماذا تفعل لأن أمها هي صاحبة القرار .

لكن حرمان الصغيرة من التعليم لم يكن فقط هو ما يحزنها، وذلك بعدما انهمرت في البكاء، بدأت أهدئ من روعها، واطلب منها أن تروي لي كل شيء، في البداية كانت خائفة، لكنها اكدت لي انه لا يوجد أمامها غيرى في محل أبيها تحكى له مصيبتها؛ وبدأت تروي لى السبب الحقيقي لحرمانها من التعليم وهو أن أمها وخالتها يريدان تزويجها من رجل مسن ثري، لانه وعدهما بشقة تمليك في أحد الأحياء الراقية ومبلغ مالى سوف يضعه باسم والدتها في البنك، وانها رفضت لكن الأم للأسف كانت مصممة على رأيها، لم اتمالك نفسي وانا أسمع ما ترويه الصغيرة ذات الـ 13 عامًا، وهي ترى نفسها سلعة تباع وتشترى لمن يدفع أكثر، في تلك اللحظة تذكرت ما تم نشره في أخبار الحوادث من حلقات الإتجار بالبشر وتذكرت أن ما ستفعله الام جريمة يعاقب عليها القانون، وطلبت من الصغيرة أن اتدخل عسى أن والدتها تقتنع بحديثي معها وتتركها تكمل تعليمها.

ألم تخش رد فعل والدتها من تدخلك لمنع زواج الصغيرة خاصة انك لا تمت لها بأي صلة قرابة؟

خشيت في البداية لا انكر ذلك، لكننى كنت أشعر بتأنيب الضمير فأنا اعرف الصغيرة جيدا، وكنت أعتبرها مثل ابنتى وشعرت بأن عليّ حمايتها، أخذت القرار وذهبت إلى الام والتى تقريبا شبه طردتني من بيتها وطلبت منى عدم التدخل، بعدها بدأت أعيد قراءة ما تم كتابته في جريدة أخبار الحوادث، وقمت بطباعة قانون الإتجار بالبشر من على مواقع  الإنترنت، واستوعبت جيدا أن تلك جريمة ووقوفي على الحياد فيها هي جريمة ضد الإنسانية، وكان علي الإبلاغ لذا توجهت إليكم دون تردد لأقابلك وترشديني إلى طريق الابلاغ.

ألم تخف من بطش عائلتها من إبلاغك عنهم خاصة انك جار لهم في نفس المنطقة؟

كل ما كان يهمنى وقتها هو منع الجريمة بأي وسيلة تكون، وعندما ابلغت عن تلك الواقعة بعد اتصالى بنجدة الطفل أخبرونى بأن بياناتى ستكون سرية، طبقًا لقانون حماية الشهود، وأكد لي المسؤول انهم سيحققون في الواقعة وعند التأكد من صحتها سيمنعون تلك الجريمة، في البداية ظننت أن الموضوع سيأخذ وقتا طويلا، لكن فوجئت في أقل من يومين بتحرك نجدة الطفل بالذهاب إلى أسرة الفتاة، وألزموهم بكتابة إقرار بالحفاظ على الصغيرة وعدم تزويجها وهي دون السن القانوني.

ماذا شعرت وقتها بعد أن كنت سببًا في منع تلك الجريمة؟

شعرت براحة البال والسعادة لأني كنت سببًا في الحفاظ على مستقبل تلك الصغيرة وعدم الإتجار بها.

في نهاية حديثنا معه سألناه ماذا تقول لمن يرى هذه الجريمة ترتكب أمام عينيه ولا يتحرك؟

صمت قليلا ثم تحدث قائلا: أريد أن اقول للجميع لا تصمتوا عن اي جريمة تروها أمامكم، فنحن في دولة قانون، وهناك أجهزة تتحرك سريعًا لمنعها، نجدة الطفل تعاملت مع بلاغي على مستوى المسؤولية والإيجابية، واحتفظت بكافة بياناتى وجعلتها سرية حفاظًا على حياتي وفي نفس الوقت تحركت سريعًا لمنع الجريمة وقد كان.

انتهى حديث المحاسب القانوني وهو في كامل سعادته ليلملم حافظة أوراقه وهو مرتاح البال والضمير ويغادرنا وهو يردد قائلا؛ صدقتم حين جعلتم شعار جريدتكم الموقرة؛ االجريمة لا تفيد.

وإن كانت لنا كلمة فهي؛ أن الزواج المبكر هو اغتيال صارخ على الإنسانية ممثلة في صورة طفلة صغيرة السن لذا حان الوقت لإنقاذ الطفولة بمشروع قانون جديد يغلظ العقوبة بما يتناسب مع الجرم.