توفر 95 % .. وأمريكا طالبت بنشرها

«الزراعات المائية».. الحل الفرعونى للتغلب على نقص مياه الري

الصوبة الزراعية
الصوبة الزراعية

علا نافع

منذ أن ظهرت مشكلة نقص الموارد المائية وإهدار الماء فى طرق الرى التقليدية، انتشرت طرق جديدة للزراعة أصبحت بمثابة حلول مبتكرة لمشكلة نقص الماء والإفراط فى استخدام المبيدات الزراعية فضلا عن جودة التربة، بل أصبح من السهل استخدامها فى الأراضى التى تعانى التصحر.. وأبرزها تقنية الزراعة المائية التى يتم الاعتماد فيها على نسبة بسيطة من المغذيات فى الماء بواسطة الأنابيب الموجود بها العناصر الرئيسية التى يحتاجها النبات للنمو، ما يحميه من الآفات التى قد تهاجمه، بخلاف زيادة الإنتاجية، والأهم توفيرها لأكثر من 95% من مياه الري.

ورغم كونها مكلفة فى بداية الأمر، خاصة مع إنشاء الصوب الخاصة بها، فإن عوائدها الاقتصادية مغرية للغاية، ناهيك عن حماية صحة المستهلكين، فالمحاصيل خالية تماما من المبيدات أو الأسمدة الكيماوية، كذلك يمكن استغلال فضلات الأسماك لتكون سماداً للتربة، أو ما يُعرف بتقنية "الساندوبونيك"، وهى واحدة من أشكال الزراعة المائية كذلك تقنيتى "الهيدروبونيك" و"الأكوابونيك".. يعدُّ المصريون القدماء أول من ابتكر هذه الطرق فى الزراعة، واستخدموها فى زراعة ورق البردى، وهناك الكثير من النقوش والبرديات التى تشير إلى ذلك، وجاءت دول أوروبا وأمريكا لتسير على ذلك الدرب، خاصة مع التغيُّرات المناخية، ومؤخراً نجح أحفاد القدماء المصريين فى نشر الزراعة بمناطق مختلفة، بل وباتت مصدر رزق للكثير من الشباب والأسر، ووصل عدد المزارع التجارية الكبرى التى تصدِّر إنتاجها للخارج أكثر من عشر مزارع فى مناطق الخطاطبة وبرج العرب وجمعية عرابى بدعم من جهات بحثية وأخرى خيرية مثل جمعية "مصر الخير".

نباتات وأسماك

على طريق القاهرة الإسكندرية الصحراوى وبالقرب من قرية الخطاطبة، يقف المهندس الزراعى محمد السكرى ليتابع سير العمل فى مزرعة "السلمى"، وهى الأولى من نوعها فى مصر لزراعة النباتات والخضر والأسماك فى دورة واحدة والمعروفة بتقنية "الساندوبونيك"، يعطى تعليماته للعمّال لفحص جودة الرمل الذى يعدُّ بمثابة الفلتر الطبيعى للمياه الموجودة بها الأسماك والمستخدمة فى رى الخضراوات والفاكهة، لا يتوانى عن متابعة درجة حرارة جذور الفواكه داخل الصوب الزراعية منعاً لإصابة الفاكهة بالضرر أو الاحتراق، ويسارع بإلقاء الطعام المخصص للأسماك فى أحواضها، إذ إن فضلاتها هى السماد الحيوى للنباتات والفواكه.

يتذكر السكرى السنتين اللتين أمضاهما فى مناقشة آليات إنشاء المزرعة مع المهندسين أحمد السلمى وربيع جمعة، بعد أن تبلورت الفكرة فى أذهانهم، ورغم وجود الكثير من التحديات التى قابلوها، فإنهم لم يستسلموا وباتت مزرعتهم الأولى فى تطبيق تلك التقنية المعتمدة أيضا على نظام الطاقة الشمسية، وحاليا يعكفون على زيادة رقعة مشروعهم واستنبات محاصيل أخرى فى المرحلة الثانية من المشروع.

يقول المهندس محمد السكرى لـ"آخرساعة": "بدأت فكرة تطبيق تقنية الساندبونيك بعد تواصلى مع المهندس أحمد السلمى صاحب المزرعة الذى كان مهتما بمشروعات الزراعة المائية، واقترحت عليه تطبيق هذه التقنية التى توفر نسبة كبيرة من الماء، فضلا عن إنتاج الأسماك، وهى أساس تغذية النباتات المزروعة داخل الصوب، وبعد عامين ونصف العام من التجارب خرجت المزرعة إلى النور".

وعن آلية العمل بالمزرعة يقول: "يطلق (الساندوبونيك) على نظام الزراعة الرملية، ويعتمد على وجود حبيبات الرمل فى أحواض الزراعة، وهى المسئولة عن تنقية المياه الممزوجة بمخلفات أحواض الأسماك من أعلاف وفضلات، ويسهم هذا فى تغذية النباتات بالعناصر اللازمة مثل النيتروجين والأمونيا، فضلا عن إمكانية إعادة استخدام المياه مرة أخرى فى أحواض السمك".

يتابع: "مساحة المزرعة حوالى ألف متر، تحتضن أربعة أحواض سمكية لا تتجاوز مساحة الحوض الواحد مائة متر، يتم فيها إنتاج الخضراوات مثل الطماطم الشيرى والكوسة والخيار، بجانب العنب والتين"، مشيراً إلى أن إنتاج الأسماك يصل إلى 50 كيلومتراً فى نفس المساحة، خاصة إذا كان من نوع البلطى النيلي، مؤكداً أن تقنية "الساندبونيك" هى الأفضل فى نظم الزراعات المائية من ناحية توفيرها المياه ومناسبتها للدول ذات البيئة الصحراوية.

الطحالب والبكتريا

أما المهندس ربيع جمعة فيقول: "بدأنا دراسة هذه التقنية من خلال تجارب بحثية بسيطة فى قرية (أبوغالب)، بعد التواصل مع الدكتور مارك، وهو العالم الأمريكى صاحب الفكرة، وبالفعل حصلنا على نتائج مذهلة من محاصيل متعددة كالطماطم والخس والفلفل الألوان وغيرها من دون اللجوء لرش مبيدات زراعية أو حتى التسميد"، مشيراً إلى أن هذه التقنية تعدُّ طفرة فى مجال الزراعات المائية.

وعن الفرق بينها وبين الأنظمة المائية الأخرى قال: إن الزراعة اعتماداً على تقنية الساندوبونيك تعتمد على الرمال الخالية من عنصر الكربون، فضلا عن الجودة العالية للنباتات مع تكاليف الزراعة المنخفضة، والأهم إمكانية زراعة أكثر من محصول فى الدورة الزراعية الواحدة، كما أن الطحالب والبكتريا التى تنمو على سطح الرمل تموت بعد مرور وقت بسيط، وتتحول إلى عناصر غذائية مهمة للنبات، كما تساعده على مقاومة الإجهاد والتغيُّرات المناخية الطارئة".

الشيخ عون والهيدروبونيك

ولم تكن مزرعة الساندوبونيك الوحيدة التى اعتمدت على توفير المياه وترشيدها فى الزراعة، بل إن أهالى قرية "الشيخ عون" بمحافظة البحيرة كانوا من رواد تلك التقنية وخاضوا غمارها بحب وتحدٍ، وحولوا قريتهم الصغيرة إلى مثال يُحتذى به، بعد أن نجحوا فى توفير غذائهم الأورجانيك من زرع أيديهم على أسطح المنازل، طماطم طازجة وخضراوات ورقية، وهناك أكثر من خمسة محاصيل نجح أهل القرية فى زراعتها معتمدين على أنابيب مائية متصلة بمواسير لا تُصاب بالأعطال ولا يطاولها الصدأ.

يقول خالد جويدة، أحد أهالى القرية والمسئول عن المشروع: "منذ أكثر من ست سنوات خرجت فكرة زراعة الأسطح إلى النور بعد دعوة أحد المهندسين الزراعيين إلى قريتنا، وقام بتعليم الأهالى أسس الزراعة باستخدام الخزانات المتصلة بالمواسير وتغذية الأنابيب البلاستيكية لرى النباتات كدائرة مغلقة وقام باستخدام فضلات الحمام كسماد عضوى، ما يعطى جودة للمحصول، فضلا عن توفير المبيدات والأسمدة الكيماوية مرتفعة الثمن".

ويشير إلى أن القرية حظيت بإشادة من محافظ البحيرة الذى أوصى بتطبيق التجربة فى كل القرى المصرية، بعد نجاح أهالى قرية الشيخ عون فى زراعة الأسطح بكافة الزراعات حتى أن السطح الواحد ينتج ما ينتجه نصف فدان من الأرض ناهيك عن القضاء على البطالة والفقر.

رائد زراعة الهيدروبونيك

ويعدُّ الدكتور أحمد توفيق، أستاذ المناخ وخبير نظم الهيدروبونيك بمركز البحوث الزراعية، واحداً من الرواد الذين نادوا بنشر فكرة زراعة الأسطح، وحصل مشروعه فى هذا الإطار على جائزة أكاديمية البحث العلمى قبل عدة سنوات، ولم يكتفِ بذلك بل احتضن عشرات الطلاب من كليات الزراعة المختلفة ليتعلموا من خبرته وتجربته الحية وكذلك الراغبين فى زراعة أسطح بيوتهم.

يقول الدكتور توفيق: "تعدُّ زراعة الهيدروبونيك من الوسائل الحديثة للتغلب على مشكلات ندرة المياه والتغيُّرات المناخية، وهى مناسبة للأرض ذات الطبيعة الصحراوية كمصر، وباستخدام تلك التقنية يمكننا أن نزرع أكثر من محصول خاصة الخضراوات الورقية كالشبث والخس والبقدونس، بما لا يقل عن 150 نباتاً فى المتر الواحد على عكس الزراعة التقليدية التى لا يزيد فيها عدد النباتات على 12 نباتاً فى المتر".

يضيف: "رغم التكلفة المادية العالية للمشروع فى بدايته، فإنه بعد أن تدور عجلة الإنتاج يتم توفير الأسمدة الكيماوية ونسبة كبيرة من الماء ناهيك عن كون المحاصيل طبيعية وخالية من الملوثات"، مؤكداً أن المصريين القدماء كانوا أول من خاض غمار الزراعة المائية بزراعة نبات البردى. ويتفق معه الدكتور هشام حجاج، خبير الأكوابونيك، وواحد من أصحاب المزارع: "تساعد تلك التقنيات على توفير مياه الرى وتخفِّض من حجم الأسمدة المطلوبة فضلا عن عدم استخدام المبيدات التى تضر التربة بمرور الوقت لأن النبات لا يوجد فى تربة من الأساس والأهم إمكانية زراعة أكثر من محصول فى الدورة الواحدة وهذا من الصعب تطبيقه فى الأراضى التقليدية". وينصح المواطنين بزراعة أسطح منازلهم بتقنية الزراعة المائية التى لن تكلفهم سوى أنابيب بلاستيكية ومواسير ماء.