محمد سرساوى
اعتزلت مديحة في هدوء، لم تثر ضجة، وظل احترامها للفن ولزملائها مستمرًا، وكذلك تقديرها لمشوارها الفني ورضاها عنه، ولكنها ابتعدت عن الأضواء، واستمرت علاقاتها بصديقاتها وزملائها في الوسط الفني، علاقة الود والاحترام المتبادل، وحاولت أن تشبع رغباتها في القراءة والتعبد والحياة الهادئة.
فبعد الاعتزال حضرت مديحة عدة لقاءات دينية من بينها نادى الأطباء بشاطئ سابا باشا بالكورنيش وحضرها 250 سيدة وفتاة من الطبيبات وزوجات الأطباء، ووجه الدعوة لها د. منصور محمد طبيب عائلة مديحة كامل فى كامب شيزار، وطبيبها عندما تكون فى الإسكندرية، وتحدثت عن تجربتها مع الحجاب واعتزال الفن وهي فى قمة نجاحها وعز شبابها، وأجابت عن أسئلة الحاضرات فى أمورها العامة والخاصة، وتقول: إنها أقامت سنة فى المعمورة لتكون قريبة من والدتها، وربما كان من أسباب الاعتزال الحقيقى مرض والدتها.
وأكدت ذلك في آخر حوار معها له صلة بالصحافة بإجابتها عن السؤال الذي يدور حول السبب المباشر لقرارها الحاسم بالاعتزال .
أن مرض والدتها هزها بعنف، ما فعله المرض بالأم الجميلة التى كانت تفيض بالحيوية والنشاط، فقد ترك المرض آثاره القاسية واضحة على وجهها وجسمها وفقدت الحيوية كلها، وتعيش لفترات غير مدركة لما يجرى حولها.
اهتزت أعماق مديحة كامل بقوة وشعرت بالخوف من المرض ومن الموت ومن الآخرة، وكانت كما تقول هداية من الله فاتخذت على الفور قرارها بالاعتزال والسير فى طريق الحجاب والإيمان، وأجابت عن سؤال صريح عن حقيقة ما تردد عن هدايا مالية ضخمة تقدم إلى المعتزلات. مؤكدة نفي هذا تمامًا بل أبدت استغرابها لأن يستكثر البعض أن يكون الإيمان الصادق هدية من الله، وليس هدايا من الأموال، وأضافت لو كان الهدف هو المال لكان الأسهل الحصول عليه من خلال المزيد من الأفلام والمسلسلات أو حتى الإعلانات.
وكان السؤال الذى يلح على الصحافة ومنها مجلة سيدتي التى نشرت هذا الموضوع: لكن هل كانت هذه الرؤية هى الدافع وراء اعتزال مديحة كامل؟ ثم ما هى حكاية مديحة كامل مع رمضان؟ متى بدأ الوجع يسكن قلبها؟ ثم لماذا أخفت خبر مرضها عن الجميع، وكلما سألوا كانت تقول: أنا بخير والحمد لله. ولماذا ظلت مديحة كامل صامتة طوال سنوات اعتزالها ولم تتكلم إلا مرة واحدة؟
والإجابات عن هذه الأسئلة كانت كثيرة ومتعددة ولكن بعض الإجابات اعتمدت على الشائعات وعلى فلانة وفلان، ولكننا فى سيدتى لا نعتمد على مثل هذه الإجابات، فلم تجب على أسئلتنا سوى مديحة كامل نفسها. ولسيدتى فقط أعلنت مديحة بكل بصراحة عن سبب اعتزالها، فقد قالت وهى فى حالة تأمل: الواجب على الإنسان أن يتوقف ويراجع نفسه لذلك توقفت وراجعت نفسى، وأعتقد أنه قد آن الأوان لما حلمت به منذ سنين، ففى رمضان كنت أترك كل شيء، وأقرأ القرآن الكريم والتفسير والسيرة، وفى كل رمضان كنت قريبة جدًّا من الاحتجاب عن العمل، ولكن شيئًا ما كان يمنعنى.
وتواصل مديحة كلامها قائلة، بمجرد إنتهاء رمضان وأيام العيد والأيام البيض تعود الاتصالات، وتعرض على الأعمال، وأعود وأنخرط فى العمل، ولكن قرار الاعتزال لم يغب عن ذهنى لحظة واحدة، وكان بداخلي هاجس يذكر أنه في رمضان المقبل سوف أتراجع وانسحب من الوسط الفنى فى هدوء.
-هل معنى هذا بأن الوسط الفنى ما يعيبه؟
كل وسط فيه الطيب والشرس، فيه النقى والتقى، هذا وذاك لكن المهم والمفيد أن الوسط الفنى لا علاقة له على بما حدث لى من تحولات. إننى ومنذ زمن بعيد أقرأ فى الدين، وأتعلم، وأدرس، وأسال، وأحاول بين فترة وأخرى أن أبعد عن الكل، وأتقوقع مع نفسى وذاتى، وأنظر لمعرفة أين أقف بالضبط فهو عامل نفسانى، والله عز وجل يلهمنا الوقفات.
وقرأت ذات يوم حديثًا للرسول صلى الله عليه وسلم يقول فيه القوى الخير أحب إلى الله من المؤمن الضعيف، وقفت أمام الحديث طويلا، وأدركت أن الله عز وجل يحب عباده الأقوياء، وقررت أن أكون قوية، القوة هى أن يفكر الإنسان فى الحياة، ويعرف ما هو أقصى شيء فيها، وما قيمة النجاح والنجومية ثم ما الهدوء والعطاء والحب الخالص، والفارق بين القيمتين واضحًا وضوح الشمس، لهذا انسحبت ورأيت أنه واجب عليّ التفرغ بقدر استطاعتى للعبادة.
-ماذا عن اللقاء الذى تم بينك وبين الشيخ محمد متولى الشعراوى، هل كان لهذا اللقاء تأثير على اعتزالك وارتداء الحجاب؟
نعم التقيت بالشيخ الشعراوى، ودار بيننا حديث طويل، ولكن لا أحب أن أذيعه، كان حديثًا خاصًّا، ولهذا لا يمكننى البوح بما دار فيه.
أما عن التغيرات التى حدثت لى، فأنا وكما قلت لست بعيدة عن ربى في أي لحظة، ولم أكن بعيدة عن دينى، ولا الدين ببعيد عنى، والحمد لله أنا أحفظ آيات كثيرة من القرآن الكريم، والكثير من الأحاديث النبوية الشريفة، ودائمًا أحاول أن أرضى الله عز وجل، وأرضى ضميرى كى أريح عقلى وقلبى.
كما حصلت صباح الخير على وثيقة مهمة.. شريط فيديو لجلسة نسائية تتحدث فيها مديحة فى بيت إحدى العائلات بالمهندسين عن أسباب اعتزالها الحقيقية. ولن نصف لكم ما حدث فقط نترك لكم ما قالته مديحة.
يبدأ الشريط بظهور مديحة كامل بين مجموعة من النساء اللاتي تتراوح أعمارهن بين العشرين والثلاثين فى منزل الأسرة التى احتفظت بالشريط لمدة أربع سنوات. فى بداية الجلسة، قالت مديحة كامل: يشرفنى أن أكون بينكم الآن، وأحب أن أقول فى بداية هذه الجلسة أنها ليست درسًا دينيًّا أو خطبة أنا لا أرقى لهذا، أنا لست داعية دينية أنا امراة مسلمة أحب الله، وقررت أن أتقرب منه، وأعرف دينى أكثر، أنا ما زلت تلميذة فى العلم، وأجتهد فى هذه الجلسة فى أن أحكى مشاعرى وأحاسيسى قبل الحجاب. سألتها إحدى الحاضرات:
-هل تبرأتى بعد اعتزالك وارتدائك الحجاب من الفن؟
فأجابت بدهشة: أتبرأ من الفن، أحرم الفن، لا يوجد فنان يملك أن يحرم الفن، فالفن ليس وصمة عار بالعكس الفن رسالة سامية وعظيمة. الفنان قدوة للمجتمع لأنه يقدم نماذج شخصية تفيد الجمهور، فأنا مثلا قدمت عبلة كامل فى الصعود إلى الهاوية، وهو دور أعتز به، أحب أن أشاهده دائمًا فى التلفزيون. وهو دور يوضح العقاب الذى يلقاه أى إنسان يخون وطنه، ثم أننى أرى أن مَن يحرم الفن هو الذي فعل الحرام فحرمه، فمن يقول أن الفن حرام يتكلم عن ناسه فقط، ولا يعمم الحرمانية على الفن كله.
أقول لكم مثالا لما شاهدت بنتًا تسير فى الشارع ليست محجبة مثلا وترتدى ملابس قصيرة، لا أستطيع أن أقول إن هذه إنسانة سيئة غير متلزمة ممكن تكون أفضل منى عند ربنا، بدل ما أنقد الناس خلينى فى نفسى ماليش دعوة بغيرى ..الحمد لله أنا علاقتى طيبة بزملائى في الفن يتصلون بى وأتصل بهم لأطمئن عليهم.
-سألتها سيدة أخرى عن سبب حجابها وهل وراءه ابنتها ميريهان والتى سبقتها فى الحجاب؟
قالت مديحة: مسألة الحجاب والاعتزال، وكيف تغيرت حياتى، وتحولت لهذه الصورة كانت بسبب أحاسيس خاصة جدًّا سيطرت عليّ جعلتنى اعتزل الفن وأرتدى الحجاب، وغير صحيح أن ابنتى تحجبت قبلى فأنا تحجبت قبل ابنتى ميريهان فى شهر رمضان 1992 ودعوت الله أن يهديها، وتتحجب فاستجاب الله لدعائى، ففى يوم وقفة عرفات أي بعد حجابى بشهرين كنت أقيم فى منزلى بالمهندسين مجلسًا دينيًّا، ودخلت ابنتى عليّ، وقلت لها تعالى يا ميريهان نصلى معًا، فصليت وانهمرت الدموع فى عينيها، ولم تخلع الطرحة منذ ذلك الوقت.
-وعندما سألتها سيدة ثالثة كيف تحولت من التمثيل إلى الحجاب؟
ابتسمت مديحة كامل، وقالت: أدعو الله أن يهدينى إلى التوقف عن التدخين مثلما هدانى إلى التقرب منه أكثر ..يا رب أبطل هذه العادة لأن عندى جلطة فى رجلى ممكن لو نفس واحد من سيجارة تطلع لقلبى أو لمخى لو ربنا أراد ،وتكمل مديحة كلامها، وبالنسبة لسؤال التحول من الفن إلى الحجاب كيف جاء؟ فأنا منذ الطفولة عندما كنت فى المدرسة كنت من أبطال الرياضة والتمثيل، وكانت هذه الهويات تأخذ من تركيزى فى الدراسة وكنت أذاكر آخر الشهر وأنجح.
فى أثناء عملى للسينما حدث لى حادث هزنى بشدة، وهو وفاة أخى مصطفى الذى كان يبلغ من العمر 17سنة، وكان ذلك عام 1978 بعد الحادث بدأت التقرب إلى الله، وأصبحت أواظب على صلاتى حتى وأنا أمثل كان موعد صلاتى كان موعد إقامة الصلاة مهما جدًّا ومقدسا بالنسبة لى، بعدها أخذنى بريق السينما، ومنذ خمس سنوات زهدت الدنيا والعمل، وكنت أتحاور مع نفسى فى غرفة المكياج، أستعد لمشهد أقوم بتمثيله فى البلاتوه، وأقول لنفسى: “أنا بأعمل ايه إلى متى، وهذا الموضوع ليس له نهاية”، وبعدها أصبحت أشعر أننى غريبة عن الوسط الفنى.