هبة الخولى
بدأت الدراما التلفزيونية منذ فترة في تسلط الضوء على ظاهرة التنمر، ونشر طاقة إيجابية للأشخاص الذين يتعرضون له، فكانت البداية مع الفنانة جميلة عوض فى حكاية “لازم أعيش” من مسلسل “إلا أنا” وناقشت تلك الحكاية موضوعا مهما جدًا، والذي كان “مرض البهاق”، إذ ظهرت فى بداية المسلسل خائفة بسبب تعرضها للتنمر على شكلها منذ الصغر، وحينما كبرت بدأت بإخفاء العلامات المتواجدة فى وجهها بمستحضرات التجميل وأصبحت تخدع الناس بسبب خوفها من التنمر.
وخلال الفترة الحالية جددت حكاية “حتة من القمر” من مسلسل “إلا أنا” الظاهرة، لتُعد حديث المجتمع حاليًا، حيث تتحدث عن شخصية فتاة تسمى “قمر” وتعاني من “وحمة” كبيرة في نصف وجهها وتتعرض للتنمر من أشخاص كثيرة في المجتمع، وأيضًا من والدتها لأنها منذ الصغر وهي لا تتحمل اختلاف شكل ابنتها عن باقي البنات بعمرها.
ودعمت الفنانة لقاء، الفتيات من خلال المسلسل والذي أكد ضرورة تقبلهم لذاتهم وقدرتهم على التعايش والمواجهة والاستمتاع بشكلهم المميز وعدم الالتفات لحديث الأشخاص السلبي.
وتقول لقاء الخميسي: “قصة المسلسل مستوحاة من خيال المؤلفة وليس لها أي علاقة بقصص لشخصيات حقيقية وإنما هي تعالج فكرة قبول اختلافات البشر ومحاربة التنمر ووجوب حب الذات والإنسان لنفسه كما خلقه الله عز وجل”.
وتضيف أن مؤلفة المسلسل استوقفها صورة لإحدى عارضات الأزياء التي ميزها الله عن باقي المخلوقات بـ”وحمة” تغطي نصف وجهها، فقررت البحث عن الموضوع ودراسته واكتشفت عددا كبيرًا من النساء والرجال والأطفال يمتلكون أنواع مختلفة من الوحمات ووقع اختياري بعد بحث شهور ودراسة الحالات على طفلة أمريكية تغطي الوحمة نصف وجهها، ابتسامتها كانت تغطي وجهها وتأسر القلوب، ورأيتها كالقمر الساطع مكتمل الجمال برغم ما يعتريه من ظُلمة تزيده جمالًا وغموضا”.
ويقول المؤلف أيمن سلامة، إن هذه المسلسلات جيدة لأنها تعالج قضية مهمة في المجتمع وتسعى لرفع الوعي عند بعض الناس عن طريق مشاهدة العمل، وهذا ما يجعلنا نتأكد أن الدراما في حالة تقدم بكل عام عن ما سبقه”.
“وتُقدم في مثل تلك الأعمال قصص حقيقية يجب أن تؤخذ في عين الاعتبار، فالمسلسل يُعبر عن موضوع من داخل المجتمع، مع القليل من خياله، ليُعد نسيج بين الخيال والواقع”.
أما الدكتور هاشم بحري أستاذ ورئيس قسم الطب النفسي بجامعة الأزهر يوضح: “يتعرض من يعاني وجود أي اختلاف بشكله للتنمر بشكل مستمر، وهو ما يُعد إيذاء واضحا للإنسان الذي يقع عليه التنمر، وعندما نواجه مثل تلك الحالات في عيادتنا نسعى دائمًا لمساعدتهم عن طريق زيادة ثقتهم بأنفسهم”.
ويتابع: “المتنمر عليه يعاني من الكسرة والضغط من الناس، وهو ما يشعره بالضعف ليصبح متوترًا دائمًا بسبب رؤية الناس لعيوبه، ومن غير المنطقي أن (نصلح الكون كله)، ولكن المنطق الذي نسعى لتحقيقه هو مساعدة الإنسان على التعامل مع تلك الضغوط التي يتعرض لها”.
ويوضح: “نحاول تقوية قدرة من يتعرض للتنمر على الثقة بالنفس وعدم الالتفات لمن يسخر منه، والإيمان بأن طريقة كلام الشخص المتنمر (مش هتوجعني)، لأنني بالتأكيد أمتلك العديد من الأشياء التي تميزني مقابل شيئًا واحدًا قد يجعل من شكلي سيئًا”.
ويستكمل: “بالإضافة إلى ضرورة وجود برامج لتوعية المجتمع للتخلص من تلك المشاكل حتى لا يسخر شخصًا من الآخر بسبب الشكل، فعلى سبيل المثال يوجد “شارل ديغول” والذي كان رئيسًا لفرنسا في الحرب العالمية الثانية، وكان يمتلك “انف طويلة” للغاية وبدأت الناس في السخرية منه ولكنه لم يلتفت لكلامهم بل كان يرد على حديثهم بالدعابة”.
ويتابع: “يجب وجود مؤسسات مثل الأسرة والطفل ووسائل الإعلام بمختلف أنواعها لتوعية المجتمع، ومن الممكن أن تصبح المسلسلات داعمًا لمن يتعرض للتنمر، ولكن عند وجود النهاية الإيجابية، فمن الضروري عدم تقديم عملًا من بدايته حتى نهايته سلبيًا حتى لا يشعر من يتعرض للتنمر بالإحباط”.
ويقول وليد هندي استشاري الصحة النفسية: “في العديد من الحالات يتعرض الإنسان لأزمات نفسية دون تدخل منه، فعندما يعاني من (الوحمة) أو مرض البهاق، أو أي علامة ظاهرة فيه، تتسبب له بالضيق والحرج والقلق المفرط، ويشعر دائمًا بالخوف من مواجهة الناس”.
ويضيف: “انتحر عديد من الناس بسبب التنمر، لأنه يُصيب الشخص بالحزن طوال الوقت، وتتأثر الإناث أكثر من الرجال، وخصوصًا إذا كان التنمر بسبب شيء في مكان ظاهري مثل الوجه”.
ويشدد: “يجب على الناس أن لا تبالغ عندما ترى شخصًا يعاني من أي شيء من هذا القبيل، بل رفع روحه المعنوية بالتشبيه بنجوم كبار، فعلى سبيل المثال الفنان العالمي عمر الشريف، كان يعاني من وحمة كبيرة في أذنه، وأيضًا الفنان حسن الأسمر، فهم (أبطال) لأنهم لم يستسلموا للناس”. ويختتم: “الجمال داخل الإنسان ولا يعتمد على شكله الخارجي فقط”.
ويقول الدكتور يحيى الرخاوي أستاذ علم النفس: “لا أستطيع التعليق على تلك النوعية من المسلسلات بسبب عدم مشاهدتي لها، فمن الممكن أن تكون قد تناولت تلك العلامات والتي تصل عادًة إلى درجة التشوهات”.
وعن إصابة الإنسان بعلامات واضحة والتنمر عليه بسببها، يوضح: “تُعد إصابة الإنسان بتلك الأمور (محنة) حقيقة وينبغي مراعاتها بكل شجاعة ومسئولية وليس بالإفراط في الشفقة التي تحمل قدرًا من التكبر حتى لو لم تبدو كذلك”.
ويكمل: “إن تلك العلامات من الممكن أن يختلف أثرها حسب توقيت العمر عند ظهورها، أو اكتشافها أو التنبيه إليها، بالإضافة إلى مكان ظهورها، فإذا رُصدت منذ الطفولة فإن الموقف يختلف تجاهها عن اكتشافها بمرحلة عمرية متأخرة، وكذلك يختلف التفاعل معها على حسب حجمها ووصفها والمساحة التي تشغلها في الوجه”.
ويتابع: “أعتقد أنه من يعتاد وجودها منذ الطفولة فى جو أسري دافئ مسئول، ويهتم بالجوهر أكثر من المظهر ويعطي للطفل حقوقه دون تركيز على تلك العلامات، وأيضًا دون إنكارها ولا مبالغة فى التهوين من آثار وجودها، فإنها قد تمر مرورًا طبيعيًا، بل من الممكن أن تكون دافعًا للتميز فى مجالات أخرى”.
وعن المسلسلات التي تتحدث على تلك النوعية من الأمراض يقول: “الأمر يتوقف على نوع المسلسل وتفاصيل السيناريو ومجمل الحكاية وفكرة العرض، لتصبح مسئولية مشتركة ومتزايدة يحملها كل الفريق المسئول عن المسلسل من أول كاتب النص حتى الإخراج وتوصيل الرسالة والموقف من جرعة التنمر”.
ويشدد: “يجب توصية الكبار وأولياء الأمور، على إقناع أولادهم بالتسليم لقضاء الله، والتي تُعد شيئًا لا نتذكره كثيرًا ونستهين بآراء الأطفال ومشاعرهم وعمق رفضهم للشفقة المُذلة، والصعوبات التي تواجههم من أجل تجاوز النظرة الأولى من أي أحدًا لهم”.
ويتابع: “أعتقد أن تواصل الإنجازات السلوكية وإتقان المهارات العقلية والبدنية والفنية من الممكن أن تكون تعويضًا لأي تنمر، دون وجود أي مبالغة من أي طرف من الأطراف”.