رفعت الجلسة | نظرات أبنائى.. تقتلنى

صورة تعبيرية
صورة تعبيرية

كان المشهد قاسيا، حزينا، سقطت الأم مغشية عليها، أصابها الذهول من هول الفاجعة، لم تستطع التفكير، من كان يناديها بالأمس «أمى»، أصبح يتطاول عليها ويتبرأ منها، بل ويتهمها بخطفه ويصفها بالعاهرة أمام الناس.
صرخات الأم لم تتوقف، كانت تطلب النجدة، تستغيث بمن حولها فى النادى، الجميع يركلونها بأقدامهم، حتى ابنها كاد يقتلها، إلى أن حضرت الشرطة وبدأت التحقيق فى الأمر.

لم تحدث الأمور كما تمنت هذه الزوجة، تعب سنوات فى المحاكم من أجل إثبات براءتها من تهمة الزنا التى اتهمها من كان فى يوم من الأيام زوجها، ذهب وكأنه سراب، اكتشفت حقيقته مع أول لقاء يجمعها بأطفالها، بل إن المعارك القضائية التى خاضتها تلك الزوجة مع طليقها للظفر برؤية أبنائها، تمنت بعد هذا المشهد أنها لم تتزوج ولم تنجب من الأساس.
 4 سنوات وهذه الزوجة تكافح لتحسين صورتها مع أبنائها، بعد أن طلقها الزوج، واتهمها بالزنا، وأخذ أطفالها وبدأ فى ملاحقتها قضائيا حتى لا يعطى لها منفذا تستطيع من خلاله  تملك حضانة أولادها.

إقرأ أيضاً | رفعت الجلسة | الجريمة الغامضة

مشاكل بسيطة كانت بداية الخلاف بين الزوجين، الغيرة القاتلة من الزوج، وجمال الزوجة الطاغى ساهما فى إشعال المشاكل، والوصول فى النهاية إلى الطلاق ثم بدء معارك قضائية وكلامية وخصام بين الطرفين.

كان الزوج حريصا على أن يجعل الصراع قضائيا بعد أن أغلق كل الأبواب أمام الزوجة للعودة مرة أخرى، قدم للمحكمة محادثات على الواتساب بين الزوجة وابن عمها، واتهمها بالزنا الصوتى عبر مواقع السوشيال ميديا، مقتصرا فقط على كلام ابن العم، ومتجاهلا رد زوجته عليه التى كانت تصده، وتخبره أنها متزوجة ولن تستطيع التخلى عن أولادها.

حاول الزوج بكل الطرق أن يضغط على الزوجة وأن يساومها بين الطلاق والتنازل عن حضانة أطفالها، تحاملت الزوجة على نفسها، رفضت عرض الزوج وتمسكت بأبنائها، لكنه بدأ فى إثارة المشاكل وحرمانها من أولادها، حتى قررت الزوجة الأخذ بنصيحة محاميها بأن تقبل العرض وتتنازل عن الحضانة مقابل الخلاص من هذا الزوج الذى اتهمها فى عرضها وشرفها وكان سببا فى مرض والدها.
 أخبر المحامى الزوجة بأن والدتها تستطيع أن تأخذ الحضانة بعدها، وأن أولادها سيكونون فى حضنها، حيث إن المحكمة لا تعترف بإقرار التنازل عن الحضانة، وتميل إلى منحها للزوجة.

وافقت الزوجة، واستجابت لطلبات الزوج، وحدث الطلاق، إلا أن الزوج لم يتنازل عن دعوى الزنا التى أقامها ضد زوجته، حيث صدر حكم بحبس الزوجة عاما.

كادت الزوجة تصاب بالجنون، خاصة بعد أن استغل الزوج هذا الحكم، وحصل بعدها على حكم بحضانة الأطفال، شعرت أنها فقدت كل شىء، سمعتها، وأولادها، لكنها لم تيأس، قررت خوض نفس المعارك التى خاضها الزوج، استجمعت قواها، وطعنت على حكم الزنا، وقدمت ما يفيد براءتها منه، وبعد عدة جلسات أصدرت المحكمة حكما بالبراءة.

لم تصمت الزوجة عند ذلك، بل قررت مقاضاة الزوج مطالبة بملايين الجنيهات تعويضا لها عن الضرر المادى والأدبى الذى أصابها جراء هذا الاتهام ومازالت القضية متداولة.
 لم يتوقف طريق المعارك، الذى قررت أن تسلكه الزوجة، أقامت دعوى رؤية لأولادها، وحضانة لأمها، قدمت للقاضى براءتها، وشرحت مأساتها، لتقرر المحكمة الحكم لها بأحقيتها فى رؤية أبنائها «الثلاثة» ساعتين كل جمعة.

شعرت الزوجة أنها حققت انتصارا، لكن ليس كل ما تتمناه تحقق، مازالت صورتها أمام أولادها مشوهة، فقد غرس الزوج فى نفوسهم وعقولهم الكراهية اتجاهها، لذلك كانت الزوجة حريصة على أن يكون أول موعد للرؤية، بمثابة جلسة صلح وتصحيح لكل المفاهيم الخاطئة التى غرسها ذلك الزوج فى نفس أولادها اتجاهها من ضغينة وكره.

بمجرد أن أخبرها محاميها أن موعد رؤيتها لأطفالها قد تحدد له الجمعة القادمة بنادى مدينة 6 أكتوبر، وأنه عليها أن تكون هادئة ولا تثير المشاكل وأن تثبت للموظف المسئول عن الرؤية كل شىء يؤثر على حقها الكامل فى رؤية أبنائها.
 استجابت الأم لنصائح المحامى، جهزت نفسها لهذا اللقاء الذى يأتى بعد 5 سنوات من الفراق، لم تر فيها أولادها إلا خلسة أو عبر صورهم على مواقع التواصل الاجتماعى.

أدت الزوجة صلاة الظهر، ثم توجهت مبكرا إلى النادى قبل ساعتين من موعد الرؤية، مصطحبة معها صورا قديمة تجمعها بأطفالها الثلاثة وهم صغار، حيث إنها تركتهم وأعمارهم تتراوح بين العامين والأربعة، والسبعة أعوام، لذلك كان كل ما يشغلها أسئلة كثيرة تدورفى ذهنها، هل سيتذكرها ذلك الطفل الصغير الذى تركته رضيعا؟، وهل يتقبل أطفالها الاثنان الآخران أمهما وهى محفورة فى أذهانهم «العاهرة» التى خانت زوجها، وألقت بأبنائها فى سبيل البحث عن شهوتها؟.

احتارت الزوجة بين عقلها وقلبها، لم تحدد كيف تكون نظرتها لأبنائها، هى بالنسبة لهم شخص غريب، غير مرغوب فيه، لكنهم بالنسبة لها كل حياتها، وروحها التى صارعت من أجل إحيائها من جديد.

كانت الساعة قد اقتربت من الثانية ظهرا، حيث موعد الرؤية المحدد من قبل المحكمة، دقائق والتقطت الأم بعينها المتلهفة شوقا أطفالها من بعيد، هى لا تستطيع أن تنسى ملامحهم، فهم محفورون فى عقلها وقلبها مهما فرقتهم السنوات، لكن نظرة اللهفة تحولت فجأة إلى قلق وترقب، بعد أن التقطت عينيها، زوجها وحماتها يصطحبان الأطفال إلى النادى.

لم تنس الزوجة ما فعله الاثنان بها، دار شريط الذكريات المؤلمة سريعا أمام عينيها، تذكرت حماتها تلك المرأة التى كانت سببا فى الفراق مع زوجها، والتى أرادت أن تقيدها فى منزلها، كان جمال الزوجة مثار غيرة للحماة، فقد أوزعت لابنها بتقييدها فى بيتها، كانت تكره ملابسى، تلقى بأدوات تجميلى فى القمامة، ترفض خروجى إلى المناسبات، كثيرا ما اتهمتنى كذبا، أما الابن، فقد خنع لأمه، ضربنى وقيدنى، واتهمنى فى شرفى، ثم قرر حرمانى من أولادى.

تجاهلت الزوجة ما يدور فى عقلها، قررت أن تفتح صفحة جديدة مع الجميع، ابتسمت كعادتها عندما شاهدت أطفالها الثلاثة يدخلون من بوابة النادى، ظلت تتفحصهم بعينيها، لم يكن يشغلها ذلك الابن الأكبر الذى يشبه أباه  شكلا وتصرفا، أو تلك الفتاة المتوسطة التى امتلكت جمالها فأصبحت نسخة منها، لكن ما كان يشغلها ذلك الغلام الصغير، الذى تركته وهو رضيع، أخذت تتفحصه بعينها، فهو مثار اهتمامها، وروحها الغائبة عنها.
 دخل الأطفال الثلاثة بصحبة والدهم وجدتهم إلى المكان المخصص للرؤية، اتخذوا طاولة مواجهة للطاولة التى تجلس عليها الأم، فى هذه اللحظة ارتبكت الزوجة، لا تعرف ماذا تفعل، هل تذهب إليهم أم سيحضرون هم إليها؟!.
5 دقائق مرت والوضع كما هو عليه، الأطفال يجلسون على الطاولة، مشغولون بهواتفهم، والزوج وأمه  يتجاهلان النظر إليها، بعدها قررت الأم أن تتوجه إليهم، تحركت من الطاولة اتجاههم، وعندما وصلت ألقت التحية عليهم لم يرد عليها أحد، ثم طلبت منهم أن تأخذ الأولاد ساعتى الرؤية التى خصصتها المحكمة لها.

فى هذه اللحظة وجدت الأم الرد، أخبرتها حماتها أنهما لا يمانعان تنفيذ حكم القضاء وعليها أن تطلب الأولاد للجلوس معها، أومأت الأم بالموافقة، ثم توجهت إلى أولادها بشعور يتراوح بين القلق واللهفة، أخبرتهم أنها أمهم، وأنها تريد أن تجلس معهم على الطاولة المجاورة، لكنها لم تحظ بأى رد، استمر الأطفال فى تجاهلهم لها، انشغلوا بهواتفهم، عادت الأم وطلبت منهم الجلوس معها، لكن لم يستجب أحد، وسط هذه اللحظة الحزينة ألقت حماتها بكلمة أخرجت الأم عن مشاعرها، قالت لها: «الأولاد مش عايزينك، انت بالنسبة لهم ميتة».
 ثارت الأم بعد هذه الكلمات، لم تستطع التحكم فى نفسها، كالت لحماتها وابنها الاتهامات، ثم توجهت إلى أبنائها أخبرتهم أنها أمهم، وأنها هنا لرؤيتهم، وعليهم ألا يصدقوا كل ما قاله هذان الاثنان عنها.

ارتفع صوت الأم وقابله صوت حماتها، فى هذه اللحظة انتبه الأطفال لما يحدث، تجاهل الصغير الحدث، فهو لا يعرف من هذه السيدة التى تثير المشاكل مع جدته، أما الفتاة، فكانت تشعر بجزء من الحنين إلى والدتها، طلبت من حماتها التوقف، والمغادرة قبل أن يتطور الأمر، لكن سرعان ما تدخل الأب وطلب منها أن تأخذ شقيقها الصغير وتشترى له حلوى من النادى بعيدا عن هذا الصراع .
وسط كل هذا، كان الابن الأكبر يراقب الموقف بين المتصارعين، بعد أن غادر أبوه إلى موظف النادى لإثبات ما يحدث من طليقته واتهامها بأنها أخلت بشروط الرؤية.

تطور الاشتباك اللفظى بين الأم وحماتها، إلى تماسك بالأيدى، فى هذه اللحظة تدخل الابن الأكبر، أخذ يوجه السباب لوالدته، طلب منها أن تغادر وألا تأتى مرة أخرى لرؤيتهم، وعندما ردت عليه الأم، وأخبرته أنها لن تنسى شهادته ضدها فى قضية الزنا وحديثه كذبا أنه كان يشاهدها تتحدث مع غريب عبر الهاتف وترسل له صورها عارية، من أجل إرضاء والده على حساب شرف وعرض أمه، اقترب منها الابن وأخبرها أنها ليست أمه، ومازالت عاهرة فى نظره، ثم أخذ يركلها بقدمه ويدفعه بيده بعيدا، وتدخلت الحماة وكالت لها الضرب، وحضر الأب وظل يدفعها بعيدا بقوة، طالبا منها أن تغادر لأنها أصبحت ميتة فى نظر أبنائها.
وسط  كل هذا كانت الأم تصرخ، تستنجد بمن حولها، حتى حضرت الشرطة واصطحبت الطرفين إلى القسم، ثم أحالتهما إلى النيابة، التى قررت استكمال التحقيق فى القضية بعد سماع شهود الواقعة.