الهيبة «زوغت» من المدارس.. حوادث العنف بين الطلاب حولتها إلى ساحات اشتباك

تجمعات الشباب أمام المدارس تهدد الفتيات
تجمعات الشباب أمام المدارس تهدد الفتيات

أحمد جمال

بعد مرور ما يقرب من شهر على انطلاق العام الدراسى الجديد، طفت ظاهرة العنف على السطح مجدداً بعد أن دعمت وزارة التربية والتعليم مسألة انتظام العام الدراسي، وهو ما أفضى إلى زيادة أعداد الطلاب الملتزمين دراسيًا بشكل يومى فى حين أن أدوار المدرسة السابقة التى كانت تلعب أدواراً مهمة على مستوى التربية قبل التعليم غابت إلى حد كبير، تحديداً فى المدارس الحكومية ذات الكثافات المرتفعة التى يصُعب فيها السيطرة على سلوكيات الطلاب.

بدأ العنف المدرسى مع انطلاق أول يوم دراسى والذى شهد وفاة طالبين بسبب ما جرى وصفه بـ"الصراع على المقعد الأول"، وكانت الحالة الأولى فى محافظة كفر الشيخ التى تعددت فيها حوادث العنف بشكل لافت داخل مدرسة زراعة ميت علوان الإعدادية، حيث أثارت رغبة الطالب فى الجلوس بالصف الأول غضب زملائه حتى تم الاعتداء عليه بالضرب وسقط مغشيا عليه ومصابا بنزيف داخلى توقفت على إثره خلايا المخ وعضلة القلب.

ووقعت الحالة الثانية بمدنية السادس من أكتوبر إثر شجار بين طالب وزميله بدأ مع بداية اليوم الدراسى وانتهى بعد أن أقدم طالب بالصف السادس الابتدائى على ضرب زميله أثناء تناوله وجبه الإفطار فاختنق ولفظ أنفاسه داخل الفصل الدراسى وفى غياب المُعلمين.

وفى مركز أجا بالدقهلية أصيب تلميذ بعاهة فى وجهه بعد أن ضربه زميله بـ"شفرة موس" فى جبهته استدعت عمل 14 غرزة لوقف النزيف وكانت هذه الواقعة داخل الفصل الدراسى وحرر الأب محضرًا فى قسم الشرطة لحماية نجله مستقبلًا من هذا التلميذ.

الواقعة الأبرز منذ انطلاق الدراسة كانت فى محافظة كفر الشيخ بعد أن فقد الطالب إبراهيم عطية البالغ من العمر 18 عاماً حياته بإحدى المدارس الثانوية على يد زملائه بعد تنمرهم عليه والشجار معه، وتعرض الطالب إلى إصابة بجرح قطعى فى الرقبة على يد ثلاثة من زملائه فى المدرسة، وحاول الضحية الدفاع عن نفسه إلا أن أحد الطلاب قام بكسر زجاجة وطعنه فى الرقبة، وسقط بعد أقل من 10 أمتار غارقاً فى دمائه، وفق إدارة البحث الجنائى بالمحافظة.

وشهدت المحافظة ذاتها اعتداء مُعلمة على تلميذ بالمرحلة الابتدائية بعد أن اقتحمت الفصل وأصابته بجروح فى رأسه باستخدام سكينة وفرت هاربة وتبين أن المُعلمة فعلت ذلك لأن التلميذ تشاجر مع ابنها فى الصف الثالث الإعدادى بنفس المدرسة، وأصابه بخدوش فى جسمه وعندما اشتكت لإدارة المدرسة مرت الأيام دون اتخاذ إجراء تجاه الشكوى فقامت بالتعدى على التلميذ بدعوى أنها تأخذ حقها وتقتص لنجلها بيدها.

وتباشر نيابة القاهرة التحقيق فى واقعة التعدى على تلميذ بالصف الخامس الابتدائى من قِبَل زملائه بالمرحلة الإعدادية، تسببوا فى إصابته بعاهة مستديمة بعد أن تربص له 5 من زملائه من تلاميذ المرحلة الإعدادية وتعدوا عليه بالضرب المبرح دون سبب نتيجة طلب أحد التلاميذ من هذا الطفل "مقص" فى حصة الرسم لكنه رفض، واتخذ وكيل وزارة التربية والتعليم ببورسعيد، نبوى باهى، قراراً بفصل طالبتين واستبعاد مديرة المدرسة على خلفية نشر رواد مواقع التواصل الاجتماعى فيديو من داخل إحدى مدارس مدينة بورفؤاد وبحيازتهما سلاح أبيض يستعرضان به مع تهديد إحدى زميلاتهما بعدما تغيبت عن الدراسة.

خلال تواصلنا مع عدد من المعلمين فإن هناك اتفاقاً على أن انطلاقة العام الدراسى هذا العام تعد الأكثر عنفًا منذ سنوات، وأن هناك تغيرات طرأت على سلوكيات الطلاب من دون أن يكون لدى إدارات المدارس القدرة على ضبط الأوضاع، وأن أولياء الأمور أنفسهم الذى كانوا يشجعون المدرسة على اتخاذ الإجراءات التأديبية ضد الطلاب تغيرت سلوكياتهم أيضًا وأضحوا يرفضون أى عقاب من جانب المدرسة تجاه أبنائهم.

فى البداية قال محمد البيلي، عضو ائتلاف معلمى مصر، إن مكوث الطلاب فترات طويلة داخل منازلهم فى ظل توقف الدراسة بشكل كبير خلال العامين الماضيين يعد أحد أسباب الأزمة الحالية، لأنهم تعرضوا طيلة هذه الفترة لمحتويات عنف عديدة سواء عبر الألعاب الإلكترونية التى تحض على العنف أو بعض الأعمال الدرامية والسينمائية التى تضاعفت فيها مشاهد السلاح واستخدامه على نطاق واسع، فى المقابل غابت أدوار الأخصائى النفسى والاجتماعى الذى كان يقوم بدور تقويمى داخل المدرسة.

وأضاف أن الطلاب الذين يعانون مشكلات أسرية أو اجتماعية نتيجة انفصال الأب والأم أو جراء عدم تفرغ أولياء أمورهم لتفاصيل حياتهم اليومية هم الأكثر عنفًا داخل المدرسة، وهناك محاولات للتعامل معهم فى إطار توجيههم من جانب المعلمين الذين يكون لديهم رصيد لدى الطلاب فيسمح لهم بقبول النصيحة.

وأشار إلى أن المدرسة بحاجة لتفعيل أدوار الأخصائى النفسى على أن يتبع ذلك تغيير مواز على مستوى متابعة سلوكيات الطلاب وأن يكون لدى الطالب إلى جانب الشهادة التعليمية شهادة سلوكية تدون فيها سلوكياته على مدار مراحله التعليمية على أن يكون لتلك الشهادة دور فى مستقبل الطالب العملى لتقويم سلوكه، مع ضرورة ضم عدد من التربويين وأساتذة علم النفس إلى لجان الرقابة على المحتويات الفنية لقياس نواتج التعلم من تلك الأعمال التى تؤثر على الطلاب.

وبالرغم من أهمية ما ذهب إليه البيلي، غير أن الوضع على الأرض يشير إلى أن هناك جوانب سلوكية فى المجتمع بوجه عام يجرى ترجمتها داخل المدرسة، الأمر الذى يكون بحاجة إلى دراسة البيئة المحيطة بالمدرسة والتعامل مع كل فئة بحسب ما تتعرض له، وأن بعض الحالات التى يجرى فيها استخدام السلاح سيكون من الصعب أن يجرى التعامل فيها مع أخصائى نفسى والأمر بحاجة إلى قدر من الترهيب.

لعل ذلك ما أكدت عليه غادة النوبي، وهى ولية أمر وأدمن جروب "أبطال الثانوية" على موقع التواصل الاجتماعى "فيسبوك"، والتى أكدت أن وجود إدارة مدرسية قوية يجعلها أكثر قدرة على التعامل مع حالات العنف التى أخذت أشكالا مختلفة، لكن ذلك لا يعفى مسئولية الأسرة التى يكون عليها المسئولية الأكبر جراء اتباع وسائل تربوية خاطئة وعدم الاهتمام بسلوكيات الأبناء وغياب الوازع الدينى لدى قطاعات واسعة.

وشددت على أن انفصال الطلاب عن أقرانهم داخل المدارس على مدار أكثر من عام ونصف جعل سلوكياتهم أكثر عدوانية تجاه بعضهم البعض وأن دور الأسرة لابد أن يظهر فى تلك المواقف من خلال عقد جلسات حوارية مع الطلاب لتعريفهم بكيفية التعامل مع أقرانهم الذين دخلت عليهم تغيرات فى سلوكياتهم وهيئتهم الخارجية التى قد تكون تغيرت فى حال الانتقال من مرحلة عمرية إلى أخرى، وكذلك الأمر بالنسبة للمدرسة التى يكون عليها أدوار تربوية أكبر.

وقال الدكتور عاصم حجازي، أستاذ علم النفس التربوى بكلية الدراسات العليا بجامعة القاهرة، إن الدروس الخصوصية تعد السبب الرئيسى لما آلت إليه أوضاع المدارس التى لم تعد تمارس دورها التربوى وتحولت إلى نادٍ اجتماعى لا يتلقى فيه الطلاب العلم بالقدر الكافى وأضحت مكانا لتسجيل الغياب والحضور وحجز مكان فى الصفوف الدراسية حتى يحصل الطالب على الشهادة الثانوية.

وأضاف أن المعلم كذلك فقد هيبته نتيجة انخراطه فى الدروس الخصوصية إذ إنه يمد يده للطالب من أجل الحصول على المال، وفى الوقت ذاته فإن الأسرة تتنصل من مسئولياتها وتلقى المسئولية على كاهل المدرسة فى حين أن الطالب يتعامل مع جملة من المؤسسات من المفترض أن تتوافق فى آليات التعلم حتى يكون لدينا أشخاص أسوياء، وهو ما يتطلب عقد دورات تدريبية لأرباب الأسر والمعلمين لتعريفهم بكيفية تقويم سلوكيات الطلاب.

وأشار إلى أنه لا يمكن إلقاء اللوم فقط على العنف المجتمعى أو ما يجرى بثه على وسائل الإعلام لأنها بالأساس ظواهر موجودة منذ قديم الأزل لكن كان يقابلها أدوار قوية للأسرة والمدرسة التى لعبت أدوارا مهمة فى تقويم سلوكيات الأجيال السابقة فى حين أن كلا الطرفين يتنصلان من مسئوليتهما التربوية، على أن يكون ذلك من خلال تعدد أدوات الترغيب والترهيب فى الوقت ذاته، وأن قوة الأساليب العقابية لابد أن يوازيها مكافآت مالية وتشجيعية للطلاب الذين يحافظون على سلوكهم السوي.. وهو أمر طالبت به داليا الحزاوي، مؤسس ائتلاف "أولياء أمور مصر"، والتى دشنت حملة بعنوان "التربية أولاً ووسطًا وآخراً"، ناشدت فيها المدارس بابتكار جديد لجذب التلاميذ إلى المدرسة والاهتمام بالتحلى بالأخلاق الكريمة، واقترحت عقد مسابقة "ملكة الأخلاق أو الطالبة المثالية والطالب المثالي"، على أن يتم وضع المعايير للاختيار بين التلاميذ منها أن يكون الطالب أو الطالبة حسن السلوك والسيرة، ومهتما بالنظافة الشخصية من مظهر وخلافه، ويهتم بحل واجباته و يتفاعل مع معلم الفصل، ويشارك فى الأنشطة المدرسية، وأن يكون متفوقا دراسيا، ويلتزم بتعليمات وتوجيهات المعلمين وإدارة المدرسة.