العشرة المبشرون بالجنة l ‬أبو‭ ‬عبيدة‭ ‬بن‭ ‬الجراح‭ .. ‬أمين‭ ‬الأمة

أبو‭ ‬عبيدة‭ ‬بن‭ ‬الجراح‭
أبو‭ ‬عبيدة‭ ‬بن‭ ‬الجراح‭

إعداد‭ - ‬عبدالعزيز‭ ‬عبدالحليم

هو‭ ‬أبو‭ ‬عبيدة‭ ‬عامر‭ ‬بن‭ ‬عبد‭ ‬الله‭ ‬بن‭ ‬الجراح‭ ‬الفهرى‭ ‬

اطلق‭ ‬عليه‭ ‬سيدنا‭ ‬رسول‭ ‬الله‭ ‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‭ ‬لقب‭ ‬أمين‭ ‬الامة‭ ‬فقال‭ ‬‮«‬إِنَّ‭ ‬لِكُلِّ‭ ‬أُمَّةٍ‭ ‬أَمِيْنًا،‭ ‬وَأَمِيْنُ‭ ‬هَذِهِ‭ ‬الأُمَّةِ‭ ‬أَبُو‭ ‬عُبَيْدَةَ‭ ‬بنُ‭ ‬الجَرَّاحِ‮»‬،‭ ‬فمنذ‭ ‬أن‭ ‬أسلم‭ ‬سيدنا‭ ‬أبو‭ ‬عبيدة‭ ‬بن‭ ‬الجراح‭ ‬وهو‭ ‬يحمل‭ ‬فى‭ ‬قلبه‭ ‬أمانةَ‭ ‬الدين‭ ‬وكيف‭ ‬يصل‭ ‬هذا‭ ‬الدين‭ ‬للعالمين‭ ‬بواسطة‭ ‬رسوله‭ ‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وآله‭ ‬وسلم،‭ ‬وفى‭ ‬سبيل‭ ‬ذلك‭ ‬نجده‭ ‬رضى‭ ‬الله‭ ‬عنه‭ ‬يتحمل‭ ‬من‭ ‬المصاعب‭ ‬ويظهر‭ ‬من‭ ‬الجلد‭ ‬والشجاعة‭ ‬ما‭ ‬يجعله‭ ‬جديرًا‭ ‬بلقب‭ ‬أمين‭ ‬الأُمَّة‭ .‬

فبعد‭ ‬الهجرة‭ ‬إلى‭ ‬الحبشة‭ ‬ثم‭ ‬إلى‭ ‬المدينة‭ ‬المنورة‭ ‬،‭ ‬يشترك‭ ‬فى‭ ‬غزوة‭ ‬بدرٍ‭ ‬فيبلى‭ ‬البلاء‭ ‬الحسن،‭ ‬ثم‭ ‬وفى‭ ‬غزوة‭ ‬أُحد‭ ‬يرى‭ ‬أبو‭ ‬عبيدة‭ ‬رضى‭ ‬الله‭ ‬عنه‭ ‬المشركين‭ ‬يحيطون‭ ‬برسول‭ ‬الله‭ ‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وآله‭ ‬وسلم‭ ‬ويحاولون‭ ‬قتْلَه،‭ ‬فلم‭ ‬يتأخر‭ ‬أبو‭ ‬عبيدة‭ ‬بن‭ ‬الجراح‭ ‬رضى‭ ‬الله‭ ‬عنه‭ ‬فى‭ ‬أن‭ ‬يسرع‭ ‬للدِّفاع‭ ‬عن‭ ‬حبيبه‭ ‬رسول‭ ‬الله‭ ‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وآله‭ ‬وسلم،‭ ‬ويحكى‭ ‬لنا‭ ‬سيدنا‭ ‬أبو‭ ‬بكر‭ ‬رضى‭ ‬الله‭ ‬عنه‭ ‬ذلك‭ ‬الموقف‭ ‬العصيب‭ ‬فيقول‭ : ‬‮«‬لما‭ ‬كان‭ ‬يوم‭ ‬أحد،‭ ‬ورُمِيَ‭ ‬رسول‭ ‬الله‭ ‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وآله‭ ‬وسلم‭ ‬حتى‭ ‬دخلت‭ ‬فى‭ ‬وجنته‭ ‬حلقتان‭ ‬من‭ ‬المِغْفَرِ‭ (‬الخوذة‭ ‬التى‭ ‬تحمى‭ ‬الرأس‭)‬،‭ ‬أقبلت‭ ‬أسعى‭ ‬إلى‭ ‬رسول‭ ‬الله‭ ‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وآله‭ ‬وسلم،‭ ‬وإنسان‭ ‬قد‭ ‬أقبل‭ ‬من‭ ‬قِبَلِ‭ ‬المشرق‭ ‬يطير‭ ‬طيرانًا،‭ ‬فقلت‭: ‬اللهم‭ ‬اجعله‭ ‬طاعةً،‭ ‬حتى‭ ‬إذا‭ ‬توافينا‭ ‬إلى‭ ‬رسول‭ ‬الله‭ ‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وآله‭ ‬وسلم،‭ ‬وإذا‭ ‬هو‭ ‬أبو‭ ‬عبيدة‭ ‬بن‭ ‬الجرَّاح‭ ‬قد‭ ‬سبقني،‭ ‬فقال‭: ‬أسألك‭ ‬بالله‭ ‬يا‭ ‬أبا‭ ‬بكر‭ ‬أن‭ ‬تتركنى‭ ‬فأنزعها‭ ‬من‭ ‬وجه‭ ‬رسول‭ ‬الله‭ ‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وآله‭ ‬وسلم‭..‬

فتركتُه،‭ ‬فأخذ‭ ‬أبو‭ ‬عبيدة‭ ‬بأسنانه‭ ‬إحدى‭ ‬حَلَقَتَيِ‭ ‬المِغْفَر،‭ ‬فنزعها،‭ ‬وسقط‭ ‬على‭ ‬الأرض‭ ‬وسقطت‭ ‬أسنانه‭ ‬الأماميَّة‭ ‬معه،‭ ‬ثم‭ ‬أخذ‭ ‬الحلقة‭ ‬الأخرى‭ ‬بسِنَّةِ‭ ‬أُخرى‭ ‬فسقطت‭!‬‭.‬

‭- ‬‭ ‬استعان‭ ‬به‭ ‬خلفاء‭ ‬رسول‭ ‬الله‭ ‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وآله‭ ‬وسلم؛‭ ‬ففى‭ ‬خلافةِ‭ ‬سيدنا‭ ‬أبى‭ ‬بكرٍ‭ ‬الصديق‭ ‬رضى‭ ‬الله‭ ‬عنه‭ ‬يرسله‭ ‬على‭ ‬رأس‭ ‬جيوش‭ ‬المسلمين‭ ‬التى‭ ‬تواجه‭ ‬الرومان‭ ‬فى‭ ‬بلاد‭ ‬الشام،‭ ‬واستطاع‭ ‬أن‭ ‬يدير‭ ‬المعارك‭ ‬بكفاءَةٍ‭ ‬مما‭ ‬مهَّد‭ ‬لفتح‭ ‬بلاد‭ ‬الشَّام‭ ‬بلدا‭ ‬تلو‭ ‬الأخرى،‭ ‬وفى‭ ‬عهد‭ ‬الفاروق‭ ‬عمر‭ ‬بن‭ ‬الخطاب‭ ‬رضى‭ ‬الله‭ ‬عنه‭ ‬فتح‭ ‬بيت‭ ‬المقدس،‭ ‬وكان‭ ‬إيذانًا‭ ‬بزوال‭ ‬ملك‭ ‬الروم‭ ‬عن‭ ‬سائر‭ ‬بلاد‭ ‬الشام،‭ ‬ونظرًا‭ ‬لجهود‭ ‬أبى‭ ‬عبيدة‭ ‬بن‭ ‬الجراح‭ ‬رَضى‭ ‬الله‭ ‬عنه‭ ‬فى‭ ‬فتوح‭ ‬الشام‭ ‬جعله‭ ‬الفاروق‭ ‬عمر‭ ‬أميرًا‭ ‬على‭ ‬الشام،‭ ‬فسار‭ ‬بين‭ ‬الناس‭ ‬بالعدل‭ ‬وكان‭ ‬زاهدًا‭ ‬متواضعًا‭ ‬حتى‭ ‬أن‭ ‬سيدنا‭ ‬عمر‭ ‬رضى‭ ‬الله‭ ‬عنه‭ ‬زاره‭ ‬فى‭ ‬يوم‭ ‬من‭ ‬الأيام‭ ‬قال‭ ‬لأبى‭ ‬عبيدة‭: ‬‮«‬اذهب‭ ‬بنا‭ ‬إلى‭ ‬منزلك‮»‬،‭ ‬قال‭:‬‮«‬وما‭ ‬تصنعُ‭ ‬عندى؟‭ ‬ما‭ ‬تريد‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬تبكى‭ ‬عليّ‭!‬‮»‬،‭ ‬فدخل‭ ‬فلم‭ ‬يرَ‭ ‬شيئاً،‭ ‬قال‭: ‬‮«‬أين‭ ‬متاعك؟‭ ‬لا‭ ‬أرى‭ ‬إلا‭ ‬لِبدًا‭ (‬الصوف‭ ‬المتلبد‭) ‬وصَحْفةً‭ (‬وعاء‭ ‬الطعام‭) ‬وشنًّا‭ (‬القربة‭ ‬من‭ ‬الجلد‭)‬،‭ ‬وأنت‭ ‬أمير،‭ ‬أعندك‭ ‬طعام؟‮»‬،‭ ‬فقام‭ ‬أبو‭ ‬عبيدة‭ ‬إلى‭ ‬جَوْنةٍ‭ (‬وعاء‭ ‬يشبه‭ ‬السلة‭ ‬أو‭ ‬الجرة‭ ‬يوضع‭ ‬فيه‭ ‬الخبز‭) ‬فأخذ‭ ‬منها‭ ‬كُسَيراتٍ،‭ ‬فبكى‭ ‬عمر‭ ‬رضى‭ ‬الله‭ ‬عنه،‭ ‬فقال‭ ‬له‭ ‬أبو‭ ‬عبيدة‭: ‬‮«‬قد‭ ‬قلت‭ ‬لك‭: ‬إنك‭ ‬ستبكى‭ ‬عليَّ،‭ ‬يا‭ ‬أمير‭ ‬المؤمنين‭ ‬إنما‭ ‬يكفى‭ ‬المرء‭ ‬القليل‭ .‬‭!‬”

فى‭ ‬سنة‭ ‬18‭ ‬هجرية‭ ‬لقي‭ ‬أمين‭ ‬الأمة‭ ‬ربه‭ ‬شهيداً‭ ‬بمرض‭ ‬الطاعون‭ ‬‭.‬

فحزن‭ ‬المسلمون‭ ‬لفقدهم‭ ‬واحداً‭ ‬من‭ ‬كبار‭ ‬الصحابة