إشراف: عصـام عـطــية
أفرزت السوق السينمائية فى الفترة الأخيرة مجموعة من الأعمال التى يُقدمها مخرجون شباب يحملون جوازات سفر أجنبية، ومن ثم أصبحت إشكالية التمويل الأجنبى خصوصا فى السينما تلقى بشباكها حول هوية الفيلم، وما يحمله من مساومات للتنازل عن الشكل والمضمون.
ما الذى يدفع صناع الأفلام وخصوصا الجيل الجديد من الشباب إلى اللجوء لفكرة التمويل من جهات خارجية؟.. وهل التمويل الأجنبى لثقافتنا يُعد دعما محايدا أم أن له أجندة سياسية؟ وماذا عن شروط هذا التمويل؟.. وما أكبر الشركات فى العالم الغربى التى تمول أفلامنا؟.. "آخرساعة" تنقب عن شركات التمويل الأجنبية للأفلام المصرية والعربية.
المشهد السينمائى الحالى لا يعدو كونه محاولات ومغامرات فردية قد يتحملها أشخاص أو يلجئون إلى جهات تمويل ودعم أجنبية تساومهم وتوجه معالجات تلك الأفلام لصالح أغراضها باعتبارها المالكة لتلك الأعمال، وللأسف هذا هو الواقع الحالى للسينما العربية بصفة عامة والمصرية بصفة خاصة.
المشكلة الأساسية ليست فى التمويل الغربى بل فى غياب التمويل العربى أو المحلى، كما أن المشكلة ليست مع الغرب من خلال السينما بل من خلال الأخبار، من خلال الصورة التى يرسمها الغرب عنا، صورتنا لدى الغرب مسممة، وهذا ما يقر به الدكتور فرانك ميرميه، مدير المعهد الفرنسى، فى أحد حواراته، عندما قال: "ليس ضمن سياسة المعهد الفرنسى للشرق الأدنى، بالنسبة إليه يجب التفريق بين المؤسسات الغربية، إذ لا يمكن جمعها فى سلة واحدة".
ويقول فرانك، نحن ليس لدينا البرامج نفسها التى لدى منظمة أمريكية ما تدعم المجتمع المدنى ولا الهدف نفسه ولا الإمكانات نفسها، يجب التفريق بين المؤسسات الأكاديمية والمؤسسات ذات الهدف السياسى، لأن الخطط والبرامج بين المؤسسات الغربية مختلفة جداً، بمعنى أن الصراع القائم فى الغرب هو صراع بين مؤسسات وأيديولوجيات مختلفة تماماً كالصراع القائم فى الشرق.
وعن ثقافة التنمية التى تدعمها المراكز الثقافية الغربية وتساهم فى إنتاجها، يرد ميرميه: "هذا جانب لا يمكن إنكاره، ثمة مؤسسات غربية ذات طابع سياسى وتقوم بعمل جيد لكنها فى الوقت نفسه تدعم مواضيع مثل الجندر والجنس والمثلية والمرأة والشباب، هدف هذه المؤسسات الإضاءة على المواضيع المهمشة فى العالم العربى، نحن كمركز علمى أكاديمى تتركز بحوثنا على مواضيع موجودة فى الحياة اليومية وعلى ظواهر ثقافية مهمة غير معروفة فى الغرب، بالنسبة إلي- مثلاً- لست متحمساً لدراسة الأصولية إذا لم تكن هناك دراسة مماثلة لحركات سياسية أخرى. أنا ضد رؤية العالم العربى من منظار الإسلام السياسى فقط. لهذا لدينا دراسات عن المسرح اللبنانى وأدب الطفل وسكن الفقراء فى المدن العربية".
قد يكون التمويل الثقافى الغربى مشروطاً بطريقة أو بأخرى، خاضعاً لاعتبارات سياسية أو محض ثقافية، وهذا يذكرنا بما حدث للمخرج كريم الشناوى عندما رفض استكمال مشروع فيلمه التسجيلى ــ الذى تدور فكرته حول سعى الشباب للهجرة غير الشرعية ــ بعد اكتشافه أن جهة التمويل تتبع إسرائيل مما أثار العديد من علامات الاستفهام حول مصادر التمويل التى تحصل عليها بعض الأفلام التسجيلية القصيرة المصرية والعربية.
إذا تتبعنا جهات التمويل عبر العالم فسنكتشف اشتراك جنسيات مختلفة فيها ومنها جهات عربية، فنجد مثلا جهات تمويل خليجية موجودة بدبى تشارك فى تمويل العديد من الأفلام، كما نجد أن أفلام يوسف شاهين معظم جهات تمويلها فرنسية، ولكنها ليست لها أهداف إلا تمويل صناعة فيلم ناجح، وحتى على المستوى المحلى فإننا نجد أنه ليس هناك فيلم يقع عبء إنتاجه حصريا على شخص بعينه.
أيضا التمويل يتم عبر مؤسسات عربية تمويلها بشكل رئيسى عربى، ولكن أجندتها أجنبية، فقدرة وسائل الإعلام ــ خصوصا الفضائيات والسينما ــ على الوصول إلى شريحة كبيرة من الناس، ومقدار رواج ما تقدمه تلك الوسائل الإعلامية من أفكار، هو ما يجعل منها سلعة مرغوبة وغالية الثمن، لأن الثمن هنا يدفع لعدد العقول التى يمكن النفاذ إليها والتأثير عليها، وصياغة أفكارها وميولها، هذا تماما ما أغرى قبل أكثر من عامين رجل الأعمال الأمريكى روبرت مردوخ صاحب أكبر إمبراطورية إعلامية "نيوز كورب"- لشراء 20 % من أسهم شركة روتانا للخدمات الإعلامية التى يملكها الأمير السعودى الوليد بن طلال، وهى نسبة تمكنه من التدخل فى رسم السياسات وامتلاك ناصية القرارات المهمة فيها، وفق أجندته الخاصة التى لم تعد خافية على أحد، فروبرت مردوخ بإمبراطوريته الإعلامية المنتشرة حول العالم، هو من أكبر الداعمين للكيان الصهيونى استثماريا وإعلاميا ولسياستها فى فلسطين المحتلة، وكانت الصفقة تسير وفق تخطيط مسبق ومبرمج، بدأ أولا بشراء الشركة القابضة التى يمتلكها ويديرها الوليد بن طلال، حصة تقدر بـ 5٫7% من أسهم شركة "نيوز كورب" التى يمتلكها مردوخ، ثم باستضافة روتانا قناة الأفلام فوكس ــ التى تعود ملكيتها لمردوخ ــ على مجموعة قنواتها، وآخر هذه الصفقة شراء مردوخ لأسهم من شركة روتانا.