علي سعدة يكتب.. نقطة علي حرف 

الكاتب الصحفي علي سعدة
الكاتب الصحفي علي سعدة

بقلم م. علي سعدة

جزاء سينمار

لمن لا يعرف سينمار هو مهندس معماري بيزنطي عبقري بني للملك النعمان قديما قصرا بديعا سمي قصر الخورنق .. وتقول الأسطورة أن النعمان لم يقدر سيمنار حق قدره .. فقال له سيمنار ان هناك حجرا في القصر لو تمت إزالته لانهار القصر .. وانه وحده يعرف مكان هذا الحجر .. فما كان من الملك إلا ان أمر بإلقاء سينمار من أعلي القصر ليسقط صريعا .. حتي يدفن سر الحجر معه .. وتتناقل الأجيال من بعده المثل القائل ( نال جزاء سيمنار )
تذكرت تلك القصة مع قدوم يوم ٣ نوفمبر .. ذكري مولد فارس الصحافة الأول إبراهيم سعده .. بالطبع شهادتي فيه مجروحه لكن زملاؤه وتلامذته يعلمون جيدا قدر الاستاذ الفارس وماقدمه لوطنه ومافعله لرفعه شأن مؤسسة أخبار اليوم التي كان رئيسا لتحريرها، ثم رئيسا لمجلس إدارتها حقبة ليست قليلة من الزمن.
"أريح وأستريح ".. عبارة قلبت مصر رأسا على عقب اختتم بها الكاتب الصحفي الكبير الراحل إبراهيم سعده مقالة الذي نشر في الصفحة الرئيسية بجريده أخبار اليوم في يونيو ٢٠٠٥  في سابقه تاريخية كأول رئيس مجلس إدارة مؤسسة صحفية قومية يتقدم باستقالته بل كأول مسئول يستقيل من منصب بمحض إرادته بعد حلمي مراد وزير التعليم في عهد الرئيس جمال عبد الناصر.
عدد ١٨ يونيو ٢٠٠٥ من جريدة أخبار اليوم كان استثنائيا .. الجميع يتحدث عن الاستقالة المفاجئة لإبراهيم سعده رفضًا للقوانين الصحفية التي أعدت بإشراف لجنة سياسات الحزب الوطني برئاسة جمال مبارك النجل الأصغر لرئيس الجمهورية آنذاك بمعاونة صفوت الشريف رئيس مجلس الشورى حينها وأنس الفقي وزير الإعلام الأسبق والتي اعتبرها الراحل تدخلا في العمل الصحفي للمؤسسات. 

كتب ابراهيم سعده .."لا شأن لي بما يخطط له رئيس مجلس الشورى ووزير الإعلام ولجنة سياسات الحزب الوطني الحاكم(برئاسة جمال مبارك) فهذا شأنهم وتلك قناعاتهم ولكن من حقي في المقابل أن أحافظ على كرامتي وعلى البقية الباقية من احترام الآخرين لشخصي وأطالب مجلس الشورى بقبول استقالتي لـ "أريح وأستريح" وهذه كانت آخر فقرة سطرها إبراهيم سعده في مقاله التاريخي.
جري العرف في اروقه صاحبة الجلالة ان يستمر رئيس مجلس الادارة في مكتبه ويحتفظ بعموده في الجريدة لحين وفاته .. واستمر إبراهيم سعده في كتابه عموده ( اخر عمود ) الي ان جاء الاخوان علي رأس الحكم وفوجيء باحد تلاميذه يعدل علي كتاباته في عموده اليومي لتتواءم مع التوجه الاخواني للدولة.. وهنا كانت القشة التي قسمت ظهر البعير فقرر الاستاذ الكبير اعتزال الكتابة تماما وسافر مع زوجته الي مسقط رأسها في سويسرا تجنبا لبطش الاخوان الي ان اعاده مشكورا الرئيس عبد الفتاح السيسي معززا مكرما الي القاهرة ليستكمل علاجه في مستشفي الصفا، وكنت حاضرا يومها في غرفته هناك عندما لم يتحمل مصعد المستشفي بوكيه الزهور الضخم الذي ارسله سيادة الرئيس للاستاذ ابراهيم مع خالص تحياته بقدومه لأرض الوطن واضطر السعاة للصعود به علي درجات السلم .
ولمحت الدموع في عيناه وهو علي فراش الموت امتنانا وشكرا للتقدير الرئاسي لتاريخه الطويل
رحم الله الفقيد واسكنه فسيح جناته