"عصابة الإخوان".. وخريف السقوط

جماعة الإخوان الإرهابية
جماعة الإخوان الإرهابية

تقرير يكتبه: عمرو فاروق

يسيطر "خريف السقوط" على الأجواء الداخلية لجماعة الإخوان الإرهابية، في ظل محاولات للانقلاب على السلطة الرسمية للجماعة، متمثلة في إبراهيم منير، القائم بأعمال المرشد العام، الذي يدير شئون الهرم التنظيمي من داخل العاصمة البريطانية لندن، أو ما يعرف بـ"مكتب لندن"، في مقابل جبهة "محمود حسين" المتحكمة في شئون الإخوان المصريين بتركيا، والتي تعتبر نفسها امتدادًا لمكتب الإرشاد بالقاهرة.

 

تحطمت الكثير من الأطر التنظيمية والفكرية أمام القواعد الإخوانية، في ظل عاصفة الصراع على السلطة والمال بين القيادات التاريخية التي نسجت أوهام مشروع تطبيق الشريعة وإقامة دولة الخلافة، وسقط عنها قناع القداسة التي توارت خلفه سنوات طويلة، وبالتبيعة حتمية السمع والطاعة والثقة في القيادة.

محاولات جبهة «محمود حسين» أو مجموعة تركيا، سحب الثقة من إبراهيم منير، جاءت مخالفة للوائح الجماعة الداخلية، والتي جعلت قرار عزل المرشد من اختصاص مجلس شورى التنظيم العالمي (جماعة الإخوان العالمية) وبناء على المادة (16) في لائحة التنظيم الدولي، إذ تم تعديل اللائحة المنظمة للجماعة الإرهابية بمصر، في بداية الثمانينات من القرن الماضي، وحذفت المادة التي تمنح مجلس شورى العام عزل المرشد، على اعتبار أنه يجمع بين منصبين، أولهما «قيادة التنظيم الدولي»، والثاني، يقوم بدور «المراقب العام للإخوان في مصر»، ما يجعل قرار عزله دوليًا وليس محليًا.

رغم تمكن إبراهيم منير على مدار الساعات الماضية من السيطرة على الموقف داخل الجماعة، فإن حالة الاصطفاف والمزايدة في مبايعته علانية من قبل القواعد التنظيمية (في ظل رفض وتحفظات سابقة في اختياره ممثلاً عن رأس الهرم التنظيمي)، جاءت نكاية في محمود حسين، الأمين العام السابق للجماعة، ومجموعته المسيطرة على مختلف الملفات المالية والإدارية داخل مكتب تركيا.

حالة الارتباك التي شهدها المكون الإخواني عقب محاولة الانقلاب على القائم بأعمال المرشد، لم تهدأ بعد، إذ أنها لم تنه جدلية الصراع على السلطة في ظل ترتيبات تعد لها جبهة «محمود حسين»، من خلال عقد مؤتمر مرتقب بمدينة اسطنبول، ربما تعلن فيه عن أوراق ووثائق تدين «مكتب لندن»، فضلاً عن صناعة أمر واقع بتنصيب محمود حسين، قائمًا بأعمال المرشد، بموافقة دوائر تنظيمية تحصلت على مكاسب خلال قربها من مجموعته التي تحكمت في صناعة القرار الإخواني على مدار السنوات الماضية.

تحركات جبهة «محمود حسين» تمثل محاولة للتغطية على الاتهامات الموجهة إليها بالاختلاسات المالية والمخالفات الإدارية، والتي كشفها القيادي أمير بسام، في تسريب صوتي في أكتوبر 2019، بجانب تحقيق المزيد من المكاسب عن طريق خلق حالة مضادة لجبهة «مكتب لندن»،  واتخاذ قرارات مناوئة لتوجهاتها، سعيًا في الجلوس على مائدة التفاوض من مركز القوة في حال تدخل الوسطاء.

ما لم يمكن التغاضي عنه في فصول رواية الصراع الإخواني، التزام قيادات التنظيم الدولي، ومراقبي الأقطار المختلفة، الحياد الظاهري، وامتناعهم عن إصدار أية بيانات تعبر عن مواقفهم تأييدًا، أو اعتراضًا، أو تدخلاً لإنهاء الإشكالية، وكأنهم في انتظار ما تسفر عنه نتائج المعركة وحسمها لأي منهما.

ما يثير تساؤلاً حول حقيقة حصول محمود حسين، على تطمينات من قيادات التنظيم الدولي، في محاولة الانقلاب على إبراهيم منير، واستمراره في الاحتفاظ بالملفات المالية التي تسلم إدارتها مباشرة من القائم بأعمال المرشد السابق محمود عزت، قبل القبض عليه في أغسطس 2020، في ظل تكنهات توحي بانتقادات واعتراضات على طريقة إدارة إبراهيم منير لملفات الإخوان في أوروبا، وتداعيات السقوط المروع للجماعة دوليًا وتوتر وتراجع علاقتها مع دوائر صنع القرار الغربي.

ربما أرجع البعض تجاهل مراقبي الإخوان في الأقطار المختلفة، لعدم رغبتهم في الإعلان عن مواقفهم تجاه الخلافات بين جبهتى الجماعة، نتيجة الحيلة التي لجأت إليها أفرع التنظيم الدولي في فك ارتباطها شكليًا عن «الجماعة الأم» بالقاهرة، في ظل وضعها على قوائم الإرهاب، وفقًا لتصنيف دول الرباعي العربي، والتخوف من صدور أية قرارات ضد الجماعة من جانب الإدارة الأمريكية (توهماً)، ما يترتب عليه مصادرة أموالهم ومؤسساتهم في الخارج.

منذ تربع إبراهيم منير على قمة المشهد التنظيمي، اتخذ سياسة الصمت، بناءً على توافقات مع الجانب التركي الذي يرغب في تسوية الخلافات مع الدولة المصرية، أملاً في عودة العلاقات السياسية والدبلوماسية والاقتصادية المتوترة منذ عام 2013.

التقى إبراهيم منير عددًا من رجال المخابرات وممثلي النظام السياسي التركي، خلال زيارة سريعة أجراها إلى أنقرة، قبيل اتخاذ قراراته بتفكيك سيطرة جبهة «محمود حسين»، على مؤسسات الإخوان باسطنبول، المتمثلة في حل مكتب الإخوان في تركيا، وحل مجلس الشورى العام، وتجميد عضوية 6 من القيادات الفاعلة والمؤثرة، والدفع بعناصر قادمة من الصفوف الخلفية تدين له بالولاء المطلق، ما يمنحه الانفراد بصناعة القرار الإخواني.

السياسات الناعمة التي اعتمدها إبراهيم منير في تعامله مع الملف المصري كانت محل انتقادات شديدة من قبل بعض الإخوان المصريين الذين يرغبون في استمرار الهجوم على مصر، وإيجاد محطات خارجية تقوم بدور الوكالة نيابة عنهم دون أن يكونوا في مواجهة مع الأجهزة الأمنية المصرية، وهو الدور الذي نفذته جبهة «محمود حسين» على مدار السنوات السبع الماضية، عبر أبواقها ومنصاتها الممولة والمأجورة.

يمثل الاتجاه الداعم لفكرة الانقلاب على القائم بأعمال مرشد الجماعة، أسرة الرئيس المعزول محمد مرسي، التي أعلنت تأييدها لقرارات جبهة «محمود حسين»،على لسان شيماء مرسي، مؤكدة تبعية التنظيم الإخواني في القاهرة لـ»مكتب الإخوان في تركيا»، وترحيبها بما صدر عنه من إجراءات لسحب الثقة من قيادات «مكتب لندن».

اشتباك شيماء مرسي مع الأزمة الأخيرة، يبلور حقيقة ما صرح به إبراهيم منير حول تورط عدد من نساء الجماعة في التخطيط للانقلاب عليه، في ظل معلومات مسربة تشير إلى دور خفي للأخوات من داخل القاهرة، في محاولة صناعة تعبئة تنظيمية تدعم قرارات محمود حسين، والدفع به لمنصب القائم بأعمال المرشد، مقابل حصولهم على تمثيل أكبر في الهيكل التنظيمي، لاسيما في المكتب الإداري للإخوان بتركيا.

ليس مستبعدًا كتابة سطور النهاية لسيناريوهات الأزمات الآتية باغتيال إبراهيم منير، عقب تلقيه تهديدات بالتصفية الجسدية، من قبل المجموعة المناهضة لسياساته، ما دفعه لتشديد الحراسة على محل إقامته في لندن، وفقًا لما نشرته قناة «العربية»، على موقعها في منتصف أكتوبر الجاري، إذ أن ثقافة الاغتيال ليست بدعة جديدة على جماعة الإخوان، لكنها عرفا راسخا ومتبعا مع كل من يختلف أو يعارض توجهاتهم، مثلما فعلوا من قبل مع حسن البنا وسيد فايز، وعبد الرحمن السندي، ومحاولاتهم المتكررة مع الشيخ محمد الغزالي.

الفضائح المالية والأخلاقية التي تكشفت من داخل جدران المكون الإخواني المغلف بالحيطة والحذر، كفيلة بكتابة خاتمة دراماتيكية لجماعة منحت نفسها الحقوق الحصرية للتفتيش في ضمائر الأخرين والحكم على إيمانهم، وتقديم قياداتها كحراس للعقيدة وحماة للشريعة التي تاجروا بها وتغافلوا مقاصدها.  

تاريخ الإخوان ساحة مليئة بالصراعات ابتداءً من أزمة حسن البنا مع أحمد السكري، ثم حسن الهضيبي مع محمد عاكف والشيخ محمد الغزالي، مرورًا بأزمة «بيعة المقابر»،التي مهدت الطريق لمصطفى مشهور للسيطرة على الجماعة عقب ترتيبات من قبل إخوان عدة دول، بهدف إسقاط فكرة احتفاظ «إخوان القاهرة»، بمنصب المرشد ورفض تداوله، انتهاءً بأزمة مجموعة «حزب الوسط»، وتجميد مهدي عاكف عضويته وتهديده بالاستقالة بسبب الخلاف حول تصعيد عصام العريان لمكتب الإرشاد، وكذلك أزمة كل من محمد حبيب، وعبد المنعم أبو الفتوح وغيرهما