تعاملت مع طلاب مصريين أفضل من الأمريكيين

«الأخبار» تحاور علماء الظل «4»: أتمنى التخلص من وهم «كليات القمة»

د. ناجح علام خلال حواره مع «الأخبار»
د. ناجح علام خلال حواره مع «الأخبار»

نصيحة لرجال الصناعة: ينتظركم مصير تليفون نوكيا إذا لم تثقوا فى البحث العلمى

حققت إنجازات فى مجال إنتاج الهيدروجين وتحلية المياه 

نمتلك مؤسسات بحثية مبانيها براقة من الخارج و معاملها خاوية بالداخل
لدينا نماذج مضيئة «فرديا» ولا يوجد هدف مشترك يجمعنا 

 

يخدعك الصوت الهادئ جدا للدكتور ناجح علام، أستاذ هندسة المواد بالجامعة الأمريكية بالقاهرة، والحائز العام الماضى على جائزة الدولة للتفوق فى العلوم التكنولوجية المتقدمة، لتشعر أنك ستكون على موعد مع حوار صحفى «منزوع الدسم» يخلو من الاشتباك مع المشاكل والأزمات التى يعانى منها قطاع البحث العلمى، ويرفع لافتة «كله تمام»..

ولكن بالرغم من شخصيته الهادئة التى يزينها تواضع جم يظهر فى تصرفاته ومفرداته، إلا أن آرائه ثورية، فهو لا يجيد تجميل الصورة، حتى أنه قال لى معتذرا بعد أن لاحقته بأسئلة حاولت من خلالها تبنى وجهة النظر المتفائلة: «كنت أتمنى أن أتفق معك كثيرا فى رؤيتك، ولكن لا أستطيع الحديث إلا بصراحة ووضوح»..

ومع صراحته التى قد تبدو صادمة أحيانا، لا يمكن أن تصنفه بأنه من الشخصيات التى ترى الدنيا بنظارة سوداء، فابتسامته الهادئة التى لا تفارق وجهه، تكشف عن شخص متفائل، ولكنه عندما يتحدث لا يستطيع أن يتخلى فى حديثه عن منهجية الباحث الذى يضع يده على المشكلة، كى يكون قادرا على تشخيصها، ومن ثم يقترح العلاج لها..

وخلال ساعة ونصف اقتطعها علام من وقته الثمين جدا للحوار مع جريدة «الأخبار»، ضمن سلسلة حوارات «علماء الظل»، ناقشنا معه الخلفيات التى دفعته للتأكيد أكثر من مرة على أنه لا توجد ثقة بين القطاع الخاص والبحث العلمى، وحاولنا معرفة كيف يمكن بناء جدار الثقة بينهما، كما تطرقنا إلى ميزانية البحث العلمى بمصر، وهل هى كافية أم تحتاج إلى زيادة..

والحقيقة، رغم أنى ذهبت للحوار مع الدكتور علام وأنا مفعم بالأمل الشديد فى البحث العلمى المصرى، لتنطفىء جذوة هذا الأمل بعض الشىء خلال الحوار، إلا أننى لا أنكر استمتاعى بالحوار معه، ذلك لأن الرجل الذى امتلك قبل عشرة أعوام فرصة العمل بجامعة ميتشجان الأمريكية، وفضّل العودة إلى أرض الوطن، لا يتحدث بغرض الانتقاد، ولكنه قدم الحلول التى يمكنها شحن طاقة الأمل من جديد.. وإلى نص الحوار.
 

بداية هل يمكن أن تعطينا لمحة مختصرة عن المحطات الرئيسية فى مسيرتك البحثية؟

بنبرة صوت هادئة وابتسامة راضية يقول: تخرجت فى جامعة القاهرة، وحصلت على الماجستير من نفس الجامعة، ثم حصلت على منحة فورد الدولية، والتى أهلتنى للسفر إلى جامعة بنسلفانيا الأمريكية، ومنحت درجة الدكتوراة منها فى تخصص «هندسة المواد»، ثم انتقلت بعد ذلك للعمل كباحث بعد الدكتوراة فى معهد جورجيا التقنى مع العالم المصرى الدكتور مصطفى السيد، ومنه انتقلت للعمل فى معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، وعدت إلى مصر فى 2011، حيث عملت فى الجامعة الأمريكية كأستاذ مساعد لهندسة المواد، ثم أستاذ مشارك، والآن أنا فى درجة أستاذ.


أذكر أنى قرأت قبل سنوات خبرا عن اكتشاف علمى شاركت فيه، وكان وصفك فى الخبر أنك باحث بالمركز القومى للبحوث.. فلماذا تجاهلت هذه المحطة من حياتك العملية؟

يضع يده على جبينه قبل أن يقول: معك حق، أنا عملت بالمركز القومى للبحوث بعد التخرج مباشرة، ولكن لأن المركز لا يمنح درجات علمية، حصلت على الماجستير من جامعة القاهرة، ولكن الجانب العملى الخاص بالرسالة قمت بإعداده بالمركز.


الطريق إلى نوبل


باستثناء الخبر الذى قرأته عن اكتشافك وقت عملك بالمركز القومى للبحوث لم تظهر إعلاميا إلا العام الماضى بعد فوزك بجائزة الدولة للتفوق العملى.. فهل كنت تتوقع الفوز بهذه الجائزة؟

يشير بعلامة الرفض قبل أن يقول: من الصعب أن تجد باحثا يتوقع حصوله على جائزة، فأنا عندما تقدمت لهذه الجائزة قرأت المعايير التى تستند إليها لجان التحكيم فى التقييم، وشعرت أنها تنطبق على أبحاثى، ولكن فى المقابل قد يكون هناك آخرون أفضل منى تنطبق عليهم هذه المعايير، لذلك ما عليك إلا أن تتقدم، وإذا كان لك نصيب فى الجائزة ستأتيك، والحمد لله كانت الجائزة من نصيبى.


دائما فى أى جوائز تكون هناك توقعات، فكيف لا يحدث ذلك فى مجال البحث العلمى؟

يطلق ضحكة خفيفة قبل أن يقول: جائزة نوبل علمتنا ألا نتوقع منذ تم منحها قبل سنوات لمخترعى مادة الجرافين، وكان أحدهم لم يتجاوز عمره الـ35 عاما، وكانت مفاجأة لم يتوقعها أحد، لأن هذه المادة، التى تتكون من طبقة واحدة من ذرات الكربون، رغم خواصها الكهربائية والضوئية الجيدة، لم يتم استخدامها إلى الآن بشكل تطبيقى، فهى جيدة فى المعمل على نطاق الحجم الصغير، ولكن عندما يتم تكبيرها من أجل التطبيق تحدث مشاكل لم يتم حلها إلى الآن، وكان الانتقاد الذى تم توجيهه للجنة نوبل حينها، أنه كان يتعين عليهم الانتظار لسنوات، حتى يتم حل مشاكل هذه المادة التطبيقية.

أمر غريب بالفعل، لأن الجائزة عادة ما تمنح لكبار السن...

بالفعل، فالذين منحوا الجائزة العام الماضى كان أحدهم يبلغ من العمر 91 عاما، وجاءت الجائزة تتويجا لنحو 60 عاما من العمل فى مجال البطاريات، وذلك بعد أن صارت مستخدمة فى أكثر من تطبيق، وربما يكون مخترعو الجرافين استثناء، وكذلك العالم المصرى أحمد زويل الذى حصل عليها أيضا فى عمر الـ53 عاما.


على ذكر جائزة نوبل، هل يمكن أن يحصل عليها عالم مصرى يعمل داخل مصر بالإمكانيات المتاحة فى المعامل المصرية؟

بدون تردد تخرج الكلمات من فمه سريعة: صعب جدا، لأسباب بعضها سياسية الكل يعلمها وتتدخل فى اختيار الفائزين، بالإضافة إلى عدد أكبر من الأسباب العلمية، أستطيع أن أقول معها بصراحة، قد تغضب البعض، أننا غير مؤهلين علميا لمثل هذا التكريم الرفيع.


لماذا؟

نحن لدينا نقاط فردية مضيئة هنا وهناك، ولكن ليس لدينا هدف تعمل عليه فرق بحثية تضم تخصصات مختلفة، وأذكر أننى عندما كنت أعمل فى معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا بأمريكا، كان البحث الواحد يضم تخصصات مختلفة، وستفاجأ ان يكون أحد هذه التخصصات باحثين فى مجال البيزنس، لتقييم المنتج البحثى ومدى ما سيحدثه من فرق إذا تحول لمنتج فى السوق، فهل ذلك يحدث عندنا؟.. للأسف لا يحدث.


ولكن إحقاقا للحق، وحتى أعطى كل ذى حق حقه، كان لدى الدكتور هانى الناظر الرئيس الأسبق للمركز القومى للبحوث هذه الرؤية، ودشن مشروعا اسمه «الطريق إلى نوبل»، وخصص له طابقا كاملا فى المركز القومى للبحوث، وكانت تقوم فلسفته على تجميع الباحثين الصغار العائدين من الخارج فى مكان ليعملوا معا فى فرق بحثية، وكان يمنح مكافآت مجزية لهؤلاء الباحثين، ولكن «غيرة الكبار» أجهضت هذا المشروع، فالثقافة السائدة لدينا لا تزال طبقية، فالأستاذ يجب أن يتحكم فى الأستاذ المساعد، والأستاذ المساعد يجب أن يتحكم فى المدرس، وهذه الثقافة بالطبع لا تحرز تقدما.


أمراض البحث العلمى


كنت أتوقع منك إجابة مختلفة، على اعتبار أنك تعمل فى إحدى الجامعات الدولية المرموقة، فهل تعانون فى هذه الجامعات من نفس أمراض الجامعات الحكومية؟

ترتسم على وجهه ابتسامة عريضة قبل أن يقول: سؤال جيد للغاية، طبعا الثقافة إلى حد كبير مختلفة، بحكم أن أغلب العاملين بهذه الجامعات عادوا من الخارج بثقافة مختلفة لم تلوثها الطبقية التى حدثتك عنها، ولكن هذا لا يعنى أننا بلا مشاكل، فنحن فى هذه الجامعات مثقلون بالتدريس، فبينما لا يدرس أقراننا بالخارج سوى «كورس» واحد خلال العام، أقوم بتدريس 6 «كورسات» خلال السنة، وهذا يكون بطبيعة الحال على حساب وقت البحث العلمى، وعندما أريد تمويلا لمشروع بحثى، يرفض صندوق العلوم والتكنولوجيا-وهى الجهة الحكومية المصرية الأبرز فى تمويل الأبحاث- تمويلى، باعتبارى منتميا لجامعة أمريكية، وأمريكا فى المقابل تعتبر هذه الجامعة مصرية، لأنها توجد على أرض مصر، فنحن فى منطقة وسط، فلا مصر تعتبرنا تابعين لها، ولا الدول التى تحمل تلك الجامعات اسمها تعتبرنا تابعين لها، ونحاول التغلب على تلك المشكلة بالتمويل من الجهات الأهلية أو الحصول على منح دولية، وأنا شخصيا حصلت على تمويل لمشروع بحثى من مؤسسة مصر الخير.


وإلى جانب ذلك، نحن نعانى مثل أقراننا فى الجامعات الحكومية من روتين حكومى يؤخر الحصول على المواد الكيميائية اللازمة للعمل من الشركات المستوردة، والتى قد يستغرق الحصول عليها وقتا يصل إلى ستة شهور، وهذا وقت طويل جدا، لأننا فى سباق، وكما أفكر، فإن غيرى يفكر أيضا، وإذا لم أسبقه، من المؤكد أنه سيسبقنى.

ولماذا لم تعد مجددا للعمل فى أمريكا بعد أن واجهت هذه المشكلات؟

يصمت لوهلة قبل أن يقول بنبرة صوت لا تخلو من الحزن: سأكون صريحا معك، فقد كنت مثل كثيرين مفعمين بالأمل بعد ثورة يناير 2011، ولا أخفيك سرا أنى قررت العودة رغم امتلاكى وقتها لعقد عمل فى جامعة ميتشجان، بعد أن شاهدت الشباب يقومون بتنظيف الشوارع، فقد شعرت أننا مقبلون على عهد جديد، ولكن خابت كثير من توقعاتى، ورغم ذلك قررت البقاء، بينما لم يتحمل تسعة من الأقران الذين عادوا معى من أمريكا فى نفس التوقيت الاستمرار، ورجعوا سريعا إلى أمريكا، ولا أستطيع أن ألومهم على ذلك، فهم يحصلون على رواتب ضعيفة لا تعينهم على تيسير أمور حياتهم، وهذا أمر يجب النظر إليه بعين الاعتبار، لأنه فى الحقيقة «مش هينفع يدخل السوبر ماركت لشراء سلعة ويتحصل عليها لأنه راجل بتاع بحث علمى».


أشعر فى نبرة صوتك بالندم على قرار البقاء ورفض عرض جامعة ميتشجان؟

ترتسم على وجهه ابتسامة باهتة قبل أن يقول: تستطيع أن تقول إننى نادم وغير نادم.


كيف؟

نادم لأنى عندما عدت من أمريكا كنت كتفا بكتف مع أقرانى فى أهم معهد بالعالم، وهو معهد ماساتشوستس، أما الآن فهم يسبقوننى بنسبة 30 %، ولولا وجودى فى الجامعة الأمريكية لزادت النسبة، أما عدم ندمى، لأنى أؤدى رسالة تمنحنى طاقة البقاء، وهى البناء فى أبناء بلدى، فقد أشرفت حتى الآن على 40 طالب ماجستير كلهم الآن فى أمريكا.


هذا فى حد ذاته مدعاة للفخر والسعادة...

ومن أجل ذلك قلت لك ان هذا الهدف يمنحنى طاقة البقاء، وتزيد هذه الطاقة أكثر وأكثر عندما أشارك فى مؤتمر علمى ويلتف حولى 10 من طلابى، فوقتها أشعر أن تضحيتى كانت لها ثمن.


ولكن هذه التضحية ستأكل ثمارها الدول التى هاجر لها طلابك، فكيف سنبنى بلدنا إذن؟

عندى أمل أن بعضهم سيعود، ولكن لكى يعودوا سريعا وتشجع تجربتهم آخرين على العودة، يجب أن نحتضن العائدين، فهو سيضحى بتعليم مجان وخدمات صحية مجانية، ليأتى هنا ليواجه مصاريف مدارس أصبحت نارية، وخدمات صحية أصبحت أسعارها مرتفعة للغاية، إذن يجب أن تقدم لهم حوافز تدفعهم لاتخاذ قرار العودة.


التحالفات البحثية


ومن أين تكون البداية الصحيحة لعلاج مشاكل البحث العلمى؟

تخرج الكلمات من فمه سريعة: يجب أن ننظر من أعلى، بمعنى أن وزارة التعليم العالى والبحث العلمى تحدد 3 موضوعات مهمة مثل تحلية المياه والطاقة واستصلاح الأراضى، وتقوم بتشكيل فرق بحثية تغطى كل موضوع من جوانبه المختلفة، بدلا من أسلوب توجيه التمويل لباحث بعينه، والذى تضيع معه الأموال دون تحقيق إنجاز حقيقى.


اعتقد أن ذلك يحدث الآن؟


ليس بشكل قوى وفعال.
ألم تسمع عن التحالفات البحثية التى أطلقتها أكاديمية البحث العلمى، فهى تحقق ما تطالب به؟

بكلمات واثقة يقول: أعرف التحالفات جيدا، هى لا تحقق ذلك على الإطلاق.


كيف لا تحقق وهى تضم تخصصات مختلفة وشريكا صناعيا لتحويل مخرجات هذه التحالفات لمنتجات؟

هذه التحالفات لا تفرق بين العلوم والهندسة والتصنيع، بمعنى أنك كباحث عندما تعمل على تقنية جديدة للخلايا الشمسية تتلاءم مع البيئة المصرية، للتغلب على المشاكل الموجودة فى الخلايا المستوردة والمصممة وفق بيئة الدول الأوروبية، فإنك بحثيا ستنتج نموذجا صغيرا جدا يمكن ألا يتعدى مثلا 2 سم فى 2 سم، ليأتى دور الجانب الهندسى بعد ذلك فى الانتقال بهذا النموذج الصغير إلى تجربة نصف صناعية لمعرفة المشاكل عند الخروج من نطاق الحجم الصغير إلى الكبير، وبعد ذلك يأتى دور التصنيع بإنتاج هذا المنتج تجاريا بالأحجام المناسبة للاستهلاك، وأغلب التحالفات لا تغادر منتجاتها نطاق المعمل أو التجارب النصف صناعية على أفضل تقدير، لأن قطاع التصنيع لا يثق فى مخرجات البحث العلمى.


غياب الثقة


ولماذا فى رأيك لا توجد ثقة؟

خرجت الكلمات من فمه سريعة قائلا: لأنه من الأسهل عليه أن يشترى من الخارج، لأنه للأسف نحن تعودنا على الحل الأسهل، وهو الاستيراد من الخارج، وهو أمر خطير، لأنه لو حدث عطل مثلا ، ولم ترسل لنا الشركة خبيرا من عندها لحله، ستكون مشكلة، لذلك لا بديل عن امتلاك المعرفة.


وكيف نحل هذه المشكلة؟

بدون تردد يقول: بأنه نوجد لغة مشتركة بين الاثنين، فنحن نفتقد لهذه اللغة، وأحيانا نصل لها فى حالات فردية جدا، ولكن ليس بشكل دائم ومستمر، فمنذ فترة جاءنا صاحب مصنع بطاريات يشكو من مشكلة نفاد مخزون البطارية سريعا، فتفهم الرجل لغتنا، وهى أننا يجب أن ندرس المشكلة معمليا أولا، ثم ننتقل إلى مصنعه لإجراء دراسات على نطاق أوسع، وبالفعل نجحنا فى حل مشكلته وأصبحت شركته الآن هى الوحيدة التى تعطى ضمان عامين.


وفى المقابل، هناك رجل أعمال آخر، صاحب مصنع بلورات كان يشتكى من أن منتجه يحدث له تفتتا بشكل سريع، وكان يعرض علينا 10 آلاف جنيه لمساعدته فى حل المشكلة بأكملها و هو لا يكفى حتى تكلفة التحاليل اللازمة، وهنا الفرق بين رجل أعمال مدرك لقيمة البحث العلمى وآخر غير مدرك وليس لديه ثقة كبيرة.


وبناء جدار هذه الثقة يجب أن تقوم به أكاديمية البحث العلمى عبر إحداث تقارب حقيقى بين الصناعة والبحث العلمى، وهناك محاولات تجريها بعض الجهات فى هذا الإطار، ولكننا نحتاج لدعم أكبر من الأكاديمية، ومن الجهات الفعالة فى هذا التوجه مؤسسة مصر الخير وهيئة تنمية صناعة تكنولوجيا المعلومات «اتيدا» التابعة لوزارة الاتصالات.


وكان لى تجربة فى هذا الإطار مع مؤسسة «مصر الخير»، حيث حصلت على تمويل لحل أحد أبرز مشاكل استخدام الغاز الحيوى وهى ارتفاع محتواه من أول أوكسيد الكربون، والذى يسبب مشاكل عند استخدام الغاز، فنجحنا معمليا فى علاج تلك المشكلة بواسطة إضافات نانومترية، وانتقلنا إلى نموذج نصف صناعى بتصميم آلة احتراق تضاهى السيارة لتجربة استخدام هذا الغاز، وأجبرتنا ظروف كورونا على التوقف عن الانتقال للمرحلة الثالثة، وهى النطاق الصناعى بتجربة هذا الغاز داخل السيارة.


الانتقال لمرحلة التصنيع


بعيدا عن تجربتك الشخصية، فإن أغلب الأبحاث لا تغادر منطقة التجارب نصف الصناعية، فلماذا لا تنتقل لمرحلة التصنيع؟

لأنه كما قلت لك سابقا لا توجد ثقة من جانب الشركات فى البحث العلمى، وطالما الأمور تسير بشكل روتينى وخط الإنتاج يعمل، فلا يوجد تفكير فى الانتقال لمراحل أكثر تقدما، وهؤلاء موعودون بمصير «تليفون نوكيا»، الذى توقفت الشركة المنتجة له عن التطوير بدعوى أن تليفونها هو الأكثر جودة، ولكن جاء من سحب البساط من تحت قدميها بتقديم مغريات أخرى مثل تزويد التليفون بكاميرا وأثنين، وهو الأمر الذى دفع رئيس الشركة إلى البكاء فى أحد المؤتمرات الصحفية.


اتساقا مع حديثك، هل يجب أن نستشعر الخطورة، من أن الجهات المصدرة لبعض السلع الحيوية مثل أغشية تحلية المياه أو الخلايا الشمسية، يمكن أن تتوقف لسبب أو لآخر عن تصديرها لنا؟

يومئ بالموافقة قبل أن يقول: مليون فى المائة يمكن أن يحدث ذلك، ويجب ان نكون مستعدين بأن يعمل البحث العلمى على مشاكل حقيقية ومتطلبات واقعية، فسعادتى كباحث هى أن أشعر بأن جهدى تحول لمنتج حقيقى يستخدمه الناس، والجهات الرسمية ممثلة فى أكاديمية البحث العلمى مدعوة للعمل بشكل حقيقى على تبنى مشاكل حقيقية، ودعوة الباحثين ورجال الصناعة للجلوس معا وإيجاد لغة مشتركة تجمعهما للعمل معا على حل تلك المشاكل.


تحرص دوما على استخدام كلمة «لغة مشتركة».. ما السبب فى ذلك؟

يبتسم قائلا: ربما أكون متأثرا بما حدث لى فى أمريكا عندما طلب منى إعداد عرض لتقديمه لشركة متخصصة فى الطاقة الشمسية، فوجد مشرفى أن العرض علمى بحت، فقام بتغييره إلى عرض يلائم لغة الأرقام التى يفهمها رجل الصناعة، فإذا كنت ألوم رجل الصناعة أنه لا يثق فى البحث العلمي، أدعو فى المقابل زملائى من الباحثين أن يفهموا لغة رجل الصناعة، ومسئولية الجمع بين الاثنين للوصول إلى لغة مشتركة يجب أن تتحملها أكاديمية البحث العلمي.
ثقافة «التشبيك»


أشعر فى حديثك بنغمة تشاؤم ربما لا تبدو متسقة مع ما يشعر به البعض من أن هناك ثمة تغيير إلى الأفضل فى مجال البحث العلمي؟...

يومئ بالرفض قبل أن يقول: بالعكس أنا لست متشائما، فالبحث العلمى خلال السنوات العشر الماضية أفضل كثيرا، وأنا شخصيا شاركت فى تحكيم رسائل ماجستير فى جامعات مصرية جيدة جدا، وحققت شخصيا انجازات مهمة فى مجال انتاج الهيدروجين من الماء باستخدام الطاقة الشمسية وتحلية المياه باستخدام طريقة جديدة غير الأغشية و إنتاج مكثفات فائقة التخزين، ولكن ينقصنا فكرة «التشبيك» بين الباحثين أنفسهم وبين الباحثين والصناعة، وأن يجتمع الجميع على مشروع قومى واضح ومحدد ويترك لنا الفرصة الكافية من الوقت لتنفيذه، يعنى مثلا فى مجال الطاقة الشمسية، يوجد جهاز اسمه «الانفرتر»، وظيفته تحويل تيار الكهرباء المستمر القادم من الألواح الشمسية إلى تيار متردد، وبدونه لا أستطيع الاستفادة من الطاقة المتولدة من الألواح، وهذا الجهاز يتم استيراده من الخارج، فما المانع أن نجتمع جميعا على مشروع اسمه تصنيع «الإنفرتر» محليا.


تمويل البحث العلمى 


ربما تساعد الزيادة الملموسة فى ميزانية البحث العلمي، والتى أصبحت 1% من الدخل القومي، وفق مواد الدستور المصرى فى تحقيق ما تنادى به من أفكار...

يقول قبل ان استكمل حديثي: هذه زيادة غير كافية، وإذا أردت التأكد من ذلك أنظر إلى دول الجوار لترى حجم انفاقها على البحث العلمي.


أحد زملائك فى الأكاديمية الألمانية العربية لشباب العلماء (أجيا) والتى أعرف انك عضو بها، قال لى فى حوار سابق إنها نسبة جيدة ولكن المشكلة ان الروتين سيعوق صرفها كاملة...

أتفق معه فى مسألة الروتين، الذى يعوق بشكل كبير تمويل البحث العلمي، ولكن اختلف معه فى الحديث عن أنها جيدة لأن هذه الميزانية ليست فقط المخصصة للإنفاق على الأبحاث، لكنها تشمل أيضا بنودا مثل الأجور والمباني، ولدينا أمثلة كثيرة على أماكن فى مصر لديها مبان براقة من الخارج، لكن معاملها خاوية.


وبالرغم من ذلك، وحتى لا أعطيك انطباعا سلبيا بسبب صراحتى الزائدة ربما عن اللازم، هناك طلاب مصريون فى كليات العلوم بجامعات حكومية لديهم رغبة جامحة فى المعرفة والاطلاع تجعلهم يقهرون هذه الصعاب، ويصلون لمستوى فى رأيى يفوق نظائرهم من الطلاب الأمريكيين الذين تعاملت معهم طيلة عشر سنوات عشتها هناك.

وعلى ذكر كليات العلوم، لماذا لا تحظى حتى الآن بتقدير الطالب المصرى؟


تظهر مسحة من الحزن على وجهه قبل أن يقول: لأننا صنعنا وهما اسمه كليات القمة، وفى المقابل أصبحت كليات العلوم فى نظر الكثيرين غير مؤهلة لسوق العمل، وهذا غير حقيقي، وعلاج تلك المشكلة يكون بإظهار النماذج الناجحة التى تخرجت فى كليات العلوم، والحديث الدائم عن أن هذه الكلية تمنح الطالب منهجية فى التفكير ربما تساعده فى أن يعمل بأى وظيفة، حتى لو بدت ظاهريا بعيدة عن التخصص، فمثلا يوجد بعض خريجى الكلية ممن يعملون فى البنوك والسلك الدبلوماسي.

إقرأ أيضاً

مناهج رابعة ابتدائي .. صداع في رأس أولياء الأمور

المجمعات الخدمية في الريف المصري.. حياة أفضل وتخفيف لمعاناة المواطنين