فصول من كتاب مديحة l اعتزال مديحة « 2 »

مديحة كامل
مديحة كامل

محمد سرساوى

وافقت مديحة على الزواج من شريف حمودة، وكلل هذا الحب بالزواج. وكان الزواج الثانى هو طريقها إلى العودة إلى أضواء السينما، لأنه وفر لها الكثير من العقود فى الأفلام التى كان يعمل فيها مساعدًا مع المخرجين الكبيرين نيازى مصطفى وحلمى رفلة

ولكن هذا الزواج الذى قام على حب لم يستمر طويلا. لأنها لاحظت أنها يمنعها من التعاقد على العمل فى أى فيلم لا يأتى عن طريقه، فاعتبرت ذلك تدخلا فى عملها، وإلغاء لشخصيتها، فهو يفرض عليها وصاية، وهنا أصبحت الجفوة تقتحم حياتها فآثرت الصدق مع النفس، وطلبت أن يطلقها بإحسان.

وبعد ذلك، انتظرت العديد من العرسان. لتختار من بينهم شريك العمر الذى ستواصل معه رحلة الحياة إلى النهاية، لكنها كانت على حذر هذه المرة، حتى لا تتكرر معها المتاعب التى صادفتها فى التجربتين  السابقتين، ولذلك سقط جميع العرسان فى الامتحان، ولم ينجح أحد.

ولكن رغم الحذر فتحت مديحة كامل قلبها للحب مرة ثالثة، وكان الحب هذه المرة قصة صادقة، وحكاية عميقة، ولهذا الحب قصة وردت تفاصيلها بمجلة الموعد حيث يحكى. 

فقد كانت لها قضية ضد منتج، فنصحتها إحدى الصديقات بأن تذهب إلى جلال الديب فاستعادت مديحة الاسم مرة أخرى ومرة ثالثة جلال الديب جلال الديب فقالت صديقتها: 

-نعم لا بد أنك تعرفيه. إنه من مصر الجديدة، هو دون جوان المنطقة، قد كاد يخطب ميرفت أمين لولا أنهما اختلفا. 

فقالت مديحة كامل بحياد مطلق:

-لا شأن لى بهذا كله أنا أريد محاميًّا لا عاشقًا!

ولكنها لما جلست أمامه لم تستطع أن تعرف أين العاشق وأين المحامى. فنبراته الهادئة وملامحه المصرية المتناسقة، وعيناه المحاصرتان لعينيها كل هذا قال لها إنها أمام رجل من طراز جديد وروت له قضاياها فهون عليها الأمر، وسألته:

- هل تعتقد أننى يمكن أن أكسب القضية؟

فقال وهو يشبع من عينيها الجميلتين قبل أن تنصرف:

-سوف تكسبين كل القضايا. 

ثم حادثها جلال الديب تليفونيًّا بعد فترة قصيرة قائلا:

-مديحة ...ما رأيك فى أن نخرج لهذا المكان أو ذاك. 

وقابلته وطلب الزواج منها.

وقالت مديحة لجلال:

- من الناس من يثيرون خوفى منك. من الناس مَن يقولون إنك متقلب لا تعرف الاستقرار، وإنك محظوظ مع النساء، ولهذا لا تتوقف طائرتك فى المطارات طويلا.

فضحك ..وقال لها:

- هل معنى هذا أن حبى طيارى؟ هل تحسبين هذا عنى؟ 

فطلب جلال أن يعلن خطوبته على مديحة، وقالت مبتسمة: هذا كلام قانونى!

ولكنها عندما تعرفت على جلال الديب وصار زوجها أحست إحساسًا مختلفًا، وانفتح قلبها كاملا له. أصبح من حق جلال الديب أن يذهب إلى الاستديو، ويرى مديحة وهى تمثل، وليصحبها بعد ذلك إلى حيث يتناولان طعام العشاء ويرسمان لوحة الغد. ورآه رمسيس نجيب ذات مرة، فسأل من هذا الفتى الوسيم فلما عرفه اتجه إليه، وقال بنبراته الجافة: 

-يا أستاذ ..إذا كنت تحب السينما فتعال غدًا لنجرى لك اختبارًا. قالها رمسيس ومضى، فهو من ملوك السينما الذين كانوا يصدرون الفرمانات، وضحك جلال الديب حين قالت مديحة متوسلة:

-آه والنبى يا جلال لماذا لا تجرب حظك؟

فقال لها جلال الديب:

-هل نسيت أننى نائب أحكام فى القوات المسلحة، وأن هذا ليس من حقى.

فقالت له وهى تعدد على إصبعها من ذاكرتها القوية:

-قد فتحت السينما أبوابها لعز الدين ذو الفقار، وفطين عبد الوهاب، وأحمد مظهر، فلماذا لا تفتح أبوابها لجلال الديب؟

فبدا عليه التفكير، وقال:

-غدًا سأقف أمام الكاميرا لأجرى الاختبار لرمسيس نجيب!

وأصبحت حكاية جلال ومديحة على كل لسان. حسدتها بنات مصر الجديدة اللواتى لم يستطعن الظفر به، وعرفت هذا من عدد المكالمات الهجومية عليه، فعولت على ألا تصدق، وأن تحمى الحب الذى تعيشه. 

أحبته مديحة بشدة كما أحببته ميرهان أيضًا، كان يعاملها كأب، خاصة أنه تزوج قبل مديحة ولم ينجب، كان عمرها حوالى 6 سنوات في ذلك الحين. 

وعاشا معه حياة سعيدة ولكنها قصيرة.   فقد حدثت له مشاكل مع الدولة بعد ثورة التصحيح، واضطر إلى السفر، وطلب منها أن تسافر معه، فرفضت لأنها لم تستطع أن تترك ابنتها وأهلها وفنها، وكان ذلك فى السبعينيات.  

وكانت تلك الزيجة آخر زيجاتها، ولم تتزوج مديحة رغم عروض الزواج الكثيرة والمغرية. فقد كان حب مديحة كامل لجلال الديب أول وأصدق حب دخل حياتها، ولهذا زلزلها هذا الخيار الجائر الذى وضعها جلال الديب فيه، وإن لم يقله بشروطه وبنوده. الخيار بين الحياة الزوجية والفن وهى تحب جلال، ولكنها تحب فنها ايضًا، وتحب ما حققت منه حتى ولو كان دون طموحها، وتحب أن تخوض معركتها إلى المنتهى لأنها تعتبر  أن المستقبل تحديات متصلة، وهى لا تفر من التحديات، فقد آمنت بأن الفرصة آتية لا ريب فيها. وأمام الخيار والاختيار عاشت مديحة أيامًا مع الدموع والتيه لأن اتخاذ القرار كان صعبًا، فالحب يطغى والفن ملح ثم أصدرت قرارها أن تبقى مع الفن.

وتحدثت الصحافة كثيرًا حول علاقة مديحة بالحب، ويتساءل محررو مجلة الموعد: هل مديحة أغلقت باب قلبها؟ فتبتسم وتجيب: الذى أعرفه أن الحب عندما يدخل القلب، لا ينتظر من يفتح له الباب، ونحن لا نقرر أن نحب كما نقرر أن ناكل أو نشرب أو نسافر، وإنما نفاجأ بأن الحب قد دخل إلى قلوبنا  بلا استئذان، ولو أن كل رجل أو كل امراة يملكون حرية اختيار من يحبون أو من يحبهم لتغير وجه الدنيا.

ويسألوها مجددًا: هل يعقل أن تعيش فاتنة مثلك بلا حب، وشيء ما كالشوق كان يلمع فى عينيها قالت: بصراحة إن مشكلتى الوحيدة هى أننى أترك لقلبى وليس لعقلى أن يختار لى الرجل الذى سيدخل حياتى ذلك أننى لا أستطيع أن أتصور أن أعيش أو حتى أتبادل قبلة مع رجل لا  أحبه.

ويسألون: وإذا تأخر القلب فى الاختيار هل تبقى فاتنة الشاشة تعيش فى حرمان من الحب ومن الزواج؟

وقالت: مش كفاية الصداقة؟! إنها تسعدنى كما يسعدنى الحب، خصوصًا وأن الصداقات تقل متى كانت بريئة ونقية يمكن أن تعيش فترة أطول من المدة التى يعيشها الحب، وأنا مثلا انتهت علاقتى بالرجال الذين أحببتهم لكن الذين صادقتهم ما زالت صلتى بهم قائمة منذ سنوات طويلة.

وأخيرًا لا آخرًا فإن مديحة كامل تكاد تكون النجمة الوحيدة التى لا تسجن نفسها في البيت خوفًا من إرهاب الشائعات، وفلسفتها فى ذلك أن الإشاعة قصيرة العمر، وسرعان ما تموت بمجرد أن يسلط عليها ضوء الحقيقة. 

ومديحة كامل من أكبر مزاياها أنها أول من يعترف بحقيقة أى شيء تحسه وتعيشه، ولهذا تعيش حياتها كما تريد دون أن تحسب حسابًا للألسنة الطويلة.

وتحاول مجلة الموعد أن تعرف من مديحة مفهومها عن الرجال، وذلك بعد عودتها من رحلة باريس، عادت من عاصمة الجمال والنور والحب، ليست بحقائب مليئة بآخر صيحات الموضة أو بذاكرة متخمة بآثار لحظات الهناء، ولكنها عادت فى ذاكرتها صورة لقرد، وتعلق مجلة الموعد على هذا فتذكر: 

لا تدهشوا للخبر، ولا تعتبروه نكتة، فهو واقع كأس الشمبانيا الفائرة الشهيرة بمديحة كامل.

وهى تتأهب لسفرتها إلى باريس، وقالت لها أكثر من صديقة: يا بختك. 

-ليه؟ 

واحدة رددت: حتعيشى أيام من ألف ليلة وليلة.

وصاحت أخرى:

-وحتشوفى أفلام هايلة زى ايمانيل” وحرس الليل”.

وابتسمت “كأس الشمبانيا” وسكتت، لم تشأ أن تقول للصديقات أنها تسافر أصلا للاطمئنان على ساقها التى أصيبت بجلطة من قبل، وإنما لزمت الصمت.

وسافرت وعادت وفى خيالها صورة قرد.

قرد؟

نعم قرد، أشهر قرد فى العالم منذ عصر آدم، أشهر من ذلك القرد الذى ادعى داروين أنه أصل الخليقة، وأنه جد البشرية كلها، والقرد الذى استولى على قلب كأس الشميانيا الفوارة ليس من لحم ودم بل هو من حديد وصلب وبلاستيك. إنه القرد الذى تكلف صنع نموذجه العملاق ثلاثة ملايين دولار وهو نفس ثمن طائرة نفاثة من أحدث طراز.

كانت مديحة تخترق شارع رين –أحد شوارع حى مونبارس عندما رأت فى وسط الشارع تمثالا هائلا لقرد، يضع قدمًا على الرصيف وأخرى على المقابل، ويفرد راحة يده العملاقة لتستقر فوفها شقراء جميلة، حيث كانت عبارة عن دعاية للنسخة الجديدة من فيلم “كينج كونج”، ودخلت السينما، وشاهدت هذا الكائن العملاق.