عاجل

كنوز | عمر الخيام .. «متصوفاً أم عربيداً» ؟

كامل الشناوى
كامل الشناوى

كنَّا نتحدَّث عن الشاعر عمر الخيام 

هل كان ملحدًا ؟ 

هل كان شاكًّا ؟ 

هل كان متصوفًا ؟ 

هل كان عربيدًا ؟

وقلت: إن الخيام كان مؤمنًا.

فغر الحاضرون أفواههم، وقالوا: هل يكون مؤمنًا مَن يناقِش الله ويعاتبه، ويقول له: « كيف لا تغفر لى إلا إذا تبتُ عن ذنبى؟ إنك لست تاجرًا حتى تعطينى غفرانًا مقابل توبة، ولكنك إله تُعطى بلا مقابل!»، إن هذا تجديف.

قلتُ: إن هذا التجديف يدل على الإيمان أكثر ممَّا يدل على الإلحاد، فالإيمان بالله هو أن تشعر به، والخيام يُخاطب الله كما لو كان - سبحانه وتعالى - كائنًا حيًّا يرضى ويغضب، يقسو ويرحم، وهذا شعور عميق نافذ جارف بوجود الله.

ربما كان تصوُّر الخيام خاطئًا، ولكن الشعور صحيح، وإذا كان منطق الخيام ضعيفًا أو تافهًا، فإن هذا لا يعنى أنه غير مؤمن، وما أكثر المتصوفين

والمنقطعين لعبادة الله، الذين خاطبوا ربهم، عاتبين ساخطين.

وقد رَوَتِ الأساطير القديمة أن أيوب، وهو نبى من أنبياء الله، ثار على ما امتحنه الله به، من موت زوجه وأبنائه، وإصابته بالجذام والبرص والطاعون، ولما زاره أصدقاؤه من الملائكة والرسل، وسمعوا صرخاته فى وجه الله هربوا منه، فقال لهم الله: لماذا تهربون؟ لو لم يَغضب من قسوتى لما استحقَّ رحمتى!

وتطرَّقَ الحديث إلى الخيام، وهل هو فيلسوف؟!

وقلت إن الفيلسوف يحب أن يكون صاحب مذهب، والخيام صاحب خواطر وأفكاروانفعالات، فهو شاعر وليس فيلسوفًا، ولقد تأثَّرَ بأبى نواس وبأبى العلاء المعرى.

وقيل إن تأثُّرَه بأبى العلاء كان أكثر من تأثُّره بأبى نواس، وأبو العلاء كان فيلسوفًا.

وقلتُ إن أبا العلاء لم يكن فيلسوفًا لكن كان شاعرًا، وما تصوَّرناه فلسفةً ليس إلا تفكيرًا وتأمُّلًا، ولا يمكن أن نعدَّ زهده فى الحياة وعزوفه عنها مذهبًا فلسفيًّا، وإنما هو نظام ربط نفسه به ولم يدعُ أحدًا إلى انتهاجه.

وفى أثناء ذلك دخل الشيخ الباقورى، وقال: عمَّ تتساءلون؟

قلنا: عن النبأ العظيم، الذى هم فيه مختلفون.

وقال: أى نبأ وأى خلاف؟!

قلنا: نبأ عمرالخيام، وهل هو ملحد؟ أو هو مذنب؟

وقال الباقورى: إن الخطيئة طبيعة فى الإنسان، وعلى الإنسان ألَّا يُجاهِر بها، والله يغفر الذنوبَ لمَن يشاء، وروى هذا الحديث الشريف، وهو: 
- «كل أمتى معافًى، إلا المُجاهِرين، وإنَّ من الإجهار أن يعمل المرء بالليل عملًا ثم يُصبح وقد ستره الله عليه، فيقول: يا فلان، إنى عملت كذا وكذا. فيبيت يستره ربه ويصبح يكشف ستر الله عنه»

وروى الباقوى حديثًا قدسيًّا هذا نصه: 

«عبادى لا تيئسوا من رحمتى إذا أذنبتم، فوَعِزَّتى وجلالى، لئن لم تذنبوا لخلقتُ خلقًا غيركم يذنبون فيستغفرون فأغفر لهم !». 

من كتاب « زعماء وفنانون وأدباء»