عاجل

خواطر الإمام الشعراوي| شريكان فى الرسالة

الشيخ الشعراوى
الشيخ الشعراوى

«معركة الحق والباطل لا تنتهى بنجاة أهل الحق، إنما لابد من نُصرْتهم على أهل الباطل».

يقول الحق فى الأية 34 من سورة القصص:»وَأَخِى هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّى لِسَانًا فَأَرْسِلْهُ مَعِيَ رِدْءًا يُصَدِّقُنِى إِنِّى أَخَافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ» معنى الرِّدْء: المعين، وعرفنا من قصة موسى- عليه السلام- وهو صغير فى بيت فرعون أنه أصابته لَثْغة فى لسانه، فكان ثقيل النطق لا ينطلق لسانه؛ لذلك أراد أنْ يستعين بفصاحة أخيه هارون ليؤيده، ويُظهر حجته، ويُزيل عنه الشبهات،وكان بإمكان موسى أن يطلب من ربه أن يستعين بأخيه هارون، فيكون هارون من باطن موسى، لكنه أحب لأخيه أن يشاركه فى رسالته، وأن ينال هذا الفضل وهذه الرِّفْعة، فقال: «فَأَرْسِلْهُ مَعِيَ رِدْءاً يُصَدِّقُنِي...» يعني: معيناً لى حتى لا يُكذِّبنى الناس، فيكون رسولاً مِثْلِى بتكليف من الله لذلك نرى الآيات تتحدث عن هارون على أنه رسول شريك لموسى فى رسالته، يقول تعالى فى شأنهما: «اذهبآ إلى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طغى فَقُولاَ لَهُ قَوْلاً لَّيِّناً لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يخشى» «طه: 43-44». فإذا نظرنا إلى وحدة الرسالة فَهُما رسول واحد، وهذا واضح فى قوله تعالى: «فَأْتِيَا فِرْعَوْنَ فقولا إِنَّا رَسُولُ رَبِّ العالمين» «الشعراء: 16».

وجاء فى قول فرعون:»إِنَّ رَسُولَكُمُ الذى أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ» «الشعراء: 27» بصيغة المفرد كما لو بعث رئيس الجمهورية رسالة مع اثنين أو ثلاثة إلى نظيره فى دولة أخرى، نُسمِّى هؤلاء جميعاً(رسول)؛ لأن رسالتهم واحدة، فإذا نظرتَ إلى وحدة الرسالة من المرسل إلى المرسَل إليه فهما واحد، وإذا نظرتَ إلى كلٍّ على حِدَة فهما رسولان ،وقد ورد أيضاً: «إِنَّا رَسُولاَ رَبِّكَ...» «طه: 47» فخاطبهما مرة بالمفرد، ومرة بالمثنى ،لذلك لما دعا موسى- عليه السلام- على قوم فرعون لما غرَّتهم الأموال، وفتنتهم زينة الحياة الدنيا قال»رَبَّنَا اطمس على أَمْوَالِهِمْ واشدد على قُلُوبِهِمْ فَلاَ يُؤْمِنُواْ حتى يَرَوُاْ العذاب الأليم» «يونس: 88» المتكلِّم هنا موسى وحده، ومع ذلك قال تعالى:»قَالَ قَدْ أُجِيبَتْ دَّعْوَتُكُمَا...» «يونس: 89» فنظر إلى أنهما رسول واحد، فموسى يدعو وهارون يُؤمِّن على دعائه، والمؤمِّن أحد الدَّاعِيَيْن.

ويقول الحق فى الأية 35 من سورة القصص:» قَالَ سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ وَنَجْعَلُ لَكُمَا سُلْطَانًا فَلَا يَصِلُونَ إِلَيْكُمَا بِآيَاتِنَا أَنْتُمَا وَمَنِ اتَّبَعَكُمَا الْغَالِبُونَ»،أجابه ربه: «قَالَ سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ...» لأن موسى قال فى موضع آخر: «اشدد بِهِ أَزْرِى وَأَشْرِكْهُ فى أَمْرِي» «طه: 31-32» وقوله تعالى:»سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ...» تعبير بليغ يناسب المطلوب من موسى؛ لأن الإنسان يزاول أغلب أعماله أو كلها تقريباً بيديه، والعضلة الفاعلة فى الحمل والحركة هى العَضْد لذلك حين نمدح شخصاً بالقوة نقول: فلان هذا(عضل)، وحين يصاب الإنسان والعياذ بالله بمرض ضمور العضلات تجده هزيلاً لا يقدر على فعْل شيء، فالمعنى: سنُقوِّيك بقوة مادية» وَنَجْعَلُ لَكُمَا سُلْطَاناً...» هذه هى القوة المعنوية، وهى قوة الحجة والمنطق والدليل، فجمع لهما: القوة المادية، والقوة المعنوية ،لذلك قال بعدها «فَلاَ يَصِلُونَ إِلَيْكُمَا...» أي: نُنجيكم منهم، لكن معركة الحق والباطل لا تنتهى بنجاة أهل الحق، إنما لابد من نُصرْتهم على أهل الباطل، وفَرْق بين رجل يهاجمه عدوه فيغلق دونه الباب، وتنتهى المسألة عند هذا الحد، وبين مَنْ يجرؤ على عدوه و يغالبه حتى ينتصر عليه، فيكون قد منع الضرر عن نفسه، وألحق الضرر بعدوه وهذا هو المراد بقوله تعالى: «أَنتُمَا وَمَنِ اتبعكما الغالبون» وهكذا أزال الله عنهم سلبية الضرر، ومنحهم إيجابية الغلبة ونلحظ توسط كلمة «بِآيَاتِنَآ...» بين العبارتين:»فَلاَ يَصِلُونَ إِلَيْكُمَا...» و»أَنتُمَا وَمَنِ اتبعكما الغالبون» فهى إذن سبب فيهما: فبآياتنا ومعجزاتنا الباهرات ننجيكم، وبآياتنا ومعجزاتنا ننصركم، فهى كلمة واحدة تخدم المعنيين، وهذا من وجوه بلاغة القرآن الكريم ،ومن عجائب ألفاظ القرآن كلمة(النجم) فى قوله تعالى: « الشمس والقمر بِحُسْبَانٍ والنجم والشجر يَسْجُدَانِ» «الرحمن: 5-6» فجاءت النجم بين الشمس والقمر، وهما آيتان سماويتان، والشجر وهو من نبات الأرض؛ لذلك صلحت النجم بمعنى نجم السماء، أو النجم بمعنى النبات الصغير الذى لا ساقَ له، مثل العُشْب الذى ترعاه الماشية فى الصحراء.
لذلك قال الشاعر: أُرَاعِى النَّجْم فى سَيْرى إليكُمْ * وَيرْعَاهُ مِنَ البَيْدا جَوَادِى