مصر التى فى خاطرهم

أقلام غربية ترسم ملامح متخيلة لبلدنا

أقلام غربية ترسم ملامح متخيلة لبلدنا
أقلام غربية ترسم ملامح متخيلة لبلدنا

حسن حافظ

أثارت مصر خيال الرحالة والروائيين والشعراء الغربيين، وكيف لا وهى بلاد السحر والتاريخ، والغموض والدهشة التى لا تنتهي، بلد يراكم الحضارات كما يجمع البعض الفراشات، لذا لم يكن غريبا أن تستحوذ مصر على خيال العديد من كتَّاب الغرب، بداية من مصر القديمة بحضارتها المميزة، أو حتى مصر الحديثة بتعقيد الحياة اليومية والتفاصيل المفعمة بالحياة، فكانت بلاد النيل ملتقى حضارات وشعوب وثقافات خلقت لحظات تاريخية تثير شهية الأدباء، لذا لم يكن غريبا أن تكون مصر محل كتابة روائية مكثفة منذ القرن التاسع عشر وطوال القرن العشرين.
 

الولع بمصر والكتابة عنها من قبل الغرب حقيقة تعود إلى مئات السنين، منذ هيردوت الذى زار مصر وكتب عنها فى كتاب رحلاته، وأطلق مقولاته الشهيرة "مصر هبة النيل"، واستمرت الكتابة على مصر حكرا على الرحالة الأجانب الذين عمل البعض منهم كجواسيس لملوك أوروبا الذين أرادوا معرفة ما يدور فى مصر فى عز قوتها أيام سلاطين المماليك، عندما نجحت فى تصفية الوجود الصليبى فى الشام وردت الهجمات المغولية المتتالية، أمثال الإيطاليين ليوناردو فريسكوبالدى وسيمونه سيجــولى وجـــورجـــو جـــوتشى والألمانى يوهـان شيلتبرجـر الذين زاروا مصر إبان حكم سلاطين المماليك، فضلا عن عشرات الرحلات التى جاءت إلى مصر فى فترة الحكم العثماني، وكان معظم الرحالة خصوصا من الفرنسيين من الجواسيس الذين يكتبون التقارير عن أوضاع مصر، لكنهم تركوا خلفهم ثروة من التقارير التى تقدم لنا مادة خاصة عن أحوال المصريين وتفاصيل حياتهم.


مع العصر الحديث ومنذ القرن التاسع عشر، احتلت مصر وحضارتها مكانة خاصة فى الرواية الغربية، خصوصا مع فك جان فرانسوا شامبليون، لطلاسم اللغة المصرية القديمة ليفتح الباب واسعا أمام نشأة علم المصريات، ويطلق معها صيحة الولع بكل ما هو مصرى فى فرنسا وأوروبا كلها، ما تجلى فى كتاب "وصف مصر" الذى خرج من تحت يد علماء الحملة الفرنسية، وكتاب البريطانى إدوارد وليم لاين "عادات المصريين المحدثين وتقاليدهم"، وهى كتب قدمت مادة هائلة عن مصر ودعمت التصورات الأوروبية حولها، لكن أحد جوانب الاهتمام الروائى بمصر جاء بعد زيارة الروائى الفرنسى جوستاف فلوبير صاحب الرواية الشهيرة "مدام بوفاري"، فقد زار فلوبير مصر فى العام 1849م، وسجل مشاهداته فى كتاب ترجم إلى العربية ونشر تحت عنوان "فلوبير فى مصر"، والذى قدم تصورات متخيلة عن مصر وشعبها، وقدم فيها نظرة استشراقية لمصر تقوم على حبسها فى أجواء ألف ليلة وليلة، حيث يتم التركيز على التخيلات الجنسية والتصورات التى تقوم على تخيل عوالم الجوارى وما يدور فى الحرملك، وهى صورة متخيلة لمصر استمرت وفرضت نفسها على رؤية الأوربيين وخيالهم فى النظر لمصر لأكثر من 100 عام، حتى جاء إدوارد سعيد ونقض هذه الرؤية الاستشراقية التى تقوم على احتقار مصر والشرق بزعم التفوق الأوروبي، فى كتابه الشهير "الاستشراق"، وأثبت تهافت رؤية أوروبا عن مصر والشرق، وأنها رؤية استعمارية فى مجملها لا تحدث عن الشرق كما هو بل كما يتخيله الأوروبيون.
رغم هذه الصورة المتخيلة عن مصر، إلا أن الكتابة عن مصر القديمة حصدت نصيب الأسد من الكتابة الأوروبية عن مصر، منذ كتابة الفرنسى تويفيل جوتييه رواية "المومياء" والتى نشرت العام 1858، ودشنت موجة من الهوس بكل ما هو مصرى قديم فى فرنسا وأوروبا كلها، كما أن هذا النص فتح الباب أما استلهام سحر الحضارة المصرية القديمة وسحرها فى البناء الدرامى للعديد من الروايات، التى وصلت إلى ذروتها برواية الفنلندى ميكا فالتري، "سنوحى المصري" 1945، والتى تعد أشهر وأنجح رواياته، كما كتب الروائى الأمريكى ألن ستيوارت درورى رواية "إله ضد الآلهة" وهى تدور عن فترة حكم الملك إخناتون، ويعد هذا الملك بطموحه لتأسيس ديانة جديدة أحد أكثر نقاط الاهتمام فى الأدب العالمي، ثم استكمل الكاتب عمله برواية أخرى تحت عنوان "العودة إلى طيبة" 1977. ويعد الفرنسى كريستيان جاك أحد أشهر كتاب الرواية التاريخية عن مصر القديمة فى الوقت الحالي، وألف العديد من الروايات فى الموضوع منها "آخر أحلام كليوباترا" و"القبر الملعون" وسلسلة أعماله عن رمسيس الثاني، والذى كتب عنه خماسية روائية بداية من رواية "رمسيس: ابن النور".


أديب اليونان الشهير نيكوس كازانتزاكيس، ترك شهادة مهمة عن مصر، عندما زارها فيما بعد الحرب العالمية الأولى ترك انطباعاته بأسلوبه الأدبى المميز فى عمله "رحلة إلى مصر.. الوادى وسيناء"، فقد قدم تجربة إنسانية عميقة تجمع بين رؤية فلسفية للعالم والحياة، وبين المشاهدات لطبيعة الحياة فى مصر والتى زارها لتتبع مسار العائلة المقدسة فيها وفى فلسطين سنة 1926، ويسجل انطباعاته عن النيل سر الحياة للمصريين، والقاهرة المدينة الخارجة من رحم ألف ليلة وليلة، وانتشار مظاهر الفقر فى الريف والصعيد، وغيرها من التفاصيل التى تركت علامات فى نفس كازانتزاكيس وظهرت فى أعماله خصوصا "زوربا اليوناني" و"الإغواء الأخير للمسيح" و"المسيح يصلب من جديد".


أما البريطانية أجاثا كريستي، سيدة روايات الجريمة والتشويق، فقد زارت مصر مع زوجها عالم الآثار ماكس مالوان سنة 1937، وذلك لمتابعة أعمال حفرية فى جنوب مصر، بينما استغلت كريستى هذه الفرصة من أجل الاستجمام والاستمتاع بجمال مصر وحضارتها، لكن فى أثناء وجودها فى أسوان، استلهمت رواية "موت فوق النيل" وهى أول رواية لها تدور أحداثها فى مصر، وتقوم الحبكة الدرامية على قضية قتل غامضة يتصدى لها المحقق الخيالى هيركيول بوارو، البطل الأساسى فى أعمال كريستي، والتى لم تكتف بهذه الرواية بل وقعت فى غرام الحضارة المصرية، فكتبت رواية ثانية بعنوان "الموت يأتى فى النهاية" 1945، والتى دشنت بها رواية الجريمة التاريخية، إذ تدور أحداثها فى تاريخ مصر القديمة، كما كتبت مسرحية "إخناتون" 1973، وهى مكرسة لشخصية ملك مصر القديمة الذى عرف بدعوته للتوحيد.


الروائى والصحفى البريطانى نويل باربر، ركز على مصر المعاصرة ورصد لحظة فارقة فى تحولها السياسى والاجتماعي، فى روايته "امرأة من القاهرة"، والتى نشرها 1984، وتدور أحداث الرواية بين أبناء الأرستقراطية المصرية والأجانب فى جاردن سيتي، عبر قصة حب بين نجل دبلوماسى بريطانى وابنة باشا مصري، وتقدم الرواية رؤية لكيف عاشت هذه الطبقة فى أربعينيات القرن العشرين تحت الاحتلال البريطاني، لكن العالم الوردى لأبطال الرواية ينهار عقب ثورة يوليو 1952، والتى أنهت الاحتلال البريطاني، وغيرت مسار الأحداث على الواقع وفى الرواية لتنتهى قصة الحب مع نيل مصر استقلالها.


أما جيلبرت سينويه فهو فرنسى من أصل مصري، وهو أحد عشاق مصر الكبار، والذى خصص الجزء الأكبر من إنتاجه الروائى للكتابة عن مصر وأهلها وتاريخها، إذ تميز بكتابة الرواية التاريخية، بداية من روايته "المصرية" التى تحكى عن فترة نهاية القرن الثامن عشر فى مصر ومجيء الحملة الفرنسية ثم وصول محمد على إلى سدة الحكم، وهى رواية تعكس رؤية فرنسية فى هذه الفترة، ثم قدم رواية "الفرعون الأخير: محمد علي" وهى عن الباشا حاكم مصر فى النصف الأول من القرن التاسع عشر، ثم قدم رواية "ابنة النيل" والتى تدور حول حلم حفر قناة السويس، ثم عاد سينويه وقدم رواية "البكباشى والملك الطفل" وهى عن فترة حكم الملك فاروق والزعيم جمال عبدالناصر، كما قدم سينويه رواية مستمدة من التاريخ المصرى القديم بعنوان "أخناتون الإله اللعين".
بدوره قدم الروائى البريطانى لورانس داريل، رباعية الإسكندرية، وهى إحدى أشهر الروايات عن مصر عموما والإسكندرية خصوصا فى الآداب الغربية، ويتكون عمله من سلسلة من أربع روايات تدور أحداثها جميعا فى مدينة الإسكندرية فى فترة ما قبل الحرب العالمية الثانية وما بعدها، وقد كتب كل جزء من الرباعية من خلال منظور أحد الأبطال، وترك هذا العمل الفذ تأثيره فى أجيال من الأدباء المصريين أمثال إدوارد الخراط وإبراهيم عبد المجيد ومصطفى نصر، بينما كتب الكاتب ويلبر سميث روايته "النهر الإله" 1993، والتى تدور فى فترة المقاومة المصرية لاحتلال الهكسوس.


من الروايات التى حاولت أن تخرج من أسر الولع بتاريخ مصر القديمة، رواية "لعب الورق فى القاهرة" 2008، للصحفى والروائى البريطانى هيو مايلز، والذى عاش فترة طويلة فى مصر كمراسل صحافى، ومن خلال قصص حب تعرف على الكثير من بعض تفاصيل الحياة فى القاهرة والتى يستعرض بعض تفاصيل الحياة فيها عبر قصص نسائية من مختلف الطبقات الاجتماعية. لكن لا تزال الروايات الغربية والمكتوبة بأقلام غربية تعانى من التصورات المتخيلة والقوالب النمطية عن مصر وأهلها، ولا تتابع بدقة التغيرات التى يعيشها المجتمع المصرى النابض بالحياة.