انخفاض المجاميع يـُربك خطط الطلاب ويدفعهم للبحث عن أقسام وتخصصات جديدة

صدمة الثانوية تغير نظرة الأهالى والطلاب لكليات القمة

صدمة الطلاب من صعوبة امتحانات الثانوية العامة
صدمة الطلاب من صعوبة امتحانات الثانوية العامة

أحمد جمال

أربكت نتيجة امتحانات الثانوية العامة هذا العام خطط وتصورات العديد من الطلاب وأولياء أمورهم بشأن مستقبلهم الجامعى، إذ كانت ما تعرف بكليات القمة (الطب والصيدلة والهندسة بالنسبة للشعبة العلمية والإعلام والاقتصاد والعلوم السياسية بالنسبة للشعبة الأدبية) هدفًا أساسيًا بالنسبة للطلاب الذين حصلوا على مجاميع مرتفعة طيلة السنوات الماضية قبل إجراء الامتحانات بطريقتها الجديدة التى اعتمدت بالأساس على قياس مهارات الفهم والتفكير.
 

تسبب انخفاض المجاميع بصورة كبيرة هذا العام فى تغيير نظرة العديد من أولياء الأمور والطلاب الذين تواصلت معهم «آخرساعة» عقب الإعلان عن النتيجة الأسبوع الماضي، وأجمعوا على أن كليات القمة أضحت حلما بعيد المنال، وأن التفكير الآن فى البرامج الجديدة التى اعتمدتها وزارة التعليم العالى مؤخراً، إضافة إلى كليات الذكاء الاصطناعى وريادة الأعمال والتكنولوجيا أملاً فى اللحاق بها بديلاً لطموحاتهم التى تركزت فى السابق على كليات الطب والصيدلة والهندسة.


حافظ الطالب محمد إبراهيم، على نسب متقاربة فى نتيجة الشهادة الابتدائية والإعدادية قبل دخول المرحلة الثانوية، مشيراً إلى أنه حصل على مجموع بلغ فى الشهادتين 98%، واختار شعبة العلمى علوم من أجل اللحاق بإحدى كليات المجموعة الطبية، لكنه فوجئ بأنه حصل على مجموع 53% بالإضافة إلى رسوبه فى مادة الفيزياء، وهو ما بعثر كل خططه وآماله.
وأضاف فى تصريحات لـ«آخرساعة»، أنه ينتظر نتيجة تنسيق المرحلتين الأولى والثانية للتعرف على مصيره، لكن الأكيد أنه لم يعد ينظر بأى حال من الأحوال إلى كليات القمة ويقوم الآن بعمل بحث شامل عن الكليات والأقسام الجديدة التى لا تجذب عامة الطلاب ومن الممكن أن يكون لها سوق عمل فى المستقبل تساعده على النجاح فيها.
لم يختلف الوضع كثيراً بالنسبة للطالبة هاجر ممدوح التى حصلت على مجموع 99% فى الصف الثالث الإعدادى وكان لديها رغبة فى دخول مدرسة «ستيم» للمتفوقين لكن تعدد مشكلات هذه المدارس خلال السنوات الأخيرة وعدم الاهتمام بها على خلاف ما كان سابقًا دفعها للالتحاق بإحدى المدارس الثانوية بمدرسة الشرقية، وكانت صدمتها حينما وجدت نفسها حاصلة على مجموع 72% شعبة العلمى علوم، وترى أن حلمها أيضًا تبخر والأمل فى أن تلحق بإحدى الجامعات الخاصة أو الأهلية.
وأشارت فى تصريحات لـ«آخرساعة»، إلى أنها مازالت متمسكة بدخول إحدى كليات القمة وتحاول التواصل مع عدد من الجامعات الدولية فى روسيا وتركيا، لكن المشكلة أن أسرتها ترفض سفرها إلى الخارج بمفردها، ومن ثم سيكون عليها البحث عن إحدى الكليات التكنولوجية الحديثة أو أحد أقسام الهندسة الزراعية أو علوم التغذية.


وذهبت سوزان شعبان ولية أمر إحدى الطالبات بالشعبة الأدبية للتأكيد على أن ابنتها روان حصلت على مجموع 75% وهى الأولى على مدرستها الثانوية بمحافظة الإسكندرية، مشيرة إلى أنها كانت تحلم بالالتحاق بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية، إلا أن المؤشرات الأولية تشير إلى صعوبة ذلك، إذ من المتوقع أن تقبل من 79% وهو ما سيدفعها للبحث عن هذه الكلية فى إحدى الجامعات الخاصة.
وأضافت لـ«آخرساعة»، أن ابنتها خاضت اختبارات القبول بكلية الفنون الجميلة لكنها لم توفق، مشيرة إلى أن طلاب هذا العام ليس لديهم القدرة على تحديد شكل مستقبلهم بعد أن جرى إنهاكهم فى الامتحانات الصعبة، وأضحى هدف الجميع الحصول على درجة النجاح دون النظر إلى التفوق الذى أصبح رفاهية لا يستطيعون تحقيقها.
وأوضحت أن ابنتها والكثير من أقرانها بحاجة إلى من يساعدها على اختيار التخصص الدراسى فى المرحلة الجامعية، وفى الغالب سيكون البديل اللجوء إلى الجامعات الخاصة وفى تلك الحالة فإن الأسرة سوف تتحمل مزيدا من الأعباء المالية، الأمر الذى يجعل هناك حاجة لإعادة تأهيل نفسى لأولياء الأمور وطلابهم حتى يتمكنوا من التعامل مع المرحلة الجديدة والتخطيط لمستقبلهم بشكل سليم.
وأشار محمد سعيد ولى أمر إحدى الطالبات التى حصلت على مجموع 64% الشعبة العلمية علوم، إلى أنها تفكر بعد أن فقدت الأمل فى كليات الطب النفسى الالتحاق بإحدى الكليات التى تكون دراستها باللغات سواء كانت كلية التربية أو التجارة أو الآداب أو كلية الآداب شعبة علم نفس، مشيراً إلى أنه يعمل على إقناعها بأن القمة من الممكن الوصول إليها من خلال أى كلية دون أن ترتبط بكليات المجموعة الطبية وأن النجاح والتفوق الأساسى يكون عبر اختيار مجال العمل الذى تستطيع الإبداع فيه.
وأوضح فى تصريحات لـ«آخرساعة»، أن الطلاب هذا العام لم يفكروا كثيراً فى كليات القمة وكان هدفهم النجاح فقط، وكان الهاجس الأكبر لدى كثير منهم الرسوب فى إحدى المواد ومن ثم المذاكرة فترة أخرى بعد عام دراسى طويل وشاق تعرضوا فيه لمشكلات عديدة، مشيراً إلى أن الطلاب لديهم مشكلة فى التظلم على الدرجات بسبب عدم معرفتهم بالمواد التى لديهم فيها حق إضافى نتيجة لصعوبة جميع الامتحانات.


وأتاحت وزارة التربية والتعليم والتعليم الفنى السبت الماضى رابطًا إلكترونياً لقبول طلبات إعادة فحص أوراق الإجابة للثانوية العامة ويستمر قبول الطلبات لمدة أسبوع ويتم إرسال نتائج الفحص حتى 13 سبتمبر القادم، يتضمن الفحص تأكد الوزارة من الورقة الامتحانية ونسبتها إلى الطالب ويعاد تصحيحها يدويا، وسوف يتسلم الطالب نتيجة الفحص موضحا فيها سلامة الورقة ونسبتها إليه والدرجات الحاصل عليها وكذلك نسخة إلكترونية من ورقة إجابته المصححة ليطمئن بنفسه على سلامة التصحيح. 
وأكدت التربية والتعليم، أنه سوف تقبل طلبات إعادة الفحص مجانا هذا العام دون أى مقابل مادى للتيسير على أبنائنا الطلاب، مشددة على أنه من حق أى طالب التظلم على النتيجة حتى لو كان من أوائل الثانوية العامة، أو كان راسبا أو له دور ثانٍ، فالتظلم حق كفله القانون لجميع الطلاب وفئاتهم دون تفرقة.
ولفت الدكتور محسن حامد فراج، رئيس قسم المناهج وطرق التدريس بكلية التربية جامعة عين شمس، إلى أن مفهوم كليات القمة أخذ فى التغيُّر خلال السنوات الأخيرة، وبدأ العديد من الأسر إعادة النظر فى شكل كلية القمة، تحديداً بعد أن أضحت الدراسة الجامعية ليست كافية كمعيار للتميز فى التخصص وزاد اللجوء إلى الدراسات العليات والدورات التدريبية لتحسين مهاراتهم، وهو أمر يجب ترسيخه فى عقول الأبناء.


وأضاف فى تصريحات لـ«آخرساعة»، أن اختيار التخصص السليم بداية التفوق فى الحياة العملية وهو من يصنع القمة بالنسبة للطالب، فليس هناك تخصص غير مهم بما فيها الحرف التقليدية لكن الأهم أن يكون هناك رغبة لدى الطلاب لدراسته، مشيراً إلى أن العدد الهائل من الكليات والأقسام بحاجة إلى نظرة غير تقليدية من جانب الطلاب وأولياء الأمور للابتعاد عن التخصصات التى تشبع بها سوق العمل.


وأوضح أن الطلاب عليهم النظر إلى تخصصات الصناعة وريادة الأعمال إضافة إلى الأقسام التى تمزج بين أكثر من تخصص مثل البايو تكنولوجى والميكاترونيك، إضافة إلى المجالات الجديدة فى الزراعة الهندسة وعلوم الحاسب والذكاء الاصطناعى وكليات الحاسبات والعلوم الحديثة والطاقة المتجددة.
وشدد على أن لفت انتباه الطلاب إلى هذه التخصصات من المفترض أن يبدأ مبكراً منذ دخولهم المرحلة الثانوية دون الانتظار للفترة القصيرة بعد انتهاء الامتحانات وحتى بدء التنسيق، وهو أمر يتطلب جهوداً من الجامعات نفسها التى سيكون عليها تنظيم رحلات للطلاب لتعريفهم بالأقسام والكليات الجديدة، إضافة إلى الدعاية المركزة والجاذبة للطلاب.


وقال الدكتور تامر عبدالحافظ، الخبير التربوي، إن الثقافة السائدة لدى الطلاب وأولياء أمورهم هى ربط مجموع الثانوية العامة بالتفوق، وهو أمر سيأخذ فى التغير تدريجيًا مع انخفاض معدلات المجاميع العليا ما يدعم إعادة تشكيل فكر الطلاب الذين عليهم البحث عما يفضلونه ويجيدونه لاستكمال مسار تعليمهم، مشيراً إلى أن هناك عددا كبيرا من خريجى الثانوية العامة ممن حصلوا على مجاميع مرتفعة خلال السنوات الماضية لم ينجزوا شيئًا فى الجامعة.


وأوضح فى تصريحات لـ«آخرساعة»، أن مهارات سوق العمل المتطورة لا يمكن تحديدها من خلال مجموع الثانوية العامة والطالب عليه أن يدرك المهارات التى تضمن تميزه وعلى رأسها المهارات الرقمية التى تشكل النسبة الأكبر من احتياجات السوق ليس فى مصر فقط ولكن فى العالم أجمع وهناك تعطش لهؤلاء الخريجين ومن الممكن أن تكون هذه كليات القمة لأن العالم يغير جلده الآن وهناك احتياجات جديدة قد تدفع الخريجين لتغيير وظائفهم لتتماشى مع التغيرات الجديدة.