جريمة أسرية كل ثلاثة أيام فى أسبانيا

الجرائم العائلية وباء في أوروبا

احتجاجات ضد العنف الأسرى فى فرنسا
احتجاجات ضد العنف الأسرى فى فرنسا

مي السيد

فى ظل تصدى أوروبا لفيروس كورونا..ظهر وباء من نوع آخر كان يلاحقها وهو العنف الأسرى، الذى حذرت الأمم المتحدة منه العام الماضى وأطلقت عليه مسمى «شبح وباء» يلاحق العالم، وهو فى تصاعد مستمر؛ طبقا للتقارير والبلاغات تعانى فيه النساء والفتيات من العنف الأسرى على يد الزوج أو الأب بصورة مخيفة.. وعقب إجراءات الإغلاق الشامل، وغير ذلك من القيود التى أجبرت الكثير من النساء والفتيات على البقاء داخل بيوتهن مع من يعتدون عليهن ويؤذونهن، أو جعلت من العسير أو المستحيل عليهن بلوغ الخدمات اللازمة لمساندتهن أو اللجوء إلى مكان آمن لهن .. شهدت الظاهرة ارتفاعًا حادًا، وهو ما جعل الحكومات تسارع إلى محاولة تعزيز الضمانات لحماية حقوق النساء والفتيات.

كان رئيس الوزراء الفرنسى السابق إدوارد فيليب أطلق تصريحًا منذ فترة قال فيه؛ اليوم فى بلدنا تموت مواطنات خنقًا أو طعنًا أو حرقًا أو حتى تحت الضرب بواقع كل يومين أو ثلاثة.
أما عن الأرقام والإحصاءات التى تطلقها المنظمات الأوروبية الحكومية وغير الحكومية، تؤكد أن هناك خللا فى القوانين أو فى تطبيق القانون، بجانب أسباب اقتصادية واجتماعية أخرى، جعلت من الجرائم الأسرية ظاهرة منتشرة بالفعل داخل القارة العجوز، ولكن تختلف من دولة لأخرى، حيث كشفت آخر إحصائية عن أن 80 % من جرائم العنف المنزلى تكون الضحية فيها سيدة، بينما الـ 20 % الأخرى تكون ضد الرجال.
أرقام وإحصاءات
فى محاولة لمعرفة نسب الجرائم العائلية داخل أبرز دول المجتمع الأوروبى نجد أنه فى فرنسا بلغت حصيلة الوفيات الناجمة عن العنف الأسرى، طبقا لتصريحات وزير الداخلية جيرالد دارمانان، أن (102) امرأة و(23) رجلاً لقوا حتفهم العام الماضى مقابل (146) جريمة قتل العام الماضى، وأن (35%) من هؤلاء النساء اللاتى فقدن حياتهن العام الماضى، كانوا قد تعرضن مسبقًا للعنف من قبل القاتل، ولكن الاستجابة الأمنية لم تكن على المستوى المطلوب.
وفى تقرير مفصل لذلك تبين أن ثلث حالات الوفاة من الجنسين، استخدم الجانى سلاحًا ناريًا، ووقعت الغالبية الساحقة (86%) من الأحداث فى منزل الضحية أو الجانى، ووقع ما يقرب من ربع الحالات (24%) على خلفية حالات انفصال من دون رضا الطرفين.
والأكثرية الساحقة من مرتكبى الجرائم رجال بنسبة (82%) وتتراوح أعمارهم بين 30 و49 عاما بنسبة (43%)، أما من هم فوق السبعين فنسبتهم تصل إلى (22%)، ومن العاطلين عن العمل أو المتقاعدين نسبتهم تصل إلى (66%). وتتراوح أعمار غالبية النساء الضحايا بين 30 و49 عاما بنسبة (40%) أو فوق سن 70 عاما بنسبة (21%)..وبالنسبة للضحايا المسنات فـ (16%) منهن فوق سن 80 عامًا، وكان السبب الرئيسى للجوء للقتل مرتبطًا بالمرض أو الشيخوخة.
ولا يختلف الحال كثيرًا فى باقى الدول الأوروبية فمثلا فى إسبانيا تحدث جريمة قتل أسرية كل 3 أيام، بالمقارنة مع معدل جريمة فى الأسبوع قبل جائحة كورونا.
 كما ازدادت طلبات الاستغاثة خلال الحجر بنسبة 58% مع ارتفاع حاد فى طلبات الاستعلام عبر الإنترنت وصلت نسبته إلى 458% لهذه الطلبات «الصامتة» كما تصفها وزارة المساواة..
وفى بلجيكا، وقعت 12 جريمة قتل أسرى خلال شهر ابريل فقط، بالمقارنة مع 24 لمجمل عام كامل، وسجلت إيطاليا وألمانيا تقريبا نفس الرقم، مع رصد زيادة حادة فى عدد الإتصالات بالأرقام الطارئة المخصصة للعنف الأسرى، وبدون إحصائية لدولة السويد يكفى أن نشير إلى حدوث 5 جرائم قتلى خلال 3 أسابيع.
كما تم الإبلاغ عن 16461 حالة اعتداء ضد نساء تربطهن علاقة وثيقة بالمعتدى، وهذا يمثل زيادة بنسبة 15.4 % عن العام الماضى، حيث بلغ عدد هذه الحالات 14261 بحسب المجلس الوطنى لمكافحة الجريمة.
حيل 
حاولت العديد من الدول الأوروبية بعد رصدها ارتفاع فى ظاهرة جرائم القتل الأسرى خلال فترة الحجر الصحى، أن تجد سبيلا لإنقاذ الضحايا قبل فوات الآوان فخصصوا مثلا أرقامًا للاستغاثة، وكلمات سر حال تواجد المتهم أو المبلغ عنه بجوار الشاكية أو السيدة.
ففي بريطانيا أعلنت منظمة تسمى «ريفيوج» التى تساعد ضحايا العنف الأسرى والعائلى، أنها تلقت ضعف الاتصالات المعتادة خلال فترة الحجر، وفي إيطاليا، خصصت الشرطة لضحايا العنف رقم  طوارئ يمكنهن الاتصال عليه، مع ترديد كلمة السر «أود طلب بيتزا مارغيريتا»، وهى إشارة معناها أنهن يتعرضن للعنف أو يخشين التعرض للعنف، وعندها ترسل الشرطة دورية، بينما فى إسبانيا، كان بإمكان النساء دخول صيدلية، وطلب كمامة بنفسجية حتى يتم استدعاء الشرطة.
نزعة ذكورية
أكدت الكاتبة والصحفية فابيولا بدوى المقيمة بباريس أن من أهم أسباب العنف الأسرى بفرنسا هى النزعة الذكورية والتى هى مرتفعة جدا فى نفسية الرجل الفرنسى، فجزء من الثقافة التى تلقن منذ الصغر ليس على مستوى التربية، ولكن على مستوى أشياء أخرى داخل المجتمع الفرنسى، لم يتخلص منها بعد، لأنه ربما يستهين البعض بهذا، وهى محض دراسة من قبل المتخصصين والباحثين النفسيين والاجتماعيين، مضيفة أنه حتى فى اللغة الفرنسية ليس بها «مثنى»، فأكثر من واحد يجمع، ومن الغريب أنه إذا كان هناك اثنان «رجل وامراة»، فإن الجمع وتصريف الأفعال يكون مذكر، حتى إذا ما كانت هناك مجموع تسعة نساء ورجل، فإن الجمع يكون مذكرا.. فهذا شييء يلقن منذ الطفولة بشكل غير مباشر، هو ليس مقصودا، ولكن موجودا ولم يتم تعديله أو تلافيه، على الرغم من المساحات الكبيرة للحرية ومحاولة المساواة ووجود وزيرة خاصة بالمساواة فى الحكومة ولكن حينما يترك هذا هو يرسخ شيئا ما فى النفسية.
وترى أن الدولة مسئولة مسئولية أزلية، وعليها مسئوليات كبيرة لاستقرار الوطن ومع زيادة الضغوط الاقتصادية يكون هناك أعباء أثقل ولكن الدولة تكتفى بالأعباء التى عليها، ولكن هناك بعض الأعباء يتم التهاون بها، وهذا يعد تقصيرا من جانب الدولة، على سبيل المثال أنه منذ سنتين تقريبًا فى فرنسا كانت هناك مطالبات من الجمعيات المسئولة عن معالجة العنف ضد المرأة واستقبالها وما شابه لتوفير 11 ألف سكن يمكن للمرأة أن تلجأ إليه حتى يمكن أن يتحقق استقلالا حقيقيا بين الطرفين، ولكن لم يتم هذا حتى الآن، و لو كان تم توفير مثل هذه المساكن لكان بإمكان الجمعيات تسكين النساء الذين تعرضن لأى شكل من أشكال العنف أى إن كان وفصل ما بين الزوجين وتجنب الكثير من عمليات العنف.
مسئولية الدولة
أما مجيد بودن المحلل السياسى ورئيس جمعية المحامين الدوليين بباريس فيرى؛أن المرأة يقع تصغيرها منذ قرون بأنها جزء ثانوى وعنصر ناقص فى المجتمع وهذا أمر مشاع ثقافيًا، وأضاف أن الحكومة الفرنسية أقرت عدة خطوات وإجراءات عملية لإيقاف العنف ضد المرأة، حيث اتخذت مثلا إجراءات حول التربية ضد العنف والمساواة بين البنات والصبيان، وهذا التكوين والتربية موجه للأساتذة والمدرسين فى مجال التربية الوطنية والموظفين فى وزارة التربية ومن يعملون داخل المدارس، وأيضا هناك مادة تدرس حول كيفية منع العنف المنزلى والعنف الزوجى، وذلك فى إطار الخدمة الوطنية العامة فما كان معروف بالخدمة العسكرية تحول إلى الخدمة الوطنية الشاملة.
وكشف أن المرأة يتم حمايتها قانونًا فى عملها داخل المكاتب والشركات والمؤسسات وفى المصانع، والآن يقع وقايتهن من أى تعدى جنسى أو لفظى من التمييز ضدهن، وهناك إجراءات لحماية المرأة لكى يمنع الرجل الذى يقوم بالعنف ضدها من أن يقترب منها مرة أخرى ويتم وضع أساور إلكترونية فى أيدى أو أرجل الرجل وهذا السوار الإلكترونى كسوار السجن مرتبط بمخفر الشرطة فإذا اقترب من المرأة تأتى الشرطة على الفور لكى تأخذه وتقدمه إلى العدالة.. كما إن العدالة الآن أصبحت تأخذ قرارات بشكل أسرع فهناك دوائر قضائية استعجالية للنظر فى هذه التعديات والقرارات تؤخذ بسرعة لكى يكون الردع فورى ويراه الذى يقوم بالتعنيف وهناك حوالى مليار يورو وقع رصدها فى ميزانية الدولة لكى تكرس وتحترم المساواة بين المرأة والرجل هذا العام.
قوانين
وبالنسبة لوجود قوانين تحمى الزوجات الفرنسيات فأكدت فابيولا؛ أنه بالطبع يوجد قوانين لذلك، والقانون الفرنسى متقدم فى هذا الموضوع، ولكن الخلاف فيما بعد تنفيذ القوانين، فنحن نتحدث عن مشكلات اجتماعية تصل إلى حد العنف، فماذا بعد أن يخرج هذا الرجل الذى انفصل عن زوجته من السجن، ثم بدأ فى لقاء أخرى هل يجب أن يكون هذا الوضع متكرر؟ علامات استفهام كثيرة تلى تنفيذ القانون والمشكلة ليست ثغرات فى القانون، فيجب معالجة الأسباب أولا، فإن كان إدمان يجب معالجته، وإن كان حالة نفسية يجب مراجعة الحالة النفسية، وإن كان بسبب الفقر لابد من دخول الدولة على الخط، وأكد مجيد بودن؛أن العنف ضد المرأة فى العالم هو نوع من أنواع التفرقة وعدم المساواة بين الرجل والمرأة ومسألة قتل النساء فى فرنسا شيء خطير وغير مقبول، وقد ارتفع رقم التعدى وقتل النساء عمدًا فى منازلهن بنسبة 16 % فى السنوات الأخيرة، وتابع المحلل السياسي، فهناك إخلال كبير فنسبة قتل النساء بهذا الحجم هو نسبة فظيعة تؤكد أن هناك خللا فى المجتمع الفرنسى والمجتمع الأوروبى وهذا الخلل تعمل السلطات الفرنسية على إيقافه وجذره.