فرفيش كده | سجاير فرط

سجاير فرط
سجاير فرط

ثم اننى والله والحمد لله زبون عالمى مثالى، ألتزم بالنظام الدولى بحذافيره، فإذا مال ناحية الاشتراكية والمنتج المحلى كنت أول الملتزمون ودخنت «سجاير كيلوباترا»، ولما ذهب النظام العالمى الى الانفتاح والامبريالية الاستعمارية غيرتها فورا وجريت خلف «الكاوبوي» فكنت من الأوائل ودخنت «مارلبورو» كما نصحنى أكبر منتج للتبغ ومشتقاته حول العالم «فيليب موريس».


ثم ولما أصبح النظام العالمى «خلطبيطة بالصلصة» واحتاروا فى اسمه فأسموه عولمة، فوجئت ذات صباح قريب أن «فيليب موريس» نفسها وضعت علامة «لا للتدخين» فى كل مواقع كانت لا تبيع سوى منتجاتها.. صُدمت، لكن والله اننى امتثلت. وتحولت فورًا الى بلاء جديد أقنعتنى به «فيليب موريس» ذاتها مرة جديدة وباعته لى بشياكة مفرطة، بالعلم انه يترك نكهة غريبة كأنك للتو تغرغرت بمادة مُشعة.. ماشي


لكن وللحق.. القديمة تحلى، للسجائر شوق ابن لذين، والحنين لها مؤكد مهما حدث. حتى ولو أوشكت أن أقنع نفسى أننى خلاص بطلت.. لا يهم فالشوق غلاب. حسنًا، سأشترى ٤ سجائر فرط من «كشك بسيوني» بناصية الشارع.


باهتمام بالغ استقبلنى بسيونى فأنا زبون آخر الليل المعتاد، الذى يورد لحصالة بسيونى ثمن أربع علب سجائر دفعة واحدة، ابتسم بسيونى ولهفته بادية تماما على ملامحه، والسعادة تأكل من وجهه حتة، وقال: أهلا يا سعادة الباشا..

أربعة بردو!، ولما استدار بسيونى ليأتى بالطلب المعتاد، فاجئته: نعم يا بسيونى لكن أربع سجائر هذه المرة.


صدمة بسيونى طفت وجهه تمامًا، ذبلت ملامح الرجل فى لحظة، وقال بخضة بادية: نعم!، يا بيه ماتشيلش هم حضرتك لو مش معاك فلوس خليها فى أى وقت تكون معدى، عادى والله مفيش فرق. لكنى وبابتسامة واثقة كررت طلبى دون اكتراث لما قال.. كرر بسيونى عرضه مرتين على الأقل، وأنا أعدت عليه نفس الإجابة مرتان اضافيتان.


فلا الحالة تسمح بشرح الموقف للصديق بسيونى، ولا اذا شرحت سيفهمنى، فبسيونى لا يفهم سوى لغة الفلوس أو «الألمونيا» كما يسمى العملات المعدنية منها، أما مسألة الاشتراكية، والامبريالية العالمية، والعولمة وأما تغيرات بيزنيس «فيليب موريس» العالمية فهذا ليس شأنه على الاطلاق.


استدار بسيونى بعدما احتوى الصدمة، وسألنى بتعاطف واضح: أحمر وإللا أبيض يا أستاذ؟، فأجبته: أبيض أ بسيونى من فضلك.


الآن تغيرت صيغة النداء التى كان ينادينى بها بسيونى من سعادة الباشا الى أستاذ، وتبدلت طبقات صوته من الفخر الى العطف والاحسان.

 

شكرت السيد بسيونى وسألته عن الثمن، فلم أشتر سجاير فرط منذ كانت السيجارة الأمريكانى بربع جنيه فقط، فرد بسيونى بتأفف: عشرة.


تغيرت معالم وجهى 180 درجة وأعدت عليه السؤال بتجهم: عشرة ايه يا بسيونى، فأعاد على الإجابة بضجر: عشرة جنيه يا برنس.. انت فاكر ايه، السيجارة بـ 2 جنيه ونص. اللعنة يا بسيونى.. فلا يهم كم أصبح سعرها، لكن الصيغة تدنت أكثر الى «برنس».


بتنمر واضح نتش بسيونى الورقة أم عشرة جنيهات من يدى، ولما استدرت لأنصرف، سمعت همهماته مع الصبى الواقف أمام ثلاجة الحاجة الساقعة يوشوشه: بالك انت الراجل ده كان محترم، مكانتش تعدى ليلة واحدة إلا لما ياخد أربع علب سجاير من الرفيعة دى، لكن نقول ايه.. أهو كاس وداير، كله ملطوط يا ابنى.


تجاهلت وصف بسيونى بأنني «كنت رجلا محترم» فيما سبق» وانصرفت أردد: «الله يسامحك ياللى كنت السبب.. الله يسامحك يا فيليب».