عاجل

خواطر الإمام الشعراوي .. اخطب لبنتك

الشيخ الشعراوى
الشيخ الشعراوى

«كبرياء الأب يمنعه أنْ يعرض ابنته على شاب فيه كلُّ صفات الزوج الصالح وإنْ كان القلة يفعلون ذلك».

يقول الحق فى الآية 26 من سورة القصص:»قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ»، وهذا حكم رابع نستفيده من هذه الآيات، نأخذه من قول الفتاة «يا أبت استأجره»، ففى قولها دليل على أنها لم تعشق الخروج للعمل، إنما تطلب مَنْ يقوم به بدلاً عنها؛ لِتقَّر فى بيتها. ثم تذكر البنت حيثيات هذا العرض الذى عرضته على أبيها «إِنَّ خَيْرَ مَنِ استأجرت القوى الأمين» وهذان شرطان لابد منهما فى الأجير: قوة على العمل، وأمانة فى الأداء. وقد تسأل: ومن أين عرفتْ البنت أنه قوى أمين؟


قالوا: لأنه لما ذهب ليسقى لهما لم يزاحم الناس، وإنما مال إلى ناحية أخرى وجد بها عُشْباً عرف أنه لا ينبت إلا عند ماء، وفى هذا المكان أزاح حجراً كبيراً لا يقدر على إزاحته إلا عدة رجال، ثم سقى لهما من تحت هذا الحجر، وعرفتْ أنه أمين حينما رفض أن تسير أمامه، حتى لا تظهر له مفاتن جسمها.. ويأتى دور الأب، وما ينبغى له من الحزم فى مثل هذه المواقف، فالرجل سيكون أجيراً عنده، وفى بيته بنتان، سيتردد عليهما ذهاباً وإياباً، ليلًَا نهارًا، والحكمة تقتضى إيجاد علاقة شرعية لوجوده فى بيته؛ لذلك رأى أن يُزوِّجه إحداهما ليخلقَ وَضْعاً، يستريح فيه الجميع: «قَالَ إِنِّى أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِى ثَمَانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْرًا فَمِنْ عِنْدِكَ وَمَا أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ سَتَجِدُنِى إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ»، فى الأمثال نقول: (اخطب لبنتك ولا تخطب لابنك) ذلك لأن كبرياء الأب يمنعه أنْ يعرض ابنته على شاب فيه كلُّ صفات الزوج الصالح وإنْ كان القلة يفعلون ذلك وهذه الحكمة من الأب فى أمر زواج ابنته تحلُّ لنا إشكالات كثيرة، فكثيراً ما نجد الشاب سويَّ الدين، سويَّ الأخلاق، لكن مركزه الاجتماعى كما نقول دون مستوى البنت وأهلها، فيتهيب أنْ يتقدّم لها فيُرفض.


وفى هذه الحالة على الأب أنْ يُجَرِّئ الشاب على التقدم، وأن يُلمح له بالقبول إن تقدَّم لابنته، كأن يقول له: لماذا لم تتزوج يا ولد حتى الآن، وألف بنت تتمناك؟ أو غير ذلك من عبارات التشجيع.


أما أن نرتقى إلى مستوى التصريح كسيدنا شعيب «إنى أُرِيدُ أَنْ أُنكِحَكَ إِحْدَى ابنتى هَاتَيْنِ» فهذا شيء آخر، وأدب عَالٍ من العارض، ومن المعروض عليه، وفى مجتمعاتنا كثير من الشباب والفتيات ينتظرون هذه الجرأة وهذا التشجيع من أولياء أمور البنات.


ألاَ ترى أن الله تعالى أباح لنا أن نُعرِّض بالزواج لمن تُوفِّى عنها زوجها، قال تعالى: «وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النسآء» {البقرة: 235} ولا تخفى علينا عبارات التلميح التى تلفت نظر المرأة للزواج.


وقوله: «على أَن تَأْجُرَنِى ثَمَانِيَ حِجَجٍ» أى: تكون أجيراً عندى ثمانى سنوات، وهذا مَهْر الفتاة، أراد به أن يُغلِى من قيمة ابنته، حتى لا يقول زوجها: إنها رخيصة، أو أن أباها رماها عليه.


«فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْراً فَمِنْ عِندِكَ وَمَآ أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ سَتَجِدُنِى إِن شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ» يعني: حينما تعايشنى ستجدنى طيبَ المعاملة، وستعلم أنك مُوفّق فى هذا النسب، بل وستزيد هذه المدة محبة فى البقاء معنا.


فأجاب موسى عليه السلام: »قَالَ ذَلِكَ بَيْنِى وَبَيْنَكَ أَيَّمَا الْأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ فَلَا عُدْوَانَ عَلَيَّ وَاللَّهُ عَلَى مَا نَقُولُ وَكِيلٌ« أي: أنا بالخيار، أقضى ثمانية، أم عشرة «فَلاَ عُدْوَانَ عَلَيَّ والله على مَا نَقُولُ وَكِيلٌ» وقد أخذ العلماء حُكْماً جديداً من هذه الآية، وهو أن المطلوب عند عقد الزواج تسمية المهر، ولا يشترط قبضه عند العقد، فلَك أنْ تُؤجله كله وتجعله مُؤخّراً، او تُؤجل بعضه، وتدفع بعضه.

والمهر ثمن بُضْع المرأة، بحيث إذا ماتت ذهب إلى تركتها، وإذا مات الزوج يُؤخَذ من تركته، بدليل أن شعيباً عليه السلام استأجر موسى ثمانى أو عشر سنين، وجعلها مهراً لابنته.