آبى أحمد يقود إثيوبيا نحو الهاوية

صاحب نوبل يحصد أرواح البشر !

آبى أحمد
آبى أحمد

كتبت: دينا توفيق

توترات سياسية.. نزاعات وصراعات عرقية.. انزلقت إثيوبيا على أثرها نحو الهاوية؛ مع اندلاع حرب غير مبررة في إقليم تيجراى شمال البلاد.. انتهاكات حقوقية ومحاولات إحداث مجاعة في الإقليم مع منع وصول المساعدات إلى سكانه.. تحريض وعنف ممنهج أدى إلى نزوح وفرار الملايين من المدنيين خوفًا من المذابح والنهب والاغتصاب فقط بسبب العرق أو المعارضة السياسية.. هكذا بات الوضع في البلاد وأصبح رئيس الوزراء الإثيوبي «آبي أحمد» مصدر إحراج لنوبل.


كان آبي أحمد ذات يوم ذائع الصيت، تحدث لغة الديمقراطية، وكان ظاهريًا على استعداد لانتهاج سياسة لإنهاء الصراع الحدودي مع إريتريا. وفي عام 2019، حصل على جائزة نوبل للسلام لجهوده في تحقيق السلام والتعاون الدولي؛ بعد أن توصل عام 2018 إلى اتفاق تاريخى مع إريتريا ينهى 20 عامًا من الخلاف عقب الحرب الحدودية بين البلدين من 1998 إلى 2000. واليوم، بات مصدر إحراج للجائزة العالمية، وفقًا لما يراه الباحث الأمريكى «مايكل روبن» فى معهد «إنتربرايز» للأبحاث السياسية العامة. فى 18 يوليو 2021، أصدر مكتب رئيس الوزراء الإثيوبى بيانًا ينطوى على التحريض العرقى وأشار إلى سكان تيجراى ووصفهم بـ«سرطان إثيوبيا» ودعا جميع الإثيوبيين إلى «إزالة الأعشاب الضارة»، الذى وُصف حينها بالتحريض. وتقول منظمات حقوق الإنسان والصحفيون إن آبى يسعى بشكل منهجى إلى تجويع الإقليم، وتعمد فى معاناة بشرية وتدمير مشاريع تنمية البنية التحتية؛ بعد أن بدأ فى الإغلاق والاستيلاء على الشركات المتواجدة فى تيجراي. وكنوع من تضييق الخناق على سكان الإقليم ومحاصرتهم، تم قطع خطوط الهاتف والإنترنت فيه، ما أدى إلى إشعال الحرب واضطراب اقتصادى داخلى ساعد فى تقويض اقتصاد إثيوبيا الهش. 
وفى انتخابات يونيو الماضي، على الرغم من فوز حزب آبى بـ 410 من أصل 436 مقعدًا، إلا أن وزارة الخارجية وصفت الانتخابات بأنها «معيبة» ورفض مراقبو الانتخابات الدوليين اعتبارها حرة ونزيهة، هذا بالإضافة إلى السيطرة المشددة التى يفرضها النظام الإثيوبى على وسائل الإعلام، ومواقع التواصل الاجتماعي. ليست تيجراى التمرد الوحيد الذى تواجهه إثيوبيا الآن؛ يعانى الاقتصاد من الانهيار الداخلى ما يعنى أن آبى يفقد دعم الإثيوبيين. ربما تقود غطرسة آبى تجاه جيرانه والاتحاد الأفريقى إلى سقوطه السريع دون أن يجد المساعدة أو الدعم.


ووفقًا لمجلة «الإيكونوميست» البريطانية، حسب بعض التقديرات، بدت الأوضاع فى عهد آبى أحمد، كما لو أن إثيوبيا ستصبح أحد أكثر الدول ديمقراطية، إلا رئيس الوزراء بات يواجه إدانة دولية أكثر من الثناء. لأكثر من ستة أشهر، انخرطت حكومته المركزية فى حرب مجرمة ضد جبهة تحرير شعب تيجراي، وأدى الصراع إلى تأجيج التوترات بين أكثر من 80 مجموعة عرقية فى إثيوبيا وأوقع خسائر بشرية مروعة، ما دفع المجلة البريطانية إلى التساؤل لماذا عادت الحرب الأهلية إلى إثيوبيا؟
بعد أن اتهم آبى الجبهة الشعبية لتحرير تيجراى بتوجيه طلقاتها على قاعدة عسكرية فى نوفمبر الماضي، وردًا على ذلك، أمر بشن ضربات جوية وأرسل قوات برية. وخلال الأشهر القليلة الأولى من الصراع، أدى انقطاع الاتصالات إلى صعوبة معرفة ما كان يحدث، وتدريجيًا ظهر حجم الرعب، مع ارتكاب الفظائع التى أدت إلى قتل آلاف المدنيين، ونزوح ملايين آخرين، كثير منهم عبر الحدود إلى السودان. 
لقد حظى النظام الإثيوبى الجديد بالاستحسان لإطلاقه العنان للنمو الاقتصادى فى أول الأمر، لكنه اشتهر بقتل وتعذيب معارضيه. وصل آبى إلى السلطة عام 2018 على خلفية الاحتجاجات الجماهيرية التى نظمتها أكبر مجموعة عرقية فى البلاد وأيضًا جماعته «الأورومو». لكن لم يمر وقت إلا واعتقل قادة المعارضة وقتلت قواته الأمنية المتظاهرين، وقبل نزاع تيجراي، أدت التوترات العرقية بالفعل إلى نزوح الملايين عن ديارهم. وأعلنت الجبهة الشعبية لتحرير تيجراى منذ فترة طويلة بأن آبى يحاول إضعاف المركزية التى يقوم عليها الدستور، ويتهمونه بمحاولة تقويض الحكم الذاتى فى عشر دول إثنية قائمة على أساس عرقي، وبالقوة المركزية. ويشعر زعماء المعارضة الأورومو، وبعضهم فى السجن وآخرون قاطعوا الانتخابات التى أعيد جدولتها، بالمثل. منذ البداية، صوّر آبى الصراع كعملية لاستعادة «سيادة القانون» على فصيل أصبح معتادًا على السلطة.
ومع اندلاع الحرب فى شمال إثيوبيا، ووصول المنطقة إلى أسوأ مجاعة منذ عقود، سافر مبعوث إدارة الرئيس الأمريكى «جو بايدن» للقرن الأفريقي، «جيفرى دى فيلتمان»، إلى العاصمة الإثيوبية فى مايو الماضى على أمل إقناع آبى أحمد بإخراج بلاده من دوامة مدمرة يخشى الكثيرون أن تمزقها؛ لكن آبى أراد الذهاب فى جولة مرتجلة مدتها أربع ساعات فى أديس أبابا مع فيلتمان، قاده رئيس الوزراء عبر متنزهات المدينة الجديدة الذكية، كانت محاولة آبى لعرض التقدم الاقتصادى فى حين أن أجزاء من بلاده تحترق، علامة على مسار مضطرب حير المراقبين الدوليين الذين يتساءلون كيف أخطأوا فى تقييمهم لآبي. ووفقًا لسرد الكاتب والصحفى الأيرلندى وكبير المراسلين الأفارقة لصحيفة نيويورك تايمز الأمريكية «ديكلان والش»، غادر أجانب آخرون إثيوبيا قلقين من حدوث تطهير عرقى ومن أفعال آبي. ومن جانبه أدلى مبعوث الاتحاد الأوروبى «بيكا هافيستو» الذى زار البلاد فى فبراير الماضي، بشهادته أمام البرلمان الأوروبى أن القادة الإثيوبيين أخبروه «أنهم سوف يدمرون تيجراي، وسيقضون على سكانه». وتمثل الإدانة العالمية لآبى خلال قمة مجموعة السبعة فى مايو الماضي، تراجعًا كبيرًا لرجل كان حتى وقت قريب يحتفى به عالميًا. ويصفه الأشخاص الذين تعاملوا معه بأنه رجل مفعم بالثقة بالنفس، وحتى أنه يرى أن صعوده إلى السلطة كان مُقدرًا مسبقًا. ووفقًا لتصريحاته مع صحيفة «نيويورك تايمز» عام 2018، قال إنه عندما كان فى السابعة من عمره، همست والدته فى أذنه أنه «فريد» وتوقعت أنه «سينتهى به المطاف فى القصر».
ويرى والش أن التحرك السريع لآبى أطلق العنان للإحباطات المكبوتة بين الجماعات العرقية التى تم تهميشها من السلطة لعقود، وخاصة جماعته «الأورومو»، التى تمثل ثلث سكان إثيوبيا البالغ عددهم 110 ملايين نسمة تقريبًا. وعندما اندلعت الاحتجاجات الجماهيرية، عاد إلى قواعد اللعبة القديمة، وبدأ فى حملات الاعتقالات وممارسة القمع ووحشية الشرطة. تحول آبى من الحائز على نوبل إلى مجرم حرب والباحث عن الذات الهادئ بين بعض حلفائه. قال «جود ديفيرمونت» ضابط المخابرات الوطنية الأمريكية السابق لأفريقيا، الذى يعمل الآن فى مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، إن بريق نوبل، والرغبة الشديدة فى تحقيق قصة نجاح فى أفريقيا، دفعت العديد من الدول الغربية إلى إغماض أعينهم عن أخطاء آبى الواضحة. وأضاف قائلًا «علينا أن نعترف بأننا ساعدنا فى المساهمة فى رؤية آبى لنفسه وثقته الزائدة، وعندما حدث خطأ، غضضنا الطرف فى البداية، والآن قد يكون الوقت قد فات».
وفى رسالة واضحة دعا الصحفى الإثيوبى «عبداللطيف ديرة» من خلال مقاله على موقع «إثيوبيا إنسايت» إلى الحوار من أجل المصالحة والتسوية نحو توافق وطنى. ويضيف ديرة أن استخدام الوسائل العسكرية لن تؤدى إلى نتائج ذات مغزى، بل إنه نهج قصير النظر يدمر الأرواح، ويخلق اضطرابات اجتماعية تقيد الأجيال فى ظلام الحروب والفقر. مهما كانت الاختلافات مع خصومك، فإن النتائج المرغوبة طويلة الأمد لن تتحقق بممارسة العنف بل بإرادة الحوار؛ امنح طريق السلام فرصة. 
ومن الناحية الواقعية، ترى مجلة «ذا ناشيونال إنتريست» الأمريكية أن آبى قد يواجه اتهامات بارتكاب جرائم حرب، خاصة مع ظهور عدة تقارير تؤكد أن الجيش الإريترى دخل تيجراى وعمل جنبًا إلى جنب مع القوات الإثيوبية أثناء قيامهم بنهب البلدات والقرى فى الإقليم. وفى 13 يناير 2021، أعلنت إثيوبيا أن قواتها قتلت وزير الخارجية السابق «سيوم مسفين»، أثناء القتال. وتشير التقارير اللاحقة إلى أن رجال آبى أعدموا مسفين بإجراءات موجزة. بينما أعلنت إثيوبيا مرارًا وتكرارًا أن الوضع فى تيجراى هادئ، استمرت التقارير التى تكشف تورط القوات الإثيوبية فى انتهاكات لحقوق الإنسان. ومع استعادة الاتصال بالمنطقة، نشر الإثيوبيون مقاطع فيديو لعمليات الإعدام بإجراءات موجزة. والانخراط فى التطهير العرقى والاغتصاب وقتل المعارضة.
فيما ترى صحيفة «فاينانشيال تايمز» البريطانية أن آبى قد أصبح زعيم حرب بعد أن كان رمزا للسلام. ومن المرجح أن يؤدى إعلان الأعمال العدائية إلى تقويض، إن لم يكن تدمير، سمعته المتلاشية كزعيم يمكنه توحيد إثيوبيا تحت راية الديمقراطية. وقال الخبير فى شئون الإثيوبية بجامعة كامبريدج «كريستوفر كلافام» إن آبى يفتقر إلى الرغبة فى التسوية التى ستكون ضرورية لترجمة رؤيته الكبرى لوحدة البلاد. وأضاف «كان الأمل قبل عامين خلق تسوية سياسية، ولكن هذا لم يحدث.» لقد أرسل رئيس الوزراء الإثيوبي، بلاده إلى نقطة اللاعودة.