تخيل أنك أتيت بلوحة وعرضت ظهرها رمادى اللون على البعض وسألتهم «ما الذى تراه فى اللوحة؟» ليجيبك الأول قائلاً «أرى عجوزاً مذعورة».. ويقول لك الثانى «أرى سيدة فرحة».. أما الأخير فتجده يجيبك متسائلاً «ما هذا الكتاب الكئيب؟».. أكيد ستعتبرهم جميعاً (مجانين رسمى)، أو بمعنى أصح مُغيبين عن الواقع بسبب مُخدر يتعاطونه.
أما النقطة الثانية.. هل من المنطق عندما يُعلن رئيس مجلس إدارة شركة قائلاً «إننا نتعرض لمشكلة إدارية» أن يرد عليه مستشاروه وبعض المتطوعين بالشركة معهم «إننا نتعرض لمشكلة إدارية»، أم من الفروض أن يكون الرد هو سرعة التعامل مع تلك المشكلة وفرض حلول لها؟
ونأتى للنقطة الثالثة.. يجوز لكل منا أن يطلع ويتفكر فى علم ما وأن يبدى رأيه فيها ولكن لا يحكم للبت فى قضايا وأمور تخصها عدا فى مجاله بل وفى تخصصه تحديداً.. فكيف لمتخصص فى التنمية البشرية ولغة الجسد مثلاً أن يتحدث بثقة ويصدر أحكاماً أمام (400) مليون مشاهد فى نظريات «أجيال الحروب» والتى تُعد من أصعب موضوعات الدراسات الأمنية والعسكرية وحيرت منظريها وخبراءها!!.. هذا وغيره يصرون على توجيه الأمور حول ما يحيك بنا من مؤامرات ومُخططات وإستناداتهم وإستدلالاتهم ربما بعيدة تماماً عن الواقع الحقيقى الذى يدور على الأرض ودون حلول.
أما النقطة الأخيرة.. فهى «ثورة 25 يناير» والتى اختلف فيها الكثيرون ما بين كونها مؤامرة أو ثورة، وليس هذا موضوع دراستي، فالعالم يخطط مُستغلاً الظروف لتحقيق أهدافه الإستراتيجية بل ويبحث عن أدواته فى مسارحه الدولية سواء كانت مواطنين أو حكوميين لتحقيق تلك الأهداف.. ولكن يبقى الملايين التى نزلت لتثور بنية الإعتراض على الظلم والفقر وضيق الحريات خلف من قادهم بتخطيط مُسبق.
وهنا تطرح تساؤلات نفسها.. هل عندما يردد الرئيس «أننا نتعرض لمؤامرات من الداخل والخارج» أن يردد وراءه الكثيرون مقولته متفننين فى طرح تلك المؤامرات بالتحدث فيما لا يفقهون فيه مُزيفين فى العلم والحقائق، مُهونين ومُهولين، مُتخيلين بذلك أنهم مع الرئيس ودون أدنى إحترام لعقول المصريين وبدون طرح حل واحد لأى مشكلة مما فرضوها؟ هل هذا واجبهم الحقيقى؟ بالطبع لا فلا هذا ما رمى إليه الرئيس ولا التزييف هو الحل.. أما الثانى: «هل شعر الملايين من الشعب بالظلم والجوع وضيق الحريات فجأة يوم 25 يناير، أم هناك ما دفعهم لذلك؟ ولكى أُجيب على هذا التساؤل الأهم وجب العودة لتفكر النقاط الأربع السابقة، لنجد أن شعورهم هذا تراكم خلال عقود مضت عليهم، ولكن أحد أهم الموانع التى حجب إراداتهم عن الثورة هو ذلك المُخدر ممتد المفعول والذى كان يتعاطاه الشعب يومياً ليُغيبه عن الواقع.
وسؤال آخر يطرح نفسه «وما هو ذلك المُخدر الذى يمكنه تغييب شعب لعقود؟» إنه تزييف الحقائق بتهويل الإنجازات وتهوين نواحى التقصير وقوة تأثيرها السلبى على المجتمع.. إنه نشر الفكر الخاطئ والإستنادات غير العلمية لتشكيل الصورة الذهنية لدى المواطنين بما يخالف الحقيقة.. وهو ما يحدث الآن بواسطة أنصاف المتعلمين ربما عن عمد ولكن بالتأكيد عن جهل شديد، دون حساب ليوم قد يكرر من أزالوا المُخدر فعلتهم والأمر لا يحتمل، وعلينا الآن أن نوجد الآلية المناسبة للسيطرة على تلك الفوضى الإعلامية فى محاولة جادة لتقبل واقعنا والعمل على تحسين حالنا فى مشاركة جماعية للمسئولية.