السينما هبة النيل

فيلم  صراع فى النيل
فيلم صراع فى النيل

كتب : محمود‭ ‬قاسم‭ ‬

إذا‭ ‬كان‭ ‬هيرودت‭ ‬قال‭ ‬إن‭ ‬مصر‭ ‬هبة‭ ‬النيل‭ ‬فإن‭ ‬الفنون‭ ‬المعاصرة‭ ‬تؤكد‭ ‬أن‭ ‬النيل‭ ‬منح‭ ‬الحياة‭ ‬لكل‭ ‬الفنون‭ ‬المصرية‭ ‬بدءا‭ ‬من‭ ‬الفن‭ ‬التشكيلى‭ ‬والمسرح‭ ‬والسينما‭ ‬بالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬فنون‭ ‬الكتابة‭ ‬أبدا‭ ‬من‭ ‬الشعر‭ ‬والرواية‭ ‬والقصة‭ ‬القصيرة،‭ ‬وعليه‭ ‬أن‭ ‬السينمائى‭ ‬المصرى‭ ‬عبر‭ ‬عن‭ ‬ارتباطه‭ ‬الشديد‭ ‬بالنهر‭ ‬فى‭ ‬قصص‭ ‬الأفلام‭ ‬التى‭ ‬دارت‭ ‬أحداثها‭ ‬من‭ ‬جنوب‭ ‬الوادى‭ ‬وحتى‭ ‬المصب‭ ‬وبالنظر‭ ‬إلى‭ ‬التاريخ‭ ‬سوف‭ ‬نجد‭ ‬أن‭ ‬مخرجين‭ ‬بعينهم‭ ‬حكوا‭ ‬قصصا‭ ‬عن‭ ‬النيل‭ ‬وتأثيره‭ ‬القوى‭ ‬جدا‭ ‬فى‭ ‬حياة‭ ‬المصريين،‭ ‬وهناك‭ ‬فى‭ ‬قائمة‭ ‬هؤلاء‭ ‬المخرجين‭ ‬يوسف‭ ‬شاهين‭ ‬ثم‭ ‬عاطف‭ ‬سالم‭ ‬ونيازى‭ ‬مصطفى‭ ‬وصلاح‭ ‬أبو‭ ‬سيف‭ ‬وحسن‭ ‬الإمام،‭ ‬ولاشك‭ ‬أن‭ ‬وجود‭ ‬نهر‭ ‬دعا‭ ‬إلى‭ ‬ارتباط‭ ‬الفنان‭ ‬بحكايات‭ ‬متنوعة‭ ‬قادمة‭ ‬من‭ ‬التاريخ‭ ‬أحيانا‭ ‬واتجه‭ ‬إلى‭ ‬المستقبل‭ ‬أحيان‭ ‬أخري‭.‬

قبل‭ ‬أن‭ ‬نتحدث‭ ‬عن‭ ‬السينما‭ ‬فإن‭ ‬لدينا‭ ‬كاتبا‭ ‬راحلاً‭ ‬يدعى‭ ‬عمر‭ ‬أنور‭ ‬حكى‭ ‬فى‭ ‬روايته‭ ‬ثقب‭ ‬فى‭ ‬قاع‭ ‬النهر‭ ‬عن‭ ‬أن‭ ‬صعود‭ ‬التيار‭ ‬الدينى‭ ‬فى‭ ‬ذلك‭ ‬الوقت‭ ‬مرتبط‭ ‬بظهور‭ ‬ثقب‭ ‬كبير‭ ‬فى‭ ‬قاع‭ ‬النيل‭ ‬أدى‭ ‬إلى‭ ‬جفاف‭ ‬النهر‭ ‬وضياع‭ ‬الفكر‭ ‬وجفاف‭ ‬المياه‭ ‬من‭ ‬خريطة‭ ‬الحياة‭.‬

يهمنا‭ ‬الحديث‭ ‬أولا‭ ‬عن‭ ‬يوسف‭ ‬شاهين‭ ‬فهو‭ ‬الأكثر‭ ‬عشقا‭ ‬للنهر‭ ‬والقطار‭ ‬فى‭ ‬أغلب‭ ‬أفلامه‭ ‬يعيشون‭ ‬على‭ ‬جوانب‭ ‬النهر‭ ‬ويركبونها‭ ‬ويرتزقون‭ ‬منه‭ ‬ويبحثون‭ ‬عن‭ ‬حياة‭ ‬أفضل‭.‬

تعالوا‭ ‬نبدأ‭ ‬من‭ ‬فيلم‭ ‬اابن‭ ‬النيلب‭ ‬الذى‭ ‬أخرجه‭ ‬عام‭ ‬1951‭ ‬نحن‭ ‬أمام‭ ‬شاب‭ ‬صعيدى‭ ‬يسكن‭ ‬فى‭ ‬أسوان‭ ‬ومتزوج‭ ‬من‭ ‬ابنة‭ ‬خالته‭ ‬لكنه‭ ‬يحلم‭ ‬دوماً‭ ‬بالسفر‭ ‬إلى‭ ‬العاصمة‭ ‬لكى‭ ‬يحقق‭ ‬حلم‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬متعلماً،‭ ‬هو‭ ‬يقف‭ ‬دوما‭ ‬عند‭ ‬محطة‭ ‬القطار‭ ‬ينتظر‭ ‬زملاءه‭ ‬القادمين‭ ‬من‭ ‬القاهرة‭ ‬ويحلم‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬متعلماً‭ ‬مثلهم‭ ‬ويظل‭ ‬على‭ ‬حلمه‭ ‬منذ‭ ‬أن‭ ‬كان‭ ‬طفلاً‭ ‬حتى‭ ‬صار‭ ‬رجلاً‭ ‬والغريب‭ ‬أن‭ ‬حميدة‭ ‬هذا‭ ‬لم‭ ‬يذهب‭ ‬إلى‭ ‬العاصمة‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬القطار‭ ‬بل‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬النهر‭ ‬ومراكبه‭ ‬حتى‭ ‬وصل‭ ‬إلى‭ ‬هناك‭ ‬واستقر‭ ‬به‭ ‬المقام‭ ‬فى‭ ‬إحدى‭ ‬العوامات‭ ‬التى‭ ‬تطل‭ ‬على‭ ‬النيل‭ ‬ويرفض‭ ‬العودة‭ ‬دوما‭ ‬إلى‭ ‬قريته‭ ‬باعتبار‭ ‬أن‭ ‬النيل‭ ‬هو‭ ‬الإجراء‭ ‬الأكبر‭ ‬له‭ ‬إلا‭ ‬أنه‭ ‬فى‭ ‬القاهرة‭ ‬يرتكب‭ ‬جريمة‭ ‬قتل‭ ‬ويدخل‭ ‬السجن‭ ‬وتسوء‭ ‬حالته‭ ‬بقوة‭ ‬وعندما‭ ‬يقرر‭ ‬العودة‭ ‬فإنه‭ ‬يفعل‭ ‬ذلك‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬مركب‭ ‬قادمة‭ ‬ضد‭ ‬تيار‭ ‬الفيضان‭ ‬ويكتشف‭ ‬أن‭ ‬التيار‭ ‬قد‭ ‬أغرق‭ ‬البيوت‭ ‬اللبنية‭ ‬التى‭ ‬يسكنها‭ ‬أهله‭ ‬ويروح‭ ‬يجدف‭ ‬ضد‭ ‬النهر‭ ‬ويقوم‭ ‬بإنقاذ‭ ‬زوجته‭ ‬وابنه‭.‬

كان‭ ‬هذا‭ ‬هو‭ ‬الهاجس‭ ‬الأول‭ ‬ليوسف‭ ‬شاهين‭ ‬وهو‭ ‬مخرج‭ ‬فى‭ ‬الخامسة‭ ‬والعشرين‭ ‬من‭ ‬عمره‭ ‬ابن‭ ‬الإسكندرية،‭ ‬ولم‭ ‬يتوقف‭ ‬شاهين‭ ‬عن‭ ‬العودة‭ ‬إلى‭ ‬منابع‭ ‬النهر‭ ‬فى‭ ‬الصعيد‭ ‬ففى‭ ‬عام‭ ‬1953‭ ‬سارت‭ ‬أحداث‭ ‬فيلمه‭ ‬صراع‭ ‬فى‭ ‬الوادى‭ ‬أى‭ ‬وادى‭ ‬النيل‭ ‬والبطل‭ ‬الرئيسى‭ ‬هنا‭ ‬هو‭ ‬مهندس‭ ‬زراعى‭ ‬يسعى‭ ‬إلى‭ ‬تحسين‭ ‬السلالات‭ ‬فى‭ ‬قريته‭ ‬ضد‭ ‬الإقطاعيين‭ ‬الذين‭ ‬استولوا‭ ‬على‭ ‬الأرض‭ ‬والسلطة‭ ‬وتدور‭ ‬قصة‭ ‬حب‭ ‬بين‭ ‬هذا‭ ‬المهندس‭ ‬وبين‭ ‬ابنة‭ ‬الإقطاعى‭ ‬ويبدو‭ ‬النهر‭ ‬هنا‭ ‬هو‭ ‬مصدر‭ ‬الرزق‭ ‬والتاريخ‭ ‬وليست‭ ‬الآثار‭ ‬والصراع‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬الحياة‭ ‬شيء‭ ‬منشود‭ ‬والناس‭ ‬مهتمه‭ ‬جدا‭ ‬بالزراعة‭ ‬وتخطيط‭ ‬أحلامهم‭.‬

ظل‭ ‬أبطال‭ ‬يوسف‭ ‬شاهين‭ ‬يركبون‭ ‬النيل‭ ‬ويذهبون‭ ‬إلى‭ ‬الجنوب‭ ‬من‭ ‬فيلم‭ ‬إلى‭ ‬آخر‭ ‬مثلما‭ ‬حدث‭ ‬فى‭ ‬فيلم‭ ‬اأنت‭ ‬حبيبيب‭ ‬1957‭ ‬فهناك‭ ‬عروسان‭ ‬يتزوجان‭ ‬رغم‭ ‬المشاكل‭ ‬العائلية‭ ‬ويفران‭ ‬إلى‭ ‬سد‭ ‬أسوان‭ ‬وعلى‭ ‬ضفاف‭ ‬النهر‭ ‬تغير‭ ‬مشاعر‭ ‬الأبطال‭ ‬ببطء‭ ‬فهما‭ ‬يعبران‭ ‬النهر‭ ‬إلى‭ ‬الجانب‭ ‬الأخر‭ ‬لحضور‭ ‬حفل‭ ‬زفاف‭ ‬نوبى‭ ‬فيه‭ ‬كافة‭ ‬مراسم‭ ‬الحياة‭ ‬وعادات‭ ‬يعشيها‭ ‬أهل‭ ‬النوبة‭ ‬ويغنى‭ ‬فريد‭ ‬الأطرش‭ ‬للعروس‭ ‬النوبية‭ ‬زينة،‭ ‬وعلى‭ ‬ضفة‭ ‬النهر‭ ‬فإن‭ ‬زاهر‭ ‬يقرر‭ ‬الزواج‭ ‬بقوة‭ ‬وبشكل‭ ‬رسمي‭.‬

فى‭ ‬عام‭ ‬1964‭ ‬طلب‭ ‬من‭ ‬يوسف‭ ‬شاهين‭ ‬إخراج‭ ‬فيلم‭ ‬تسجيلى‭ ‬عن‭ ‬تحويل‭ ‬مجرى‭ ‬النيل‭ ‬بمناسبة‭ ‬بناء‭ ‬السد‭ ‬العالى‭ ‬بعدها‭ ‬بثلاثة‭ ‬أعوام‭ ‬ذهب‭ ‬المخرج‭ ‬إلى‭ ‬أسوان‭ ‬ليقدم‭ ‬فيلمه‭ ‬الروائى‭ ‬النيل‭ ‬والحياة‭ ‬وهو‭ ‬إنتاج‭ ‬سوفيتى‭ ‬مصرى‭ ‬مشترك‭ ‬يحكى‭ ‬عن‭ ‬قصص‭ ‬حب‭ ‬تدور‭ ‬فى‭ ‬منطقة‭ ‬بناء‭ ‬السد‭ ‬العالى‭ ‬أثناء‭ ‬تركيب‭ ‬التوربينات‭ ‬الكبرى‭ ‬

أما‭ ‬المخرج‭ ‬الذى‭ ‬قدم‭ ‬النيل‭ ‬كجزء‭ ‬أساسى‭ ‬من‭ ‬كيان‭ ‬المصريين‭ ‬خاصة‭ ‬الصعايدة‭ ‬فهو‭ ‬عاطف‭ ‬سالم‭ ‬فى‭ ‬فيلم‭ ‬صراع‭ ‬فى‭ ‬النيل‭ ‬النيل‭ ‬هنا‭ ‬هو‭ ‬وسيلة‭ ‬حياة‭ ‬للصعايدة‭ ‬وعلى‭ ‬رب‭ ‬الأسرة‭ ‬أن‭ ‬يرسل‭ ‬ابنه‭ ‬مع‭ ‬شخص‭ ‬ناضج‭ ‬لشراء‭ ‬مركب‭ ‬نقل‭ ‬من‭ ‬العاصمة‭ ‬والفيلم‭ ‬كله‭ ‬بمثابة‭ ‬رحلة‭ ‬فوق‭ ‬النهر‭ ‬وحوله‭ ‬يتعرف‭ ‬على‭ ‬المدن‭ ‬وعادات‭ ‬الناس‭ ‬فيها،‭ ‬يبدو‭ ‬أن‭ ‬النهر‭ ‬كان‭ ‬دائما‭ ‬سندا‭ ‬للبطل‭ ‬المصرى‭ ‬فالشاب‭ ‬الذى‭ ‬سوف‭ ‬تشترى‭ ‬أسرته‭ ‬المركب‭ ‬الجديد‭ ‬سوف‭ ‬يتغير‭ ‬مع‭ ‬نهاية‭ ‬الرحلة‭ ‬ويتحول‭ ‬إلى‭ ‬كيان‭ ‬مسئول‭ ‬فى‭ ‬المقام‭ ‬الأول‭ ‬أى‭ ‬أن‭ ‬الرحلة‭ ‬فى‭ ‬النهر‭ ‬مزرعة‭ ‬أبدية‭ ‬لمصائر‭ ‬أبنائها‭ ‬هذا‭ ‬الفيلم‭ ‬من‭ ‬إنتاج‭ ‬1959‭ ‬ومن‭ ‬الواضح‭ ‬أن‭ ‬المصريين‭ ‬فى‭ ‬هذه‭ ‬الحقبة‭ ‬كانوا‭ ‬بالغى‭ ‬الشغف‭ ‬بما‭ ‬يحققه‭ ‬النهر‭ ‬لهم‭ ‬من‭ ‬أمجاد‭ ‬وخلود‭ ‬مهما‭ ‬كانت‭ ‬الأسباب‭ ‬عديدة‭ ‬تحمل‭ ‬أسم‭ ‬النهر‭ ‬منها‭ ‬ادماء‭ ‬على‭ ‬النيل‭ ‬والفيلم‭ ‬اليابانى‭ ‬المصرى‭ ‬القاهرة‭ ‬فى‭ ‬الليلب‭ ‬بالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬ثرثرة‭ ‬فوق‭ ‬النيل‭.‬

اتجهت‭ ‬أنظارالسينما‭ ‬بقوة‭ ‬نحو‭ ‬النيل‭ ‬مع‭ ‬بناء‭ ‬السد‭ ‬العالى‭ ‬فرأينا‭ ‬فيلم‭ ‬الحقيقة‭ ‬العارية‭ ‬الذى‭ ‬تدور‭ ‬أحداثه‭ ‬فى‭ ‬منطقة‭ ‬بناء‭ ‬السد‭ ‬تنمو‭ ‬قصة‭ ‬حب‭ ‬بين‭ ‬مهندس‭ ‬قاهرى‭ ‬يعمل‭ ‬فى‭ ‬أسوان‭ ‬والفيلم‭ ‬من‭ ‬أفلام‭ ‬الرومانسية‭ ‬حيث‭ ‬تنمو‭ ‬قصة‭ ‬حب‭ ‬بين‭ ‬مرشدة‭ ‬سياحية‭ ‬وبين‭ ‬أحد‭ ‬مهندسى‭ ‬السد،‭ ‬والفيلم‭ ‬كله‭ ‬بمثابة‭ ‬حالة‭ ‬من‭ ‬التسجيل‭ ‬لما‭ ‬كانت‭ ‬عليه‭ ‬مصر‭ ‬فى‭ ‬تلك‭ ‬الفترة،‭ ‬بناء‭ ‬السد‭ ‬العالي‭.‬

لم‭ ‬تتوقف‭ ‬السينما‭ ‬عن‭ ‬إعجاب‭ ‬بالجانب‭ ‬التاريخى‭ ‬للنهر‭ ‬مثلما‭ ‬رأينا‭ ‬فيلم‭ ‬اعروس‭ ‬النيلب‭ ‬إخراج‭ ‬فطين‭ ‬عبد‭ ‬الوهاب‭ ‬حيث‭ ‬يحكى‭ ‬قصة‭ ‬الأسطورة‭ ‬الخالدة‭ ‬المرتبطة‭ ‬بالتضحية‭ ‬بعروس‭ ‬النيل‭ ‬إرضاء‭ ‬للسد،‭ ‬ويحاول‭ ‬الفيلم‭ ‬إثبات‭ ‬أن‭ ‬عروس‭ ‬النيل‭ ‬ليست‭ ‬أسطورة‭ ‬ولكنها‭ ‬معتقد‭ ‬عند‭ ‬المصريين‭ ‬وهناك‭ ‬يدور‭ ‬صراع‭ ‬بين‭ ‬المهندس‭ ‬الذى‭ ‬يسعى‭ ‬لاكتشاف‭ ‬البترول‭ ‬وبين‭ ‬أجداده‭ ‬الفراعنة‭ ‬الذين‭ ‬أرسلوا‭ ‬له‭ ‬عروسا‭ ‬وقع‭ ‬فى‭ ‬حبها‭ ‬وفى‭ ‬الفيلم‭ ‬مشاهد‭ ‬عديدة‭ ‬عن‭ ‬المراسيم‭ ‬الوثنية‭ ‬التى‭ ‬كان‭ ‬يمارسها‭ ‬المصريون‭ ‬دائما‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬الاحتفاظ‭ ‬برضاء‭ ‬النهر‭.‬

نعم‭ ‬رضاء‭ ‬النهر‭ ‬قبل‭ ‬كل‭ ‬شيء‭ ‬وليس‭ ‬هذا‭ ‬أمرا‭ ‬خرافيا‭ ‬أو‭ ‬ضد‭ ‬المعتقدات‭ ‬لكنه‭ ‬حقيقة‭ ‬وتخلى‭ ‬المهندس‭ ‬عن‭ ‬مشروعه‭ ‬وأن‭ ‬يقدم‭ ‬لعروس‭ ‬النيل‭ ‬ما‭ ‬تستحق‭ ‬من‭ ‬مجد‭.‬

ظل‭ ‬الاهتمام‭ ‬بالنهر‭ ‬فى‭ ‬السنوات‭ ‬العشر‭ ‬الأخيرة‭ ‬من‭ ‬حياة‭ ‬جمال‭ ‬عبد‭ ‬الناصر‭ ‬1970‭ ‬وفيما‭ ‬بعد‭ ‬بدا‭ ‬النهر‭ ‬كأنه‭ ‬فقد‭ ‬بريقه‭ ‬وبدا‭ ‬أصحابه‭ ‬يهملون‭ ‬النهر‭ ‬المقدس‭ ‬على‭ ‬الأقل‭ ‬سينمائيا،‭ ‬وتغيرت‭ ‬الحياة‭ ‬بشكل‭ ‬ملحوظ‭ ‬مع‭ ‬السبعينيات‭ ‬إلا‭ ‬أنه‭ ‬من‭ ‬فترة‭ ‬لأخرى‭ ‬كنا‭ ‬نشاهد‭ ‬أفلاما‭ ‬تدور‭ ‬أحداثها‭ ‬عند‭ ‬منطقة‭ ‬أسوان‭ ‬باعتبار‭ ‬أن‭ ‬بعض‭ ‬الأجانب‭ ‬حولوا‭ ‬المنطقة‭ ‬إلى‭ ‬مكان‭ ‬للمطاردات‭ ‬مثلما‭ ‬رأينا‭ ‬فى‭ ‬الأفلام‭ ‬منها‭ ‬االأنثى‭ ‬والثعلبب‭ ‬و‭ ‬اوليلة‭ ‬لا‭ ‬تنسيب‭.‬

ومع‭ ‬توالى‭ ‬الأجيال‭ ‬امتلاء‭ ‬سطح‭ ‬النهر‭ ‬خصوصا‭ ‬فى‭ ‬القاهرة‭ ‬بالكبارى‭ ‬الطويلة‭ ‬بين‭ ‬الضفاف‭ ‬فإن‭ ‬النهر‭ ‬تحول‭ ‬إلى‭ ‬واحد‭ ‬من‭ ‬شوارع‭ ‬القاهرة‭ ‬الطويلة‭ ‬جدا‭ ‬خاصة‭ ‬المواصلات‭ ‬اليومية‭ ‬التى‭ ‬يقطعها‭ ‬الناس‭ ‬وظهر‭ ‬النهر‭ ‬أحيانا‭ ‬كمكان‭ ‬الخوف‭ ‬والإرهاب‭ ‬مثلما‭ ‬فعل‭ ‬محمد‭ ‬أبو‭ ‬سيف‭ ‬فى‭ ‬فيلم‭ ‬انهر‭ ‬الخوفب‭ ‬1982‭ ‬بطولة‭ ‬محمود‭ ‬عبد‭ ‬العزيز‭ ‬وهو‭ ‬يدور‭ ‬حول‭ ‬ما‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يحدث‭ ‬فى‭ ‬الأتوبيس‭ ‬النهري،‭ ‬لو‭ ‬رجعنا‭ ‬للأتوبيس‭ ‬النهرى‭ ‬فى‭ ‬فيلم‭ ‬االأيدى‭ ‬الناعمةب‭ ‬فإنه‭ ‬تم‭ ‬تقديمه‭ ‬بشكل‭ ‬سياحى‭ ‬مزدهر‭ ‬يركبه‭ ‬السائحون‭ ‬لمشاهدة‭ ‬الإنجازات‭ ‬التى‭ ‬قدمتها‭ ‬الثورة‭ ‬وفى‭ ‬هذا‭ ‬الأتوبيس‭ ‬يجد‭ ‬البرنس‭ ‬حلا‭ ‬لمشكلة‭ ‬البطالة‭ ‬التى‭ ‬عنده‭ ‬ويعمل‭ ‬مرشد‭ ‬سياحيا،‭ ‬أما‭ ‬فى‭ ‬أرض‭ ‬الخوف‭ ‬فإن‭ ‬مجموعة‭ ‬من‭ ‬الشباب‭ ‬الموتورين‭ ‬يركبون‭ ‬نفس‭ ‬الأتوبيس‭ ‬هاربين‭ ‬من‭ ‬مطاردة‭ ‬رجال‭ ‬الشرطة‭ ‬ويضطرون‭ ‬إلى‭ ‬اتخاذ‭ ‬الركاب‭ ‬رهائن‭ ‬للتفاوض‭ ‬مع‭ ‬رجال‭ ‬الأمن‭ ‬وبدلا‭ ‬من‭ ‬التنازل‭ ‬فوق‭ ‬سطح‭ ‬النهر‭ ‬فإن‭ ‬رجال‭ ‬الشرطة‭ ‬تملأ‭  ‬النهر‭ ‬الذى‭ ‬صار‭ ‬مصدرا‭ ‬للخوف‭ ‬حيث‭ ‬إرهابيون‭ ‬بلا‭ ‬إرهاب‭ ‬ورهائن‭ ‬أبرياء‭ ‬يتعاطفون‭ ‬مع‭ ‬شاب‭ ‬وزملائه‭ ‬وفى‭ ‬النهاية‭ ‬يتم‭ ‬تحرير‭ ‬الرهائن‭.‬

من‭ ‬الواضح‭ ‬أن‭ ‬نهر‭ ‬النيل‭ ‬صار‭ ‬رمديا‭ ‬غامقا‭ ‬يخلو‭ ‬من‭ ‬الصفاء‭ ‬والجمال‭ ‬الذى‭ ‬شاهدناه‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬وتحولت‭ ‬البنايات‭ ‬الأسمنتية‭ ‬على‭ ‬ضفاتى‭ ‬النهر‭ ‬إلى‭ ‬زنازين‭ ‬تحبس‭ ‬النهر‭ ‬بداخلها‭ ‬فاختفى‭ ‬الشكل‭ ‬الرومانسى‭ ‬للنهر‭ ‬ولجأ‭ ‬إليه‭ ‬البعض‭ ‬للسكن‭ ‬مجدداً،‭ ‬ليس‭ ‬العوامات‭ ‬التى‭ ‬كانت‭ ‬موجودة‭ ‬فى‭ ‬أماكن‭ ‬بعينها‭ ‬عند‭ ‬النهر‭ ‬ولكنها‭ ‬صارت‭ ‬موجودة‭ ‬ونلجأ‭ ‬للعرسان‭ ‬الجدد‭ ‬الذين‭ ‬تعذر‭ ‬عليهم‭ ‬الحصول‭ ‬على‭ ‬مسكن‭ ‬مثل‭ ‬فيلم‭ ‬االشقة‭ ‬من‭ ‬حق‭ ‬الزوجةب‭ ‬وفيلم‭ ‬انشاطركم‭ ‬الأفراحب‭ ‬إخراج‭ ‬محمد‭ ‬عبد‭ ‬العزيز‭ ‬عام‭ ‬1988‭ ‬حيث‭ ‬يفضل‭ ‬العاشقان‭ ‬الشبان‭ ‬السكن‭ ‬فى‭ ‬مركب‭ ‬نيلى‭ ‬بدلا‭ ‬من‭ ‬الوقوع‭ ‬فى‭ ‬زيجات‭ ‬أخرى‭ ‬فاشلة‭.‬

اعتمدت‭ ‬الأفلام‭ ‬الريفية‭ ‬دائما‭ ‬على‭ ‬مسألة‭ ‬فقر‭ ‬المياه‭ ‬وفقر‭ ‬الشعب‭ ‬وحاجة‭ ‬إلى‭ ‬رعاية‭ ‬الدولة‭ ‬وكانت‭ ‬بعض‭ ‬الأفلام‭ ‬بمثابة‭ ‬تحذير‭ ‬قوى‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يحدث‭ ‬للمصريين‭ ‬ومنها‭ ‬االخوفب‭ ‬للمخرج‭ ‬حسين‭ ‬كمال‭ ‬وفيلم‭ ‬الأرض‭ ‬والنداهة‭ ‬وبشكل‭ ‬عام‭ ‬أن‭ ‬الأفلام‭ ‬الريفية‭ ‬تضاءل‭ ‬عددها‭ ‬طوال‭ ‬الأربعين‭ ‬عاما‭ ‬الماضية‭ ‬لتظهر‭ ‬مشكلة‭ ‬أخرى‭ ‬هى‭ ‬تجريف‭ ‬الأرض‭ ‬أرض‭ ‬النيل‭ ‬السوداء‭ ‬ليتم‭ ‬بناء‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬البنايات‭ ‬سيئة‭ ‬السمعة‭ ‬حول‭ ‬مصر‭ ‬واختفت‭ ‬الرقعة‭ ‬الخضراء‭ ‬وينتقل‭ ‬الاستثمار‭ ‬للطرق‭ ‬الصحراوية‭ ‬ويعانى‭ ‬أهل‭ ‬الوادى‭ ‬بطوله‭ ‬من‭ ‬الجفاف‭ ‬الملحوظ،‭ ‬وللأسف‭ ‬الشديد‭ ‬أن‭ ‬الأمر‭ ‬استمر‭ ‬سنوات‭ ‬لدرجة‭ ‬أن‭ ‬المصريين‭ ‬باستخفاف‭ ‬شديد‭ ‬جدا‭ ‬مع‭ ‬خطر‭ ‬سد‭ ‬النهضة‭ ‬الإثيوبى‭ ‬حتى‭ ‬وصل‭ ‬الأمر‭ ‬ل‭ ‬ما‭ ‬لا‭ ‬يعرفه‭ ‬أحد‭.‬

مستقبل‭ ‬مجهول‭ ‬جدا‭.‬

المصدر : جريدة اخبار الادب