«مصر رايحة علي فين؟» سؤال مُتداول في الشارع المصري، وتتفاوت الإجابات عليه بين أن مصر في طريقها لأن تصبح قوي عالمية وبين أنها إلي إنهيار، أو أنها تتقدم أو تتراجع ببطء.. وأري أنه لا بديل عن التقارير العلمية الدولية التي تصدر سنوياً من الأمم المتحدة والمنظمات المتخصصة المستقلة، ومن أهمها تقرير الشفافية ومؤشرات الفساد وتقرير مؤشر الهشاشة السنويين.
يتم قياس معدلات الشفافية ومؤشرات الفساد من خلال أثني عشر جهة رصد دولية متخصصة اقتصادياً وسياسياً وقانونياً وبنكياً ومالياً، وبمراجعة تقاريرها خلال الخمس سنوات السابقة نجد ترتيب مصر طبقاً لتقرير نهاية عام 2013 الـ(114) علي (175) دولة بتقييم (32) درجة.. وبنهاية عام 2015 الـ(88)علي 166 دولة بفارق (26) دولة للأمام بتقييم متقدم إلي (36) درجة مما يدل علي تقدم نسبي لمعايير الشفافية وتراجع بطئ لمؤشرات الفساد.
علي صعيد آخر نجد منظمة «صندوق من أجل السلام» الدولية تقوم بإعداد تقريرها السنوي بعنوان «مؤشر الدول الهشة» والذي يقيس مدي هشاشة الدولة واحتمال وصولها لمرحلة (الفشل).. ويتم القياس من خلال (12) معيارا تتلخص في تأثير الضغوط الديموغرافية، وحجم المشردين، والتنمية الاقتصادية غير المتوازنة، ومدي الإضطهاد، وحجم هجرة المفكرين، ومستوي الفقر والتدهور الاقتصادي، ونزع الشرعية للدولة، ومدي تدهور الخدمات العامة، وحجم إنتهاكات حقوق الإنسان وسيادة القانون، والتسلط الأمني، ومدي صعود النخب المنقسمة، والتدخلات الخارجية.
وقد تكمن أهم أسباب هشاشة الدولة في عدم قدرتها علي تطبيق المعايير والقوانين السياسية والاقتصادية والاجتماعية الدولية في المجالات العلمية والثقافية والتعليمية والصحية، وفي سوء إدارة موارد الدولة ومقدراتها، والفساد، والطبقية.
ويتم تقييم الدول من خلال المعايير الإثني عشر السابقة وتخرج النتائج بتصنيفها ضمن (12) مستوي بدءاً من مستوي (أعلي درجات الإنذار) وحتي مستوي (الإستدامة الفائقة)، ويمكننا تلخيص موقف مصر لنتائج مؤشر الدول الهشة خلال السنوات الخمس السابقة، فنجد بتقرير نهاية عام 2011 وحتي نهاية عام 2013 أن مصر تراوحت بين الترتيب الـ(31)والـ(34) بالدول الأكثر هشاشة بمنتصف التصنيف العاشر (الإنذار) بإجمالي تحمل (90.4 - 91) نقطة هشاشة.. وبتقرير نهاية عام 2014نري تحرك ترتيب مصر للأفضل نسبياً لتحتل المركز الـ(38) بالدول الأكثر هشاشة لتكون في بداية التصنيف العاشر (الإنذار) ونهاية التصنيف التاسع (التحذير الشديد) بإجمالي تحمل (90) نقطة هشاشة.
ورغم أن مصر مازالت تعتبر ضمن الدول الأكثر هشاشة والأقل من المتوسط في معايير الشفافية إلا أنها يمكنها أن تطور من نفسها فهي في تحسن بطيء ولكنه شبه مستمر بالنسبة للسنوات الثلاث السابقة رغم الصعوبات التي تمر بها.. وبما يستوجب العمل الجاد لإعادة ترتيب الأولويات والتركيز علي ما يعمل علي النمو والاستقرار وتلافي المسببات الحقيقية لهشاشة الدولة وعدم انتهاجها لمعايير الشفافية والتي قد تتلخص من وجهة نظري في (الفساد) و(الفشل الإداري) و(تردي الحالة الأمنية) كأهم التهديدات التي تواجه الدولة المصرية.
مما يتطلب سرعة التعامل العلمي الممنهج مع تلك التهديدات من خلال إصلاحات سياسية واقتصادية واجتماعية وأمنية.. وأن يوضع التعليم الحديث وطبقاً للمعايير الدولية كهدف استراتيجي ذي أسبقية أولي، وأن تتكاتف كل الجهود بأمانة ووعي من أجله.. كما وجب الإصرار علي إيجاد الظروف والتدابير اللازمة لتطبيق المعايير والقوانين السياسية والاقتصادية والاجتماعية الدولية في المجالات العلمية والثقافية والتعليمية والصحية، وطبقاً لآخر ما توصلت له الدول المتقدمة وبما يتناسب مع مجتمعاتنا.
وجب أيضاً تطوير البنية المؤسسية في إطار رؤية إستراتيجية شاملة تتضمن مهاما مُحددة وأهدافا إستراتيجية واضحة، تُنفذ طبقاً لمعايير وقواعد مؤسسية ومجتمعية علمية بتخطيط علمي سليم لجميع قطاعات الدولة والعمل، وبما يساعد علي تفعيل الجهود وبما يخفف العبء عن المؤسسة العسكرية لكي تتمكن من تنفيذ مهامها القتالية بنجاح، وتركيز جهودها الاقتصادية فيما يحقق لها الاكتفاء الذاتي فقط بجانب مهمتها الرئيسية بنجاح.
كما وجب القضاء علي مفهوم الطبقية المجتمعية والمهنية بقطاعات الدولة، فلا جهات سيادية ولا غير سيادية ولكل جهة خصوصيتها واحترامها من كافة قطاعات المجتمع.