اختلف الخبراء والمتخصصون فى تحديد استهلاك الفرد من المياه فى غيبة معيار عملى للقياس فبينما اتجه البعض لاعتبار أن مياه الشرب هى المقياس أضاف له البعض الآخر الاستهلاك اللازم للاستحمام وغسيل الملابس باعتبار أن ذلك كافٍ لمقياس استهلاك الفرد للمياه وقد أيده فى ذلك معيار آخر خاطئ ألا وهو حجم المخلفات السائلة المتداولة بالمجارى باعتبارها مقياسا عمليا على أساس أنها مخرجات لتلك المدخلات من المياه السابق الحديث عنها، وقد غاب عن الكثيرين أن هناك مقياسا اضافيا اسقط من الحسابات ألا وهو مدخلات مأكل الإنسان وملبسه ونصيب ذلك من المياه مثال ذلك المحتوى المائى لكيلو لحم من الغذاء وكيلو بن يشتريه وأمتار الأقمشة التى يستهلكها فى صورة ملبوسات.
واستدعى ذهنى ما أوردته منظمة البيئة الألمانية فى دراستها من مؤشرات حقيقية لم تكن تدخل فى الحسبان من قبل والتى فاقت كل توقع بشأن استهلاك المياه فى ألمانيا وانعكاس ذلك على معدلات الاستهلاك السنوى للفرد إذ أن الدراسات السابقة لهذه الدراسة كانت تظهر فقط الاستهلاك المباشر للفرد الألمانى من المياه فى حدود 4،3 متر مكعب فى السنة باعتبار أن استهلاكه لأغراض الشرب والاستحمام والطهى لم تكن تتعدى 1300 لتر فى العام مبقية استهلاكه الإجمالى فى حدود 3 أمتار مكعب أى ثلاث آلاف لتر للاستهلاكات الأخرى غير المنظورة.
الجديد الذى أوردته الدراسة التى قام بها الدكتور يورج رخنبيرج مستشار جهاز البيئة الاتحادى التابع للحكومة الألمانية آنذاك والذى يعتبر الخبير الأعلى بشأن المياه يخلص إلى أن استهلاك الفرد الألمانى من المياه يبلغ 500 متر مكعب فى العام وليس كالسابق حسابه خلال السنوات السابقة لهذه الدراسة على امتداد تلك السنوات والذى كان حده الأعلى 4،3 متر مكعب، أى أن الدراسة رفعت القيمة لأكثر من 120ضعفاً وهو أمر غير مألوف فى علم الحساب أو التقاليد البحثية لتجاوزه كل التوقعات بهذه النسبة الصادمة للرأى العام.
سارعت الصحف والمجلات العلمية بالاتصال بخبير البيئة مصدر هذه الدراسة لتسأله عن التفاصيل التى استجدت فى دراسته، وفاجأنا هذا الخبير كما فاجأ العالم المثقف بحسابات كانت ساقطة من قبل، أهم تلك الحسابات أن المحتوى المائى الذى يدخل جسم الإنسان أو استهلاكه بصورة أخرى لا ينحصر فى مياه الشرب ومشتقاته التى يتناولها الإنسان والذى لا يتعدى 1400 لتر فى العام، وقال مفجراً قنبلته الحسابية أن كيلو الأرز الذى يتناوله الإنسان يحتاج مكونًا من المياه فى زراعته حتى ينضج ويصبح صالحاً للأكل تبلغ قيمته 5 آلاف لتر من المياه. أما كيلو اللحم البتلو فيحتاج لأكثر من 10 آلاف لتر من المياه هو استهلاك العجل خلال دورة حياته التى تنتهى بإنتاج كيلو اللحم، كما أورد أن المكون المائى لإنتاج بنطلون الجينز يصل إلى 5 آلاف لتر قبل أن يصبح جاهزاً للاستعمال. أما كيلو البن فقد بلغ رصيده من المياه رقماً غير متوقع إذ بلغت قيمته 20 ألف لتر، أما النبيذ المستخرج من العنب فقد بلغ رقماً كبيراً أيضا يفوق غيره من المشروبات حيث تبلغ قيمته ألف ضعف من المياه للسعة اللترية للنبيذ.
امتدت تلك القائمة الطويلة لتشمل جميع مدخلات جسم الإنسان من الموارد الغذائية وكذا مدخلات حياته من المنتجات والمواد مترجمة إلى قيمة مائية تقاس باللتر أسوة بالمتبع من قبل من قيمة حرارية تقاس بالسعرات الحرارية يعرفها جيداً المهتمون بالرشاقة والتعامل مع مرض السكر.
تضمنت تلك القائمة الطويلة استهلاك المياه فى منتجات الألمونيوم والصلب المخصوص والصلب غير القابل للصدأ والأسمنت والحديد والكيماويات ورصف وتعبيد الطرق وصناعات المشروبات المختلفة لتخرج لنا بهذا الرقم لاستهلاك الفرد الألمانى من عنصر المياه والذى بلغ 500 متر مكعب أى 50 ألف لتر كل عام، كما لم تهمل الدراسة التعرض للفاقد والمهدر من المياه داخل ألمانيا وقارنت ذلك ببعض الدول المجاورة. فأشارت إلى أن ألمانيا يهدر منها حوالى 14% من موارد المياه الإجمالية نتيجة للتبخر والانسكاب والغسيل غير المرشد للسيارات وغسيل أوعية الطعام وغسيل الملابس غير الموفر للمياه وأيضاً أوضحت نسبته من إهدار المياه نتيجة لتلوثه بمواد يصعب استخلاصها منه فى مراحله اللاحقة.
وأوردت الدراسة أن بريطانيا تأتى فى المرحلة التالية لألمانيا فى نسبة إهدار المياه والتى قدرتها بـ 19%، أما فرنسا فقد بلغت نسبة إهدار المياه فيها 26%، وأتت ايطاليا برقم 28% من نسبة إهدارها لمواردها من المياه.
وهناك سؤال على أهميته نطرحه بصوت خفيض ألا وهو: هل لأحد المراكز البحثية فى مصر وهى كثر أن يفيدنا عن نسبة المهدر من المياه فى مصر أسوة بباقى الدول حتى تكتمل الرؤية ؟
ما أحوجنا فى مصر للحفاظ على ماء النيل مصدر الحياة الرئيسى لشعب مصر، ولنبدأ بالحفاظ عليه من التلوث مروراً بتوفير مياه الشرب النقية والمأمونة لكل المصريين بجميع الربوع لننتهى بالدخول فى قضية الاستعمال المرشد للمياه خاصة فى الزراعة وهى القضية التى تحياها أوربا حالياً بالعمق الذى فجرته هذه الدراسة والتى فتحت الباب لدراسات أخرى تلتها.