طلاب إندونيسيا الدارسون بالأزهر والمقيمون بجمعية سفراء الهداية يروون لـلواء الأسلامي

قصة دخول الإسلام لبلادهم عن طريق التجار المسلمين

قائم الدين سعيد
قائم الدين سعيد

 تحقيق ــ عامر نفادى

تشكل إندونيسيا أكبر دولة إسلامية من حيث تعداد سكانها كما أنها بلاد اشتهرت بثروات أرضها الخصبة الفائضة وطبيعتها الجميلة الخلابة، وهى منذ حقب سالفة من الزمان قد جلبت الكثير من التجار من المناطق الآسيوية «كالهند والصين» والشرق الأوسط «كالعرب والفرس»، والمناطق الأوربية «كالإسبان والبرتغال وهولندا وانجلترا»، وتعتبر إندونيسيا مركزا للتجارة فى الشرق الأقصى.
اللواء الإسلامى التقت بعدد من الطلاب الإندونيسيين الدارسين بجامعة الأزهر، والمقيمين بجمعية سفراء الهداية، للتعرف على تاريخ الإسلام فى إندونيسيا وأحوال المسلمين هناك.
 

أكد قائم الدين سعيد، باحث ماجستير بكلية العلوم الإسلامية بجامعة الأزهر، أن إندونيسيا، تعتبر من كبرى البلدان الإسلامية، وقد أطلق عليها المسعودى اسم «جزر المهراج»، أما باقى الكتاب فكانوا يسمونها بأسماء جزرها: سومطرة، جاوة، وهكذا، وقيل: إن اسمها يتكون من مقطعين، هما: «إندو» ومعناها: الهند، و»نيسيا» ومعناها الجزر. وهذا ما كانت تشير إليه كتابات الكتاب والجغرافيين دائما بتسميتها «جزر الهند الشرقية»، كما أنها تسمى أحيانا باسم الأرض الخضراء، ومنذ القرن الثالث عشر الهجرى التاسع عشر الميلادى أصبحت تعرف باسم إندونيسيا.
ولفت أنها تعد جزءا من أرخبيل الملايو فى جنوب شرق آسيا، كما أنها الدولة التى تضم أكبر مجموعة جزر فى العالم، إذ يبلغ عددها حوالى 17508 جزر، المسكون منها حوالى 600 جزيرة، ومنها جزيرة جاوة التى تعد من أكثر مناطق العالم ازدحاما بالسكان.


دخول الإسلام
وقال إنه من العسير تحديد تاريخ بدء دخول الإسلام إندونيسيا، وفى ذلك تقول المراجع: إن تجار المسلمين أنشأوا لأنفسهم مراكز تجارية على سواحل سومطرة وشبه جزيرة الملايو من وقت مبكر، ربما من أواخر القرن الثانى وأوائل القرن الثالث الهجريين، والثامن والتاسع الميلاديين، وقد أتى أوائل التجار من جزيرة العرب من: عمان، وحضرموت، والساحل الجنوبى لليمن، واتخذوا مراكزهم الأُولى على الشاطئ الغربى لسومطرة، وكانوا يسمونها سمدرة، وكانوا أهل سنة على المذهب الشافعي، أما الهنود فقد دخلوا الجزر بالمذهب الحنفي، وبعد ذلك وصل إلى هذه الجزر تجار المسلمين من الهنود ومن شبه جزيرة الكجرات.
كما تروى بعض كتب التاريخ أن بعض التجار الإندونيسيين قد وصلوا إلى بغداد أيام الخليفة العباسى هارون الرشيد، وعندما قفلوا راجعين كانوا يحملون بين جوانحهم عقيدة الإسلام، وعندما وصلوا إلى بلادهم قاموا بدعوة واسعة النطاق لها.
وفى أوائل القرن التاسع الهجرى الخامس عشر الميلادى بدأ الدين الإسلامى ينتشر بسرعة فى أطراف الدولة، وأخذت السلاطين والقبائل المسلمة تقاوم السلطة البوذية فى «جاوة»، وكان من أهم تلك السلاطين المسلمة سلاطين «آشنْ» فى أقصى الشمال من جزيرة «سومطرة»، وسلاطين «ملاكا» فى غربى شبه جزيرة «ملايا»، الذين أسسوا تجارة مستقلة عن الدولة مع التجار المسلمين العرب والفرس والصينيين والهنود، وقد أسلم هؤلاء نتيجة احتكاكهم مع المسلمين العرب والفرس.


«جاوة» مركز إشعاع
كان لانتشار الإسلام أثره العميق فى قيام ممالك إندونيسية متعددة فى تلك الجزر، مثل مملكة «بنتام» التى أسسها الملك حسن الدين فى جاوة الغربية، ومملكة «متارام» التى أقامها رجل عسكرى يدعى «سنافاني» فى شرق جاوة، وبذلك أصبحت جزيرة جاوة مركز إشعاع للدين الإسلامي، وانتقل منها إلى غيرها من الجزر، وكان هناك أيضا مملكة «آتشيه» فى شمال سومطرة، ومملكة «ديماك» فى وسط جاوة، والتى أقامها رمضان فاطمى عام 832هـ، وكذلك مملكة «بالمبانغ» فى جنوب سومطرة.
وهكذا أخذ الإسلام فى مسيرته فى جزر إندونيسيا من مجموعة من الجزر إلى أخرى بسلام وبدون أى حرب، وفى هذا الجزء من العالم تقوم الآن جمهورية إندونيسيا، وهى أكبر بلد إسلامى على الأرض.


من جانبها أكدت حنيفة مسلمة، الطالبة بجامعة الأزهر، أن أكثر من 88% من سكان إندونيسيا ومنهم تيار سياسى إسلامى عريض يبلغ 70 مليونا، يرى أن خصمه «التطرف الإسلامي» ويرفض العنف ويدرك جاذبية الحركات المتطرفة للأجيال الشابة، ويدعم التعددية الدينية ولا يساوم فى مسألة الحرية.


وأشارت إلى أنه يمكن للمرء ملاحظة تزايد «الأَسلمة» فى إندونيسيا من الخارج، حيث تتزايد عدد النسوة اللواتى يرتدين الحجاب يوما بعد يوم، خاصة بعد أن فتح الرئيس الإندونيسى الأسبق، سوهارتو، الباب لهذه النزعة المتزايدة للأسلمة فى سبعينيات القرن العشرين، ولتحصين إندونيسيا ضد الإغراءات الشيوعية، عزز سوهارتو بشكل ممنهج زيادة درجة التدين لدى المواطنين.
وقالت إن الفلسفة الحالية لنظام الحكم والدولة فى إندونسيا على مبادئ «پانچاسيلا». وهى مبادئ خمسة صاغها الرئيس الأسبق سوكارنو عام 1945 كعقيدة للدولة الناشئة لتجمع الإندونيسيين على مختلف مشاربهم، والمبادئ الخمسة هي: الإيمان بإله واحد، إنسانية عادلة ومتحضرة، وحدة إندونيسيا، الديمقراطية تقودها الحكمة الداخلية فى توحد ناشئ من المداولات بين الممثلين، للعدالة الاجتماعية لجميع أفراد الشعب الإندونيسي، وبذلك تضمن هذا المبادئ الخمسة لجميع المواطنين حقوق مواطنة متساوية.
وتابعت أن الإسلام المعتدل يمثله جمعيتان رئيسيتان: «نهضة العلماء»، ذات الطابع الريفى ويبلغ عدد أعضائها 40 مليونا، و«الجمعية المحمدية»، ويبلغ عدد أعضائها 30 مليونا، مؤكدا أن الجمعيتين ترفض إقامة دولة إسلامية فى إندونيسيا وتريان أنها غير مناسبة لهذا البلد، وتعترف الجمعيتان بشكل الدولة الإندونيسية الحالى بأنه الأنسب للدولة الإندونيسية المترامية الأطراف وذات عدد السكان الذى يزهو على ربع مليار نسمة، تقوم الفلسفة الحالية لنظام الحكم والدولة على مبادئ «پانچاسيلا»، التى تضمن لجميع المواطنين حقوق مواطنة متساوية.


وأشارت إلى أن التيار الإسلامى العريض برهن على رؤيته الأخلاقية والمجتمعية فى مفصلين تاريخين مهمين، الأول فى عام 1945 بعد إعلان استقلال إندونيسيا، إذ قرر مجلس الشعب الاستشارى وبالإجماع  شطب نص تم إضافته بشق الأنفس إلى مبدأ «پانچاسيلا»، وكان من المفترض أن يلزم هذا النص المسلمين بتطبيق الشريعة، غير أنه وبحسب رؤية مجلس الشعب الاستشارى فإن هذا النص كان يعنى تميزا ضد الإندونيسيين غير المسلمين، فى واقع الأمر فقد أعطى دستور عام 1945 للإسلام موقعا متميزا صغيرا جدا، بالرغم من أن المسلمين يشكلون أغلبية الإندونيسيين وبنسبة 88 بالمائة، وتشكل مبادئ «پانچاسيلا» الخمسة، والتى تأسس على أساسها التيار العريض للإسلام السياسى فى الثمانينيات، أساس الوحدة الصلبة للدولة الإندونيسية، ذات التنوع الكبير جدا.