ترجمة: بسمة ناجى
صدرت الرواية فى نسختها الانجليزية بعنوان “فى الليل، كل الدماء سوداء”، وهى رواية قصيرة عن جندى سنغالى أصيب بالجنون أثناء قتاله فى صفوف الجيش الفرنسى خلال الحرب العالمية الأولى، بعد مقتل صديق طفولته. يقتل ألفا ندياي، بطل رواية ديوب، الجنود الألمان، ثم يقطع أيديهم انتقامًا لمقتل صديق طفولته أثناء الحرب. وفى تعليق لها فى مؤتمر عقد عبر الإنترنت، قالت لوسى هيوز هاليت، رئيسة لجنة التحكيم، إن الرواية “مخيفة” و”مروعة فى عنفها”. وأضافت: “لكن الدموية لم تقلل من أهمية الرواية، إذ تعتمد المأساة برمتها على الانقسام بين فظاعة ما يُروى، وجمال طريقة التعبير عنه. تشعر وكأنك منوم مغناطيسيًا. إنها رواية استثنائية”.
اعتاد ديفيد ديوب، فى طفولته، رؤية جنود لا يختلفون عن ألفا ندياي، بطل روايته، فى السنغال، ممن قاتلوا لصالح فرنسا فى الحربين العالميتين، يشاركون فى المسيرات الوطنية. ولكن حين بدأ ديوب فى قراءة رسائل الجنود الفرنسيين لم يجد بينهم رسائل جنود مشاة من البلدان الأفريقية المستعمرة. قال ديوب، ويعمل أستاذًا للأدب فى جامعة باو جنوب غرب فرنسا، فى مقابلة له هذا الشهر: “شعرت حينها بالسخط، لأننا فى السنغال نعرف جيدًا ما فعلوه من أجل فرنسا. دفعنى هذا لكتابة رسالة خيالية من جندى سنغالي”.
منذ إطلاقها فى عام 2018، لقيت “شقيق الروح” ترحيبًا كبيرًا. عندما أقام ديوب فعاليات تقديم روايته فى فرنسا، جلب له البعض “رسائل، وصورًا لجِد أو والد جِد كان بين جنود مشاة أفارقة”. باعت الرواية أكثر من 170 ألف نسخة فى فرنسا، كما فازت بعدة جوائز، منها جائزة جونكور دى ليسيه، وهى جائزة مرموقة يصوت عليها طلاب المدارس الثانوية. ثم نشرت النسخة الإنجليزية من الرواية بعنوان “فى الليل، كل الدماء سوداء”، فى نوفمبر 2020.
يعتقد ديوب أن الأدب “وسيلة تؤثر فى الناس قبل أن يتجهوا إلى القراءة العقلانية للتاريخ”. وفى حديث عن حياته قال إن “ثقافته متوازنة بشكل طبيعى إلى حد ما، فقد ولد فى باريس لأم فرنسية وأب سنغالى قصد فرنسا للدراسة، انتقلت العائلة لاحقًا إلى داكار” وهو تغيير لم يعتبره ديوب، وكان فى الخامسة حينها، دراماتيكيًا بشكل خاص، إذ يعلق: “كنت محظوظًا لأن عائلتَى الفرنسية والسنغالية تصرفتا بحرارة تجاه والدَيّ. لقد تلقيت الحب من كلا الجانبين، ولم أشعر بهويتين ثقافيتين كمصدر للصراع”.
عاد ديوب إلى باريس بعد الانتهاء من دراسة الأدب فى المدرسة الثانوية، بينما كانت والدته، القارئة الدؤوبة، قد غذت حبه لمجموعة واسعة من الكتاب الفرنسيين والأفارقة. فى الجامعة أصبح مهتمًا بـ “لوميير”، وكبار حركة التنوير الإنسانية فى مقدمتهم فولتير ودينيس ديدرو. قال ديوب ضاحكًا: “لقد انجذبتُ إلى جهادهم الخاص والتزامهم نحو قضايا حقوق الإنسان. لن أقول أنى فقدتهما الآن، لكن فى ذلك الوقت كانت لدى مُثل سياسية”.
يشير ديوب إلى أنه لم يتعرض للعنصرية كأكاديمى أسود فى فرنسا، وأكد حرصه على إبعاد كتاباته عن النضال السياسي، وقال إنه يجد مفاهيم مثل “الاستحواذ الثقافي” قمعية، “خلق فلوبير مدام بوفارى رغم أنه لم يكن امرأة”. يفضل ديوب رؤية الأدب على أنه حرية، فـ “لا ينبغى أن نحبس أنفسنا فى سجونٍ عقلية”.
مع ذلك، تُلمح “شقيق الروح” إلى الديناميكيات العرقية التى تبنتها خنادق الحرب العالمية الأولى بعبارات لا لبس فيها. كان الجنود الأفارقة من البلدان المستعمرة مزودين بالمناجل لإثارة خوف أكبر. يتبنى ألفا، الشخصية الرئيسية فى الرواية، الوحشية المتوقعة منه، ويأخذها إلى مستوى آخر بالخروج كل ليلة لقتل جندى ألمانى والعودة بيده المقطوعة.
استدعى ديوب أيضًا اللغة الوُلُوفية، اللغة التى تحدث بها أثناء نشأته فى السنغال، لإعطاء ألفا، الذى لا يتحدث الفرنسية فى الرواية، صوتًا خاصًا به. يقول ديوب عن ذلك: “حاولتُ تشكيل الفرنسية باستخدام الإيقاع والتكرار، لجعلها تبدو مثل الوُلُوفية قليلاً حين يتم التحدث بها فى ظروف رسمية”.
أرجع ديوب الفضل إلى الروائى الإيفوارى أحمد كوروما (1927- 2003) لإضفاء نكهة أفريقية فريدة على الفرنسية، كشكل من أشكال “استعادة”، على حد تعبير ديوب، فى البلدان التى أصبحت الفرنسية لغتها الرسمية فى ظل الحكم الاستعماري.
شجعت الرواية أيضًا إعادة النظر فى التاريخ الاستعمارى المطروح فى الروايات الفرنسية كرواية أليس زينتر “فن الخسارة”، وهى رواية متعددة الأجيال تدور أحداثها أثناء الحرب الجزائرية من أجل الاستقلال وبعدها، وقوبلت بإشادة مماثلة، وتُرجمت للانجليزية. واستمد كل من ديوب وزينيتر القصص من كتب المؤرخين لملء الفراغات، قال ديوب “قرأتها بالطريقة التى لا يجب أن يقرأ بها الأكاديمي: بدون تدوين ملاحظات. أردت أن يظهر لى ما ترك انطباعًا حقيقيًا فى نفسى وهو ما بقى حين بدأتُ الكتابة”.
بينما قالت زنيتير إنها تلقت مئات الرسائل من جنود سابقين، أسَروا لها بتجاربهم خلال حرب الاستقلال الجزائرية. “لقد جعلنى هذا أدرك فراغات القصص حول تلك الفترة، من الواضح أن القدرة على التصريح بهذه القصص قد خُنقت لزمنٍ طويل”.
ورغم أن النظريات حول قضايا العِرق وما بعد الاستعمار أشعلت حروبًا ثقافية مريرة فى فرنسا مع توجيه اتهامات بالأمركة، فإن نجاح ديوب وزينيتر يظهر أيضًا وجود رغبة فى مزيد من النقاش المفتوح حول تاريخ فرنسا مع إفريقيا.
قد تكون الخطوة التالية أن تصل هذه الأعمال إلى غير الناطقين بالفرنسية فى البلدان التى ترتبط بأحداثها ارتباطًا وثيقًا. لم تترجم “شقيق الروح” إلى لغة الولوف بعد، فى حين ستصدر النسخة العربية من “فن الفقد” الأولى العام المقبل.
يرى ديوب، الذى سينشر روايته التالية باللغة الفرنسية فى أغسطس القادم، عن رحالة أوروبى من القرن الثامن عشر فى إفريقيا. الكتابة، بالنسبة له، هى طريقة لمواصلة بناء الجسور الثقافية، وهى وسيلته “للتوفيق” بين جذوره السنغالية والفرنسية، والصتلح بينهما”.
وأخيرًا، أضافت لوسى هيوزهاليت، رئيسة لجنة التحكيم: “يذكرنا ديوب، بأسلوب مثير ومهارة عالية، أن الاستعمار ليس مجرد دولة تنقض على دولة أخرى وتتولى زمام الأمور. الأمر يتعلق أيضًا باستعمار عقول أبناء الدولة المُحتلة، أن يشعر الشباب بولاء كبير لفرنسا، وهى دولة لم يسبق لهم زيارتها أو التحدث بلغتها”.