باى باى سمورة

.. وراحت الضحكة الحلوة

باى باى سمورة
باى باى سمورة

كتب:عصام عطية

ورحل ملك الضحكة الحلوة، سمير غانم، صاحب أطول مشوار فى فريق "ثلاثى أضواء المسرح"، تلك الفرقة الاستعراضية الأكثر شهرة، عاش وهدفه إضحاك جماهيره، وكان هدفه رسم الضحكة فقط، فى فيلم "الرجل الذى عطس"، سيناريو لينين الرملى، وإخراج عمر عبد العزيز، قال سمير فى أحد مشاهده: "ما إحنا كلنا بنتولد علشان نموت، هى ديه الحقيقة يا ابنى، متهربش منها، الدنيا حلوة وعجيبة قوى، وتستاهل إنك تعيشها، خد نصيبك كله إلعب وذاكر واشتغل وحب واتجوز، واتخانق كمان، ما تضيعش لحظة واحدة من عمرك، صاحب الناس كلها وحبهم كلهم والعالم الغلسة غلس عليهم قوى، فهمنى ياض ولما تفشل، إضحك أوعى تيأس ولو زعلت إياك تعيط، إضحك على طول".
 

وفى مشهد من مسرحية «المتزوجون» يدخل مسعود (سمير غانم) من الجانب الأيمن للمسرح محاطًا بفرقة موسيقية شعبية ومرتدياً ملابس يتمثل بها الفنان الشعبي الشهير محمد طه ثم يرتجل موالاً يحيي فيه العريس «المتين» أي البدين وعروسه «المتينة» التي لا تقل عنه بدانة ثم يمسك بمزماره الضخم ويتظاهر بأنه «شيشة» أو "أرجيلة" وينفث دخانها وسط ضحك الجمهور المتواصل.
إفيه آخر شهير وهو يأكل الملوخية المعجونة بالأسمنت الأبيض ''من اللي تحت الحوض.. يا لينا'' في مسرحية «المتزوجون»، وانتهى العرض ولايزال سمير محتفظا بالملعقة والشوكة لا يفارقانه، هكذا هو دوما يبحث عن الضحك إينما كان، لا يبغي سواه سبيلا، لا يهمه أن يقال عنه نجم أم لا، الأهم هو الضحك. 


كان سمير لديه قدرة مدهشة على الارتجال فيرتدي ملابس يتعمد أن تكون مضحكة كنظاراته الضخمة الشهيرة أو يتعمد أن تكون الأدوات التي يتناول بها الطعام مثلًا كبيرة بشكل ساخر.
كوّن فرقة ثلاثى أضواء المسرح وانتقلوا معاً من خشبة المسرح التي قدموا عليها أعمالاً عديدة، مثل مسرحية «حواديت»؛ إلى السينما من خلال أفلام مثل «30 يوم في السجن» و«الزواج على الطريقة الحديثة» وغيرهما، وطرقوا أبواب التلفزيون أيضا من خلال فوازير رمضان التي أخرجها المبدع الراحل محمد سالم، وعقب وفاة الضيف أحمد مطلع السبعينيات استمر كل من سيدهم وغانم في مسيرتهما المسرحية فقدما معا أعمالا مثل «موسيقى في الحي الشرقي» و«جوليو ورومييت» و«أهلا يا دكتور» و«المتزوجون».
مع بداية الثمانينيات قرر غانم أن يحلق منفردا إذا صح التعبير وخاصة على الشاشة الصغيرة في أعمال مثل «بطل الدوري» و«الكابتن جودة» كما كون ثالوثا فنيا مع كل من الشاعر عبدالرحمن شوقي والمخرج فهمى عبدالحميد من خلال الفوازير التي قدم فيها شخصية «فطوطة» القزم الطريف التي لاقت استحسانا واسعا وصارت من الشخصيات المفضلة لدى الأطفال.
الجميع يذكر ''الثلاثي'' باستكتشات رائعة، ألفها ''حسين السيد'' ولحنها ''سمير'' بنفسه، تفاصيل لا تنسى، يتبعها دوما حكايات عن الضيف الذي رحل بأزمة قلبية بعد 3 سنوات من التألق، ورحلة لم تستمر بين الثنائي ''جورج وسمير''، أقاما خلالها أفراح بنات عبد الناصر والسادات واحتفالات ثورة يوليو ونصر أكتوبر وأفلام لم تتجمل إلا بوجودهما، فيما يخفض صوت سمير وهو يذكر ''الضيف'' في وجل: ''الوحيد اللي كان بيجيبني الأرض من الضحك''، وجورج الذي يعرف فيما يفكر قبل أن ينطق، وسنوات لا تنمحي، كانت غاية ''ســـمير'' فيها إسعاد رفيقــيه. فيحكـــي عــن ذلك اليوم الذي قرر فـــيه ''جـــورج'' أن يجـرى عملية اللـــــــــوزتين، فقابل ''غانم'' في طريقه، فقرر الأخير أن يجري العملية ذاتها حتى دون أن يشعر بألم ''أهو نبقى مع بـعـــض ونضــحـكلنا شوية''، بعد ساعة أخرج الطـــــبيب ''برطـــمـانين'' يحمل كل منهما اسم ''جــورج وسمير'' وداخلهـمــــــــا «اللـــوزتين» بينما ينظر سمير لرفيق الفراش بابتسامة لا تزول وصوت لم يعد كما كان قبل دخول العمليات. 

 
مشاهد لن تنسى فى مشوار سمير غانم، عندما تتأخر ''كريمة مختار'' لساعات في فيلم ''يارب ولد''، فيكون رأيه ''مش يمكن الأتوبيس النهري طلع خبطها في الإشارة ونـــــــزل تــانـــــى''، يحاول أن يدعى الثقـــــافــــة فــــى ''حكاية ميزو'' كي يخطف انتباه فردوس عبد الحميد فيقول ''أنا بسمع مقطوعة موسيقية لنابليون بونابرت''، فترد ''نفيسة'' باستغراب ''نابليون مش بتاع مزيكا تقصد بيتهوفن''، لا يسكت ''ميزو'' فيحلل الأمر ''أصل نابليــــــون وبيتهـــوفن كانـــــــوا متفقـــين يبـــدلوا أدوارهـــم بيتهــوفــن يحـــتل بلد ونابليون يلحن''، ويشرح مطربى التراث في ''موسيقى في الحي الشرقي''، فيسخر من محمد طه وفرقته بخفة ظل ''فيه مطرب يغني ووراه 3 مخبرين يا آنسة''، يضحك وهو يتذكر تفاصيل المسرحية ''كنت بحس إني رايح ميعاد غرامي''، فالخشبة معشوقته الأولى حتى ولو أدى عليها دوراً لمرة وحيدة كي تسجل للتلفزيون كما فعل في مسرحية ''الأستاذ مزيكا'' أو ''عبدالسميع اللميع'' كما يعرفها الجمهور، هو دائما يجدد كلماته، لا يركن إلى ضحكة قد تخدعه، يطوف الشوارع كي يبحث عن أكسسوار لـ''زمارة'' تعينه على جملة دمها ثقيل، ''تون صوت'' لفطوطة يحفظه الكبير قبل الصغير، ''جاكيت'' يجعل منه ''كراكتر''، مشية ''تسخسخ الناس''، جرب أن يطرق باب السياسة في مسرحية ''جحا يحكم المدينة'' لوحيد حامد فواجهته الدولة بصلف، فاتخذ أول طريق يجد فيه جمهوره وضحكاته بعيدا عن المضايقات.
أكثر من 300 عمل بدأهــــــا فـــــي 1963 لا يتذكـــــــر معظمها، لا يشــاهــد أفلامه إلا بالصدفة، يشـــارك في أي عمـــــل مهـمـــا صـــــــغــر الــــــــــدور، يـــــــــرى أن الســـينما فــي مصــر غـــــــــير مبـهـــرة كمــا يعتقـــد النــــاس، اللهــم إلا سينما فؤاد المهندس والريحاني.


قبل أيام من تصوير فيلم ''4-2-4'' توجه ''فاروق صبري'' مؤلف ومنتج العمل لسمير غانم يطلب منه في خبث بطولة الفيلم، فوافق، وما إن دخل ''سمير'' البلاتوه وجد مشهداً ليونس شلبي يقبل لبلبة، فصرخ متهكما ''هو مش البطل اللي بيبوس ولا إيه؟''، فمال عليه أحد مساعدي الإخراج ليخبره بأن الفيلم من بطولة يونس شلبي وقتها كان ''شلبي'' يتم تلميعه بعد نجاح ساحق في مدرسة المشاغبين، غضب ''غانم'' وترك المكان، لكنه جلس في المنزل يومين كاملين يفكر في العرض، هو لا يعرف عن الكرة شيئا، ولا يهواها، لكنه قبِل المغامرة مطالبا المنتج بأن يترك له العنان، فطلب أن يكون فريقا من نجاح الموجي وعدوية وبدأ سيل من الإفيهات لا يزال يردد في جلسات الكرويين ومدرجات الكرة عن شخصية مصطفى الحلواني.
قبل سنوات وفي الحلقة الثالثة من برنامج ''مساء الجمال مع ميرفت ودلال''، كان سمير غانم ضيفا على زوجته، وفيما يفترض أن تكون الأسئلة والإجابات نمطية عن العش الهادئ وحُسن العشرة ودنيا وأمال «إيمى» ابنتيه، كان الكوميديان يبحث دوما عن الضحك، وإلا فلا، فما إن سألته ميرفت أمين ''أيه رأيك في دلال؟''، كانت إجابته التلقائية ''عبد العزيز"..
فى فيلم لسنا ملائكة والذى قام ببطولته ثلاثي أضواء المسرح عام 1970، طفلة تتحدث إلى جورج سيدهم: "أنتم ماشيين يا أونكل، أه يا حبيبتى، ومش هترجعوا تانى؟ لا دى آخر مرة، ليه؟ أصل عندنا شغل فى حتة تانية بعيد أوى، طب تعالوا تانى بعد ماتخلصوا شغل، هتكون فاتت سنين ومش هايبقى فاضل من حد فينا غير اسمه".
آنســـــــتنا يــا ســـــمــورة.. وشــكرا علـــى كل لحظـــة حلوة كنت سبباً فيها.