النصاب الذي ضحك على الريحاني وأخذ ثروته

نجيب الريحاني
نجيب الريحاني

انتشرت رائحة السبعين جنيها الذهبية التي عاد بها نجيب الريحاني من نجع حمادي، بعدما ترك عمله بشركة السكر، وتم رفده واعطاءه مستحقاته، وشاع خبرها بين جموع الفنانين المفلسين المترددين على قهوة الفن، فأقبلوا عليه بخطبون وده، طمعا في سهرة أو «عشوة»، على حسابه أو سلفة.


أقبل عليه أحد الأشخاص والذي وصفه الريحاني بالأراجوز الأكبر، ويدعى علي يوسف، قائلا له: حمد لله على السلامة يا حبيبي يا صديقي، لكن الريحاني لا تنطلي عليه مثل هذه الأساليب الزائفة ونهره، لكنه رغم ذلك يخضع للابتزاز الآخرين، ويصرف عليهم ببذخ حتى أفاق بعد فترة قصيرة فإذا بالمبلغ الضخم الذي كان معه قد تضاءل، ولم يتبق من السبعين جنيها الذهبية سوى ستة وعشرين جنيها، وقرر ألا يصرف منها إلا بحساب، وبحساب شديد لأنها لو تأخر فلن يكون مصيره سوى الشارع والجوع.

اقرأ أيضا|الألمانية ريتا.. قصة حب من نوع خاص مع نجيب الريحاني

وفوجئ الريحاني بسليم أبيض، وهو شقيق الفنان جورج أبيض صاحب الفرقة المسرحية الكبيرة التي يتمنى كل ممثل الانضمام إليها، والتي كانت تقدم مسرحياته على مسرح دار الأوبرا، أفخم وأعظم مسارح مصر، يسأل عنه، ولم يصدق الريحاني بأن سليم أبيض يبحث عنه، وقال العجب عندما وجد سليم ينتظره في أحد أركان المقهى، وأخذ يهمس إليه، ويخبره بسر خطير، وينصت إليه نجيب الريحاني، ويقسم له أنه سيحفظ السر، عندئذ قال له سليم: إن فرقة جورج أبيض مهددة بالإفلاس، والتوقف عن العمل، وأن الأمل في الريحاني لإنقاذ الفرقة من الانهيار، وأن خزانة الفرقة خاوية، والممثلين لم يحصلوا على مرتباتهم، ويهددون بالتوقف عن العمل.  

هنا تساءل الريحاني في سذاجة: وما شأني أنا.. ولماذا تخبرني بهذا السر المؤلم، فيقول له سليم، لأن الحل في في يدك يا نجيب، فقد علمت أنك عدت، ومعك سبعون جنيها، ويكاد الريحاني يصرخ أنهم لم يعودوا سبعين جنيها.. لقد طاروا، تبخروا..  ويخرج له كل ما تبقى له من الثروة التي يتناقل أخبارها الجميع، ويحكون عنها الحكايات، وكأنها حدث لم يسبق له مثيل، وما إن رأى سليم أبيض المبلغ المتبقي سال لعابه، وقدره ستة وعشرون جنيها حتى يقول له هذا يكفي يا نجيب، فنحن لسنا في حاجة إلا إلى خمسة وعشرون جنيها فقط.

صرخ الريحاني من أعماقه قائلا: وأعيش أنا بأيه، ويلاحقه سليم فيقول: سيبقى معك جنيه بحاله يكفيك ثلاثة أو أربعة أيام، ومع ذلك فإن تنتظر هذا الوقت كله، يومان أو ثلاثة وأرد إليك المبلغ كله، بحسب ما نشرته مجلة الكواكب عام 1998.

وأناشدك أن تثق بي، وتعد هذا الأمر سرا بيننا حتى لا تحرج الفنان جورج أبيض، الذي قد يرفض نقودك، فكبرياؤه يمنعه من اللجوء إليك، وشعر الريحاني بالضعف أمام توسل سليم أبيض، ولا يجد مقرا من الخضوع وتسليمه المبلغ، واحتفظ لنفسه بجنيه واحد فقط.

ويمضي اليومان الموعودان، وثلاثة، وأربعة، وعشرة، وفي كل مرة ينهره سليم غاضبا، لماذا تطاردني، يا أخي..  إنني لن أهرب، أصبر وسأعيد لك نقودك، الدنيا ما طارتش.

وأصبح الريحاني يتسول أي مبلغ من سليم، ولم يرق قلبه، ويعرف عليه إلا بعد عشرين يوما كاملة، وجاء العطف في شكل عشرة قروش أو شلن، وكانت أكبر دفعة تسلمها الريحاني من نقوده الذهبية هي ١٣ قرشا، واستسلم الريحاني، وطلب من الله أن يديم عليه هذه النعمة، ولا يقطع سليم عنه هذه القروش.

مركز معلومات أخبار اليوم