ماما جميلة .. مسيرة زاخرة مع الأطفال

ماما جميلة
ماما جميلة

كتبت:ليلى‭ ‬الراعى

لا‭ ‬أدرى‭ ‬حقاً‭ ‬‮ ‬هل‭ ‬هى‭ ‬مصادفة‭ ‬أن‭ ‬أسير‭ ‬على‭ ‬نفس‭ ‬الدرب‭ ‬الذى‭ ‬سارت‭ ‬فيه‭ ‬أمى؟‭ ‬‮ ‬

هل‭ ‬غرست‭ ‬فى‭ ‬نفسى‭ ‬تلقائياً‭ ‬حب‭ ‬الكتابة‭ ‬للأطفال‭ .. ‬والارتباط‭ ‬بهذا‭ ‬العالم‭ ‬الساحر‭ ‬المدهش؟‭ ‬‮ ‬

منذ‭ ‬أن‭ ‬كنت‭ ‬طفلة‭ ‬صغيرة‭ ‬ونحن‭ - ‬أخواتى‭ ‬وأنا‭- ‬نتابع‭ ‬بشغف‭ ‬مجلة‭ ‬سمير‭..‬نقرأ‭ ‬قصصها‭ ‬ونعيش‭ ‬مع‭ ‬أبطالها‭ ‬كما‭ ‬لو‭ ‬كانوا‭ ‬جزءً‭ ‬من‭ ‬أفراد‭ ‬أسرتنا‭.. ‬فوجدتنى‭ ‬أحب‭ ‬هذا‭ ‬العالم‭ ‬الجميل‭ ‬المبهج‭ ‬وأرتبط‭ ‬بمفرداته‭ ‬العذبة‭.. ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬جاء‭ ‬اليوم‭ ‬الذى‭ ‬صرت‭ ‬فيه‭ ‬رئيس‭ ‬تحرير‭ ‬مجلة‭ ‬علاء‭ ‬الدين‭ ‬الصادرة‭ ‬عن‭ ‬الأهرام‭.. ‬أحسست‭ ‬يومها‭ ‬أننى‭ ‬ربما‭ ‬أكمل‭ ‬بشكل‭ ‬ما‭ ‬مشوار‭ ‬أمى‭ ‬العزيزة‭.. ‬سعادتها‭ ‬أيضاً‭ ‬كانت‭ ‬بالغة‭.. ‬قالت‭ ‬لى‭ ‬يومها‭: ‬كم‭ ‬أنا‭ ‬سعيدة‭ ‬بك‭.. ‬ها‭ ‬انت‭ ‬تسيرين‭ ‬فى‭ ‬نفس‭ ‬الطريق‭..‬

ماما‭ ‬جميلة‭.. ‬هكذا‭ ‬كانت‭ ‬تحب‭ ‬أن‭ ‬يناديها‭ ‬الأطفال‭.. ‬هذا‭ ‬اللقب‭ ‬الذى‭ ‬إشتهرت‭ ‬به‭ ‬أمى‭ ‬كان‭ ‬الأعز‭ ‬لديها‭.. ‬فهى‭ ‬تشعر‭ ‬حينما‭ ‬تسمعه‭ ‬أنها‭ ‬قريبة‭ ‬من‭ ‬قلوبهم‭ ‬وفكرهم‭.. ‬فمن‭ ‬يعمل‭ ‬فى‭ ‬مجال‭ ‬أدب‭ ‬الأطفال‭ ‬لابد‭ ‬أن‭ ‬يتمتع‭ ‬بهذه‭ ‬الروح‭ ‬الجميلة‭ ‬الشفافة‭ ‬وهذه‭ ‬النفس‭ ‬الصافية‭.. ‬نفس‭ ‬تملك‭ ‬محبة‭ ‬هائلة‭ ‬فى‭ ‬قلبها‭ ‬وقدرة‭ ‬على‭ ‬العطاء‭ ‬دون‭ ‬إنتظار‭ ‬المقابل‭.. ‬كان‭ ‬مشوار‭ ‬جميلة‭ ‬كامل‭ ‬حافل‭ ‬بالعطاء‭ ‬المثمر‭.. ‬فى‭ ‬مجال‭ ‬أدب‭ ‬الأطفال‭ ‬وأيضاً‭ ‬فى‭ ‬مجال‭ ‬العمل‭ ‬العام‭..‬‮ ‬

‭ ‬تخرجت‭ ‬‮ ‬من‭ ‬كلية‭ ‬الأداب‭ ‬قسم‭ ‬اللغة‭ ‬الإنجليزية‭ .. ‬كانت‭ ‬بدايتها‭ ‬فى‭ ‬جريدة‭ ‬المساء‭ ‬كمسئولة‭ ‬عن‭ ‬صفحة‭ ‬المرأة‭.. ‬ثم‭ ‬فى‭ ‬مجلة‭ ‬الإذاعة‭ ‬والتلفزيون‭ ‬مع‭ ‬بريد‭ ‬القراء‭ ‬تحل‭ ‬مشاكلهم‭ ‬وتجيب‭ ‬على‭ ‬تساؤلاتهم‭.. ‬وانتقلت‭ ‬بعد‭ ‬ذلك‭ ‬إلى‭ ‬دار‭ ‬الهلال‭ ‬فى‭ ‬قسم‭ ‬التحقيقات‭ ‬بمجلة‭ ‬المصور‭ ‬وأخيرا‭ ‬تخصصت‭ ‬فى‭ ‬مجال‭ ‬صحافة‭ ‬الطفل‭. ‬

تجربتها‭ ‬فى‭ ‬صحافة‭ ‬الطفل‭ ‬علامة‭ ‬مهمة‭ ‬ومؤثرة‭ ‬فى‭ ‬حياتها‭.. ‬ففى‭ ‬عام‭ ‬1966‭ ‬رشحها‭ ‬أحمد‭ ‬بهاء‭ ‬الدين‭ ‬رئيس‭ ‬مجلس‭ ‬إدارة‭ ‬دار‭ ‬الهلال‭ ‬كرئيس‭ ‬تحرير‭ ‬لمجلة‭ ‬سمير‭ ‬وكانت‭ ‬مجلة‭ ‬ناجحة‭ ‬لكنها‭ ‬كانت‭ ‬تعتمد‭ ‬فى‭ ‬أغلب‭ ‬موادها‭ ‬على‭ ‬نصوص‭ ‬أجنبية‭ ‬ممصرة‭ ‬مثل‭ ‬الشبح‭ ‬وزرو‭ ‬وغيرها‭..‬

‭ ‬كان‭ ‬لدى‭ ‬جميلة‭ ‬كامل‭ ‬هدف‭ ‬آخر‭ ‬سعت‭ ‬إلى‭ ‬تحقيقه‭: ‬أن‭ ‬تجعل‭ ‬مجلة‭ ‬سمير‭ ‬مجلة‭ ‬عربية‭ ‬فى‭ ‬موضوعاتها‭ ‬ورسوماتها‭.. ‬تقدم‭ ‬من‭ ‬خلالها‭ ‬حكايات‭ ‬مصرية‭ ‬يكتبها‭ ‬ويرسمها‭ ‬كتاب‭ ‬وفنانون‭ ‬مصريون‭..‬

فتوجهت‭ ‬إلى‭ ‬مجموعة‭ ‬من‭ ‬الفنانين‭ ‬الموهوبين‭ ‬وطلبت‭ ‬منهم‭ ‬الكتابة‭ ‬للأطفال‭.. ‬فظهرت‭ ‬على‭ ‬صفحات‭ ‬المجلة أعمال‭ ‬لصلاح‭ ‬جاهين،‭ ‬حجازى،‭ ‬سيد‭ ‬حجاب،‭ ‬اللباد،‭ ‬بهجت،‭ ‬سمير‭ ‬عبد‭ ‬الباقى‭ ‬ومجدى‭ ‬نجيب‭.. ‬كما‭ ‬حرصت‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬تقدم‭ ‬للأطفال‭ ‬قصصاً‭ ‬تتعلق‭ ‬بكفاح‭ ‬الشعوب‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬الحرية‭ ‬مثل‭ ‬قضية‭ ‬فلسطين‭ ‬والتحرر‭ ‬من‭ ‬الاستعمار‭ ‬والنضال‭ ‬ضد‭ ‬التفرقة‭ ‬العنصرية،‭ ‬وكانت‭ ‬هذه‭ ‬موضوعات‭ ‬جديدة‭ ‬وغير‭ ‬مألوفة‭ ‬فى‭ ‬مجلات‭ ‬الأطفال‭ .. ‬كانت‭ ‬حريصة‭ ‬أيضاً‮ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬مجلة‭ ‬سمير‭ ‬مجلة‭ ‬تنبض‭ ‬بروح‭ ‬الوطن‭.. ‬ونجحت‭ ‬فى‭ ‬هذا‭ ‬التحدى‭.. ‬واكتسبت‭ ‬المجلة‭ ‬الطابع‭ ‬العربى‭ ‬الوطنى‭.. ‬وصارت‭ ‬معروفة‭ ‬لدى‭ ‬كل‭ ‬طفل‭ ‬عربي‭. ‬

ويتذكر‭ ‬من‭ ‬كانوا‭ ‬أطفالاً‭ ‬وقراء‭ ‬لمجلة‭ ‬سمير‭ ‬شخصيات‭ ‬مازالت‭ ‬باقية‭ ‬فى‭ ‬ذاكرتنا‭: ‬تنابلة‭ ‬الصبيان‭ ‬من‭ ‬تأليف‭ ‬ورسوم‭ ‬‮ ‬فنان‭ ‬الكاريكاتير‭ ‬حجازى‭..‬‭ ‬وشخصية‭ ‬زغلول‭ ‬أفندى‭ ‬من‭ ‬إبداع‭ ‬اللباد‭ ‬بالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬الشخصيات‭ ‬التاريخية‭ ‬التى‭ ‬رسمها‭ ‬الفنان‭ ‬الكبير‭ ‬حجى‭.. ‬وتميزت‭ ‬مجلة‭ ‬سمير‭ ‬فى‭ ‬التنوع‭ ‬والثراء‭ ‬التشكيلى‭ ‬الذى‭ ‬يرجع‭ ‬لكون‭ ‬موضوعات‭ ‬المجلة‭ ‬يرسمها‭ ‬عدد‭ ‬كبير‭ ‬من‭ ‬الفنانين‭ ‬والرواد‭ ‬الذين‭ ‬رسخوا‭ ‬أسماءهم‭ ‬فى‭ ‬صحافة‭ ‬الكبار‭ ‬أيضاً‭..‬‮ ‬

وأكملت‭ ‬مشوارها‭ ‬مع‭ ‬الأطفال‭ ‬بعد‭ ‬ذلك‭ ‬حينما‭ ‬صارت‭ ‬رئيس‭ ‬تحرير‭ ‬سلسلة‭ ‬‮«‬كتب‭ ‬الهلال‭ ‬للأولاد‭ ‬والبنات‮»‬‭.. ‬نظرة‭ ‬سريعة‭ ‬إلى‭ ‬عناوين‭ ‬الكتب‭ ‬التى‭ ‬صدرت‭ ‬فى‭ ‬هذه‭ ‬السلسة‭ ‬تبين‭ ‬أنها‭ ‬كانت‭ ‬مفتوحة‭ ‬لإسهامات‭ ‬عدد‭ ‬كبير‭ ‬من‭ ‬المبدعين‭ ‬‮ ‬الكبار‭ ‬بالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬الكتب‭ ‬التى‭ ‬كتبتها‭ ‬ماما‭ ‬جميلة‭ ‬وهى‭ ‬تنقسم‭ ‬إلى‭ ‬قصص‭ ‬للأطفال‭ ‬من‭ ‬إبداعها‭ ‬مثل‭ ‬مذكرات‭ ‬حمار‭ ‬والفيل‭ ‬يلعب‭ ‬النطة‭ ‬وكتب‭ ‬أخرى‭ ‬تقص‭ ‬فيها‭ ‬بأسلوب‭ ‬مبسط‭ ‬حكايات‭ ‬تراثنا‭ ‬العربى‭ ‬مثل‭ ‬ألف‭ ‬ليلة‭ ‬وليلة‭ ‬وجحا‭ ‬ورحلات‭ ‬السندباد‭.. ‬وكانت‭ ‬هذه‭ ‬الكتب‭ ‬أيضاً‭ ‬مزينة‭ ‬برسوم‭ ‬أبدعها‭ ‬كبار‭ ‬الفنانين‭ ‬خصيصاً‭ ‬لهذه‭ ‬السلسة‭..‬‮ ‬

وفى‭ ‬مشوار‭ ‬حياتها‭ ‬الزاخر‭ ‬أنشأت‭ ‬جمعية‭ ‬التنوير‭ ‬والتنمية‭ ‬بالفيوم‭ ‬لنشر‭ ‬الفن‭ ‬والإبداع‭ ‬بين‭ ‬أطفال‭ ‬الفلاحين‭. ‬وكانت‭ ‬تتكفل‭ ‬بتمويل‭ ‬كل‭ ‬أنشطة‭ ‬الجمعية‭ ‬من‭ ‬مالها‭ ‬الخاص‭. ‬الهدف‭ ‬الأساسى‭ ‬للجمعية‭ ‬كان‭ ‬تعليم‭ ‬البنات‭ ‬القرويات‭ ‬فنون‭ ‬الخياطة‭ ‬والتطريز‭ ‬والسجاد،‭ ‬بل‭ ‬وحتى‭ ‬نربية‭ ‬الدواجن‭.. ‬كانت‭ ‬تتواصل‭ ‬مع‭ ‬مدربين‭ ‬محترفين‭ ‬لإقامة‭ ‬ورش‭ ‬فى‭ ‬الريف‭ ‬لتدريب‭ ‬البنات‭ ‬على‭ ‬تصميم‭ ‬الزى‭ ‬المدرسى‭ ‬أو‭ ‬فستان‭ ‬العيد‭. ‬واستأجرت‭ ‬مقرا‭ ‬للجمعية‭ ‬فى‭ ‬المهندسين‭ ‬وتواصلت‭ ‬مع‭ ‬المعارض‭ ‬الأندية‭ ‬الرياضية‭ ‬والمحلات‭ ‬الكبرى‭ ‬لعرض‭ ‬منتجات‭ ‬الجمعية‭ ‬وكانت‭ ‬حريصة‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬تذهب‭ ‬حصيلة‭ ‬البيع‭ ‬للبنات‭ ‬حتى‭ ‬يشعرن‭ ‬بقيمة‭ ‬العمل‭. ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬هذا‭ ‬النشاط‭ ‬التعليمى‭ ‬والانتاجى‭ ‬كانت‭ ‬تهتم‭ ‬بالجانب‭ ‬الفنى‭ ‬فأنشأت‭ ‬كذلك‭ ‬فرقة‭ ‬للأراجوز‭ ‬ومسرح‭ ‬العرائس‭ ‬تقدم‭ ‬عروضها‭ ‬للأطفال‭ ‬فى‭ ‬المدارس‭ ‬ومكتبات‭ ‬مصر‭ ‬العامة‭ ‬ونوادى‭ ‬الشباب‭ ‬بالقرى‭.. ‬كما‭ ‬كانت‭ ‬تكلفنا‭ ‬أحيانا‭ ‬بإعداد‭ ‬فيلم‭ ‬فيديو‭ ‬قصير‭ ‬لتعريف‭ ‬أطفال‭ ‬الريف‭ ‬بأعلام‭ ‬الأدب‭ ‬والفن‭ ‬مثل‭ ‬سيد‭ ‬درويش‭ ‬وصلاح‭ ‬جاهين‭. ‬وكانت‭ ‬حريصة‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬تحضر‭ ‬هذه‭ ‬العروض‭ ‬بنفسها‭ ‬وتعود‭ ‬إلى‭ ‬بيتها‭ ‬سعيدة‭ ‬لتحكى‭ ‬لنا‭ ‬عن‭ ‬التجاوب‭ ‬للكبير‭ ‬للأطفال‭ ‬مع‭ ‬العروض‭ ‬المقدمة‭.. ‬وظلت‭ ‬جميلة‭ ‬كامل‭ ‬تعمل‭ ‬بدأب‭ ‬ونشاط‭ ‬حتى‭ ‬آخر‭ ‬أيام‭ ‬عمرها‭. ‬