شهيد وخونة | كرداسة.. بين داعش والقاعدة والجهاد

 الإخوان حولوا القرية الهادئة إلى بؤرة عنف
الإخوان حولوا القرية الهادئة إلى بؤرة عنف

كتب :سامح فايز

(1)

هرج ومرج انتاب الجميع، أغسطس 2013، بعد قرار فض اعتصامى رابعة والنهضة الذى جاوز يومه الأربعون، تناقلت أنباء عن صدور تعليمات لقواعد الإخوان بمهاجمة أقسام الشرطة ومؤسسات الدولة، المشهد الذى كنا نود نسيانه والذى حدث فى جمعة الغضب يناير 2011 يتكرر، كثيرون قتلوا من الجماعات الدينية إلى جانب مصابين ومعتقلين أعرفهم وبعضهم كانت تجمعنى بهم صداقات شخصية، المسألة تأزمت أكثر بسبب سكنى فى محيط مركز كرداسة، رن هاتفى لأجد صوت صديقى يخبرنى قائلا:"فيه مجزرة عند قسم كرداسة". اقشعر بدنى وأجريت عدة اتصالات جميعها أكدت الخبر وطالبنى الأصدقاء بالاختفاء تلك الفترة، أخبرنى شهود العيان أن ملثمين اشتبكوا مع قوات الشرطة لبضع ساعات وانتهى الأمر بقتلهم ثم التمثيل بجثثهم، الغريب أن المقتحمين تركوا أفراد الأمن والمجندين يرحلون وقالوا لهم:«انتم غلابة ومعركتنا مش معاكم».

عاد إلى ذهنى فقه الجماعة الإسلامية فى الثمانينات من القرن الماضى والفتاوى التى كانت تدور فى فلك هل قتل عساكر الأمن المركزى حلال أم حرام خاصة وأن حربنا مع النظام وليست معهم؟!. الأغرب أن الجميع أكد أن الملثمين من محيط كرداسة ولم يتم الإتيان بهم من خارجها، كرداسة يقطنها عشرات الآلاف، إن كان يسيطر عليها التيار الدينى فذلك ليس معناه أنها قندهار كما روج لذلك الإعلام، فهى تحمل بين جنباتها مقرات لحزب الوفد والكرامة ومن أبنائها ناشطون فى حملات تمرد وحركة 6 أبريل، فكرت فى رد فعل النظام الحاكم ضد أهل كرداسة وتذكرت ما حدث فيها فى العام 1965، لا أحد فى كرداسة استطاع أن ينسى ما حدث فى ذلك العام، قصة يتناقلها الأباء والأحفاد، قصة عروس كرداسة!

(2)

شهدت كرداسة فى التاسعة من مساء أغسطس 1965، حملة موسّعة من الشرطة العسكرية، للقبض على جميع الأسماء التى ذكرها على عشماوي، عضوتنظيم  الإخوان، فى اعترافاته الخاصة بقضية تنظيم 1965، الساعى إلى إعادة إحياء جماعة الإخوان من جديد، وكانت أسرة النقباء فى قرية كرداسة، من تلك الأسماء التى ذكرها عشماوي، وعلى رأس الأعضاء فيها، سيد نزيلى محمد العوضية، وأحمد باوة، وجابر رزق الفولي.

كتب عضو جماعة الإخوان، ابن قرية كرداسة، جابر رزق، فى كتابه  مذابح الإخوان فى سجون ناصر :  إنّ دعوة الإخوان وجدت طريقها إلى القرية، فى النصف الأول من القرن العشرين، عندما حضر البنا إلى كرداسة مؤسساً شعبة الإخوان فيها، وكان نائب الشعبة عثمان عبد الرحمن عثمان، لتصبح واحدة من أكبر شعب الإخوان فى مصر∪، بحسب ما أورد جابر رزق فى كتابه، كرداسة شعبة تتبعها ثمانى قرى صغيرة، مثل قرى: ناهيا، وأبورواش، وكفر حكيم، وكفر غطاطي، وبنى مجدول.

(3)

عن قرية أبورواش يحكى جابر رزق الفولي، فى كتابه، كيف كانت تستخدمها الجماعة لتدريبات النظام الخاص، لتميزها بصحراء شاسعة، وجبال تجعل المكان هوالأنسب لمثل تلك التدريبات.

أما عن مؤسس شعبة الإخوان فى كرداسة، عثمان عبد الرحمن عثمان، فلا توجد معلومات كافية عنه، غير أنّ الاسم نفسه ذكر ضمن القضية الشهيرة  السيارة الجيب ؛ عندما قبض على مجموعة من أعضاء النظام الخاص  التنظيم المقاتل للجماعة∪ بطريق الصدفة، فى نوفمبر 1948.. ولد فى كرداسة أيضاً، أحمد عبد المجيد عبد السميع عام 1933، وأكمل مسيرته التعليمية حتى حصل على ليسانس الحقوق، ليعمل بعدها موظفاً فى وزارة الحربية، وتزوّج بابنة محمد يوسف هواش، أحد ثلاثة أعدموا فى قضية تنظيم 1965 مع عبد الفتاح إسماعيل وسيد قطب، وتزوّجت أخته فوزية  عروس كرداسة  من السيد نزيلى.

(4)

فى منتصف السبعينيات، بعد تصالح نظام السادات مع جماعات الإسلام السياسي، على خلفية تدخّل الملك فيصل بن عبد العزيز ملك السعودية، خرج عبد المجيد والشاذلى من السّجن. وفى العام 1975، أسس الشاذلى مع أحمد عبد المجيد عبد السميع جماعة  (أهل السنة والجماعة)، التى اشتهرت باسم  «تيار القطبيين» وهوغير التيار القطبى الذى سيطر على تنظيم الإخوان فى السنوات الأخيرة.

وانطلاقاً من تاريخ 1965، أصبحت قرية كرداسة نقطة التحول الأبرز فى تاريخ السلفية الجهادية المعاصر؛ فمنها خرج أحد مؤسسى دعوة ∩أهل السنة والجماعة∪، التى تأثّر بها فى سيناء منتصف الثمانينيات، الشيخ أسعد البيك، الذى قبض عليه بعد ثورة يونيو2013، باعتباره زعيم السلفية الجهادية فى سيناء.

(5)

فى التقسيم الإدارى لقرى مصر، هناك كفور وعزب ونجوع، وهناك توابع أصغر تتبع القرى الأكبر، ومن توابع قرية كرداسة كانت قرية ناهيا، وأبورواش، وكفر غطاطي، وهى القرى الأبرز والأكثر تأثراً بدعوة الإخوان، وأيضاً كانت تلك القرى حاضنة لجماعات سلفية أخرى، فخرج عبود وطارق الزمر القياديان فى الجماعة الإسلامية من ناهيا، ومن أبورواش انطلق الهجوم الأكثر دموية، الذى واجهته الشرطة المصرية بعد أحداث يونيو2013، حين توجّه سلفيون مسلّحون إلى مقرّ قسم الشرطة فى كرداسة، واشتبكوا معهم فى معركة انتهت باستشهاد 12 ضابطاً ومجنداً، وكان على رأس المطلوب القبض عليهم فى تلك القضية، محمد نصر الدين الغزلاني، ابن قرية كرداسة، الهارب، والصادر ضده حكم  بالإعدام.

نصر الغزلاني، الذى عين نفسه أميراً على كرداسة لأيام قليلة، كان قد سبق وخرج من السجن قبل سنوات، ضمن حملات العفوالتى صدرت بحق آلاف الجهاديين المقبوض عليهم قبل يناير 2011، وقد سبق اتهامه فى قضية تنظيم ∩طلائع الفتح∪ عام 1993 والتى اعتقل على إثرها 1000 عضواً من جماعة الجهاد المصرية، والتى كان يرأسها فى ذلك الوقت أيمن الظواهري. ورغم أن الغزلانى لفت الأنظار إليه، إلا أن هناك شخصا آخر ساهم فى الأحداث رغم إعدامه فى القاهرة عام 2001، (أحمد إبراهيم السيد النجار)ابن قرية «ناهيا» مسئول لجنة التنظيم المدنى فى جماعة الجهاد المصرية عام 1994، المقبوض عليه فى قضية  العائدين من ألبانيا  عام 1998.

(6)

تاريخ ممتد من العنف، عاشته قرية تمتد جذورها إلى مصر القديمة، ويشتهر أبناءها حتى الأن بالصناعات التراثية، يأتيهم الناس من كل حدب وصوب لاقتناء منتجاتهم، غير أن جغرافيا المكان، الواقع على مشارف صحراء الجيزة، جعلها بيئة خصبة لانتشار أفكار الجماعات المتطرفة، التى لا تزال تنتظر العودة من جديد، ظنا منها أن الضغط على مصر خارجيا قد يؤتى ثماره!