مقررات السياحة والآثار.. حاضر غائب فى مناهج التعليم

الطلاب يعانون الأمية الثقافية

تعاون بين التعليم والآثار لزيادة الوعى السياحى
تعاون بين التعليم والآثار لزيادة الوعى السياحى

أحمد جمال

سلّط الحفل الأسطورى لنقل المومياوات من المتحف المصرى بالتحرير إلى المتحف القومى للحضارة المصرية، والتأثير الذى أحدثه فى نفوس كثير من الطلاب الصغار الذين يعانون ما يمكن تسميته بـ"الأمية الثقافية"، الضوء على مناهج وزارة التربية والتعليم ومدى احتوائها على مقررات تعرِّف الطلاب بتاريخ بلدهم وتجذبهم نحو المواقع الأثرية المنتشرة فى عدد كبير من المحافظات المصرية.
عبر هذا التحقيق الذى تواصلت فيه "آخرساعة"، مع مسئولى وزارة التربية والتعليم وكذلك أساتذة الآثار، إلى جانب معلمى الدراسات الاجتماعية وعدد من أولياء الأمور، تبين أن المناهج بالفعل تحتوى على مقررات من شأنها تعريف الطلاب بأهم المعالم السياحية فى بلدهم، غير أنها تفشل فى جذبهم إليها بسبب طريقة عرضها وتركيزها على الحفظ من دون أن يكون هناك عوامل جذب تجعلهم ينبهرون بها ويتطلعون لزيارتها.

رحب كثير من الخبراء بقرار وزارة التربية والتعليم بتدريس مبادئ اللغة الهيروغليفية، لكنهم أيضاً اعتبروها غير كافية لمحو الأمية الثقافية، كما أنهم أكدوا على أن الخطوة ستواجه بصعوبات لأن مدرسى التاريخ والجغرافيا والدراسات الاجتماعية ليسوا من خريجى كليات الآثار المتخصصة فى دراسة هذه اللغة وأن الأمر سيبقى مجرد تعريف بدائى بتلك اللغة من دون أن ينعكس إيجاباً على تعريف الطلاب بهذه الآثار وجذبهم نحو التعرف على ما تحتويه جدرانها من كلمات تعكس تاريخهم.
وكانت وزارة التربية والتعليم والتعليم الفنى، أعلنت إدخال رموز الكتابة الهيروغليفية وما يقابلها من معانٍ باللغة العربية فى المناهج تهدف إلى إطلاع الطلاب على تاريخهم القديم، بهدف المعرفة ورفع الوعى وإثارة اهتمام الطلاب بالكتابة الهيروغليفية التى كانت من أهم وسائل التواصل مع الحضارة المصرية القديمة، وليس للحفظ.
وأشارت إلى أن المواد الدراسية كلها تتكامل فى دعم تنمية وعى الطلاب الأثرى والسياحى وأن خطة تطوير المناهج المستقبلية تتضمن تطورًا واضحًا فى تنمية وعى الطلاب الأثرى والسياحى من الصف الرابع الذى سيتم تطبيقه العام القادم إلى نهاية المرحلة الثانوية.
بحسب مصادر مطلعة بوزارة التربية والتعليم، فإن المستهدف خلال العام المقبل هو تدريس بعض الرموز الفرعونية والهيروغليفية لطلاب الصف الرابع الابتدائى وليس الكتابة الهيروغليفية، والمقرر سوف يركز على كيفية نقل تاريخ الحضارة الفرعونية إلى اللغة العربية، والأمر سوف يتوقف على الصف الرابع الابتدائي، ولم يتم حسم الأمر إذا كان سوف يجرى تدريسه لطلاب السنوات التالية من عدمه، ويتوقف ذلك على مخرجات التعليم المرجوة من عملية تطوير المناهج.
المصدر-  الذى رفض ذكر اسمه- أشار إلى أن الاهتمام بقضية التوعية السياحية والأثرية بدأت تأخذ أبعادا أخرى منذ الإعداد لمنظومة التعليم الجديدة التى يجرى تطبيقها على طلاب رياض الأطفال وحتى الصف الثالث الابتدائي، وأن إدخال مقررات جديدة لصفوف هذه المراحل بدأ منذ العام 2018، وكان ذلك من نتيجة أن منهج رياض الأطفال (اكتشف) ينشر صوراً ومعلومات مسبطة على تمثال الملك رمسيس الثانى كنموذج لفن النحت فى الحضارة المصرية القديمة.
ويحتوى منهج الصف الأول الابتدائى على عرض للأهرامات وتمثال أبو الهول ومعبد حتشبسوت ومعبد الأقصر، وبحسب المصدر فإن طريقة تقويم الطلاب للتعرف على مدى استفادتهم من هذه الطريقة تعرفهم على هذه المعالم يتضمن إنجاز مشروع تصميم نموذج لأثر تاريخى وبعض أشكال التراث الثقافى مثل الأكلات المصرية الشهيرة والأغانى والآلات المصرية القديمة مثل الربابة، والزى المصرى القديم كالجلباب والقفطان وآداب التعامل مع الآثار والأماكن السياحية.
وكذلك الحال بالنسبة لمنهج (اكتشف) بالصف الثانى الابتدائي، الذى يتناول التركيز على بعض المعالم والآثار الشهيرة مثل: (معبد الكرنك بالأقصر ووادى الملوك بالأقصر ومعبد فيلة بأسوان، وكوبرى ستانلى بالإسكندرية ومحمية رأس محمد بالغردقة ودار الأوبرا بالقاهرة، وشلالات الفيوم وطريق الكباش بالأقصر ومسجد الناصر محمد بن قلاوون والكاتدرائية المرقسية بالعباسية، وبرج القاهرة)، والمنهج ذاته يهتم بالمهن السياحية وعرض مهام وأدوات المرشد السياحي، بحسب ما أكده المصدر.
لم يختلف الوضع كثيراً فى منهج الصف الثالث الابتدائي، الذى يسلط الضوء على مجوهرات أسرة محمد علي، وأوانٍ من العصر الإسلامى وبعض المجوهرات الفرعونية مثل القلائد، كما تناول بعض البرديات التى تناولت معلومات طبية مثل: بردية إبيرس وبردية إدوين سميث، بالإضافة لبعض المبانى الأثرية مثل: مستشفى المنصورى كأقدم المستشفيات فى مصر وبعض أشكال من التراث الثقافى المصري.
وأوضح المسئول بوزارة التربية والتعليم، أن مناهج الصف الرابع الابتدائي، من المقرر أن تسلط الضوء على معبد أبى سمبل ودير سانت كاترين  والكنيسة المعلقة وقلعة صلاح الدين والجامع الأزهر والسد العالى والعاصمة الإدارية والمتحف المصرى الجديد، هذا إلى جانب مظاهر التراث الوطنى وبعض الحرف والصناعات التراثية وأهميتها.
فى البداية قالت ميرفت عويس، خبيرة الدراسات الاجتماعية بوزارة التربية والتعليم: إن المناهج الحالية للصف الرابع الابتدائى تشمل تعريباً للسياحة وتسلط الضوء على بعض المناطق السياحية الموجودة فى مصر، وتركز على التاريخ الفرعونى المصري، وكذلك الحال بالنسبة للصف الخامس الابتدائى الذى يتضمن التركيز على أنواع السياحة وتعريفها وكيفية التنمية السياحية.
وأضافت أن التركيز على الجوانب السياحية يتقلص فى المرحلة الإعدادية والثانوية، ويكون التركيز أكبر على الوقائع التاريخية، ويحتوى منهج الدراسات الاجتماعية بالصف الأول الإعدادى على التاريخ الفرعوني، على أن يسلط منهج الصف الثانى الإعدادى الضوء على التاريخ الإسلامي، ليركز طلاب الشهادة الإعدادية على تاريخ مصر الحديث والمعاصر.
وأوضحت أن الأمر ذاته يتكرر فى مناهج المرحلة الثانوية مع تفاصيل أكثر، ويركز منهج الصف الأول الثانوى فى الفصل الدراسى الأول على التاريخ الفرعونى ثم يسلط الضوء على تاريخ العراق واليونان فى الفصل الدراسى الثاني، لكن ذلك لا يتضمن تركيزاً على الحياة الثقافية والاجتماعية للفراعنة على سبيل المثال فى الحقب التاريخية التى يدرسونها، مشيرة إلى أن الصف الثانى الثانوى يركز على التاريخ الإسلامى ثم الحضارة الحديثة فى الصف الثالث الثانوي.
ومن وجهة نظر ميرفت عويس فإن الوعى الأثرى والسياحى لابد أن يكون بدرجات أكبر لدى طلاب المرحلتين الإعدادية والثانوية لأن وعى الطلاب وإدراكهم يتضاعف فى تلك المرحلة العمرية، وأن ما يتواجد حالياً فى المناهج لا يكفى زيادة وعى الطلاب، والمهم أن يكون هناك أنشطة مرتبطة بما يجرى تدريسه نظرياً ليس من خلال الرحلات فقط ولكن عبر أنشطة أخرى تساعد الطلاب على معرفة معالمهم السياحية وتجذبهم إليها.
وأكدت أن الوزارة عليها أن تضاعف من حجم المعلومات المصورة وتقديم صورة جاذبة للطلاب تحفزهم على زيارتها، كما الحال فى المناهج الأمريكية التى تحتوى على صور عديدة لأهم المعالم فى حين أنها دولة ليس لديها حضارة قديمة كمال الحال فى مصر، وكذلك فإنه سيكون من المهم تقليل المعلومات النظرية لحساب الأنشطة المختلفة.
وأوضح الدكتور محمد الجهينى عميد كلية الآثار الأسبق بجامعة جنوب الوادي، أن وزارة التربية والتعليم مطالبة بالاتجاه إلى كليات الآثار التى يبلغ عددها 13 كلية فى الجامعات المصرية المختلفة، لصياغة برامج مبسطة، للتعليم الابتدائي، بالتعاون مع الخبراء، لإدراج منهج "الهيروغليفية"، التى سيكون هدفها تنمية وعى الطلاب بمعالمهم السياحية القديمة، وكذلك تنمية موهبة الرسم أيضا لدى الطلاب، من خلال هذه الدروس المصورة التى تجذبه.
وأشار إلى أن المناهج الحالية تفتقد إلى الكتب المصورة التى تشوق الطلاب ولابد أن يكون هناك صور بجودة مرتفعة تجعل الطلاب حريصين على التعرف عليها، مع  ووضع خطة لزيارات ميدانية، على أن يكون ذلك لمحافظات الصعيد ولا يقتصر على العاصمة، وأن يرى الطلاب ثلث آثار العالم الموجودة فقط فى مدينة الأقصر.
وقبل عامين وقعت وزارة التربية والتعليم برتوكول تعاون مع وزارة السياحة لنشر الوعى السياحى وتعزيز أخلاقيات السياحة بين طلاب المدارس، واستهدف تعزيز التعاون المشترك بين كلٍ من الطرفين من خلال رفع الوعى السياحى والإلمام بأخلاقيات السياحة لدى طلاب المدارس التعليمية بالمحافظات بهدف صنع أجيال مصرية واعية بأهمية الدور الحيوى لقطاع السياحة، وإدراك دوره العظيم فى نهضة الاقتصاد المصري، فضلا عن تحسين الصورة الذهنية المأخوذة عن المقصد السياحى المصري.
وأوضحت هبة علام، ولية أمر أحد الطلاب بالمرحلة الثانوية، أن جوانب الإبهار فى موكب نقل المومياوات ساهمت فى تشجيع الطلاب على زيارة متحف الحضارة وغيره من المعالم السياحية، وهو ما يؤكد على أن الطلاب ينقصهم عوامل الجذب التى تدفعهم نحو الاهتمام بتاريخهم عبر المناهج، وهو أمر لا يتحقق فى الوقت الحالي.
وأشارت إلى أن المدارس لا تقوم بدورها التثقيفى والتوعوي، والأمر لا يقتصر فقط على المناهج التى بحاجة إلى تعديل لكن حتى الرحلات التى تنظمها الكثير من المدارس أضحت تركز على المناطق الترفيهية التى تحتوى على عوامل تسلية للأجيال الصاعدة بعيداً عن زيارة المواقع الأثرية كما كان الوضع قبل سنوات، وأن تعامل الطلاب مع محتويات السياحة لا يتعدى كونها مقررا يستهدف حفظه لأداء الامتحان وليس من أجل حب المعرفة والتطلع.