د. محمد مجاهد: مقبرة «خوى» ستغير الكثير من الأفكار حول تطور الديانة فى الدولة القديمة

الدكتور محمد مجاهد داخل مقبرة خوى
الدكتور محمد مجاهد داخل مقبرة خوى

منذ خمسينات القرن الماضى بدأ العمل فى المجموعة الهرمية للملك جد كا رع إسيسى بجنوب سقارة. ملك لم تتوافر عنه الكثير من المعلومات رغم أن فترة حكمه امتدت لـ٤٠ عامًا. ومنذ عام ٢٠٠٨ بدأ العمل مرة أخرى بالموقع لترميم مجموعته، مؤخرا تم الإعلان عن اكتشاف مقبرة فريدة ترجع لشخص يدعى «خوى»، من جانب الدكتور محمد مجاهد الأستاذ المساعد بجامعة تشارلز التشيكية، ومدير البعثة المصرية العاملة بهرم جد كا رع إسيسى بجنوب سقارة. كشف أثرى أضاف الكثير من المعلومات، وأضاف الكثير لتاريخ المنطقة. هنا نحاور صاحب الكشف.

-متى بدأ العمل فى جنوب سقارة وتحديدًا فى المجموعة الهرمية للملك «جد كا رع إسيسي»، وما الذى تم بالمنطقة؟
بدأ العمل فى المجموعة سنة ١٩٤٩ وسنة ١٩٥٢، وكانت تحت إشراف علماء مصريين منهم عبد السلام حسين، والدكتور أحمد فخرى فى عام ١٩٥٢، حيث أكمل ما بدأه عبد السلام حسين، لكن للأسف كل التسجيلات والبيانات والملاحظات التى قام بها العالمان لم نعثر عليها حتى الآن، لذلك قررنا فى عام ٢٠٠٨ القيام بتسجيل علمى كامل وترميم للمجموعة الهرمية، التى تخص الملك جد كا رع إسيسي، وفى عام ٢٠١٦ استطعنا ترميم هرم الملك جد كا بالكامل من الداخل، ومن عام ٢٠٠٨ إلى ٢٠١٩ قمنا بالرفع المعماري، والتسجيل العلمى للمعبد الجنائزي، وفى عام ٢٠١٨ أعلنا أن اسم زوجة الملك وهى تدعى «ست إيب حور».
 -وما المعلومات التى توافرت عن هذه الملكة بعد الكشف عن اسمها؟
ست إيب حور ملكة مهمة للغاية فى التاريخ القديم، وقبل أن نعثر على اسمها كنا نعرف أن المجموعة الهرمية هذه هى أكبر مجموعة هرمية بنيت فى الدولة القديمة لملكة. الأمر الثانى أن العمارة وخاصة فى الدولة القديمة كان لها هدف ورمز، وظهر ذلك على الحجرات الملكية المخصصة للملوك داخل مجموعتهم الهرمية، لكن الملكات لم يقمن بنفس الأمر. وعلى سبيل المثال: المعابد الجنائزية للمجموعات الهرمية للملوك، كان بداخلها ما يسمى بـ«الحجرة المربعة» وهذه الحجرة خصصت لاحتفالات الملك، وعندما شاهدنا المجموعة الجنائزية للملكة ست إيب حور وجدنا أن المهندس الذى شيد معبدها بنى لها نفس الحجرة المقتصرة على الملوك فقط، ومعنى الأمر أنها كانت ملكة ذات أهمية كبرى، وكل المعلومات كانت متوافرة لدينا قبل أن نعثر على اسمها، لكن عندما عملنا على مجموعتها الهرمية وجدنا اسمها على عمود جرانيت إسطوانى وعليه ألقابها، فخلال تلك الفترة وحتى نهاية الأسرة السادسة لم تكن الملكات يستخدمن العمود الإسطوانى بل استخدمن العمود المربع وكذلك لم يستخدم الجرانيت، وهذا يؤكد على أنها استخدمت مواد  كانت حكرا على الملوك، ويدل على نفوذها الواسع.
 -إذًا ما سبب اختيار الملك جد كا رع جنوب سقارة تحديدًا لإقامة مجموعته الهرمية بخلاف ملوك الأسرة الخامسة؟
كان قرارًا صعبًا فى هذه الفترة نظرًا لأن فى تلك الفترة المجموعات الجنائزية كانت تقام فى شمال سقارة بأبو صير، والقرار لم يكن سهلًا لأنه كان يتطلب توافر منشآت ضخمة وميناء ومدينة للعمال أي؛ بنية تحتية متكاملة، وفى تصورنا أن الملك لم يكن من الأسرة الحاكمة، لكنه اعتلى الحكم بمساعدة زوجته ست إيب حور باعتبارها من العائلة المالكة، وهذه الأشياء سنحاول الإجابة عنها خلال الفترة المقبلة.
-فى ٢٠١٩ أعلنتم الكشف عن مقبرة لشخص يدعى خوي، وقد صنف ضمن أفضل ١٠ اكتشافات أثرية فى العقد الثانى من القرن العشرين، من هو خوى وما سبب الاحتفاء بتلك المقبرة تحديدًا، وكيف عثرتم عليها؟
أهمية المقبرة أنها تعد أول نقطة نستطيع من خلالها أن نتعرف على عصر جد كا رع إسيسى والذى حكم حوالى أربعين عامًا، وقبل أن نكتشفها لم نعثر على أى مقبرة بالقرب من المجموعة الهرمية، والمعروف أن كبار موظفى الملك كانوا يدفنون بالقرب منه، إلى أن وجدنا مقبرة خوى فى مارس ٢٠١٩، وتكمن أهميتها فى أنها واحدة من أوائل المقابر التى وجدنا أن الجزء السفلى بداخلها منقوش، وهو أمر مهم لنا كعلماء آثار، لأنه سيجعلنا نغير من أفكارنا بخصوص تطور الديانة داخل الدولة القديمة، لأننا كنا نؤمن أن التغيير يجب أن يتم بشكل هرمى من أعلى لأسفل؛ أى أن الملك هو من يقرر الديانة والعبادة، مثل ما فعله إخناتون الذى قرر عبادة آتون، لكن العثور على مقبرة خوى غير لنا تلك النظرة وذلك لأن أول هرم تم نقش نصوص الأهرامات بداخله كان هرم الملك أوناس بسقارة، وهو الملك الذى حكم بعد «جد كا رع»، ومن هنا نستطيع أن نسأل سؤالًا مفاده: «هل أوناس عندما رأى خوى وموظفى الملك جد كا رع، يقومون بنقش الجزء السفلى من مقابرهم أخذ عنهم تلك النصوص ووضعها فى هرمه» وهذا الأمر جائز، ولو وجدنا مقابر أخرى فى المستقبل مثل مقبرة خوي، سيثبت لنا أن هؤلاء الأفراد كانت لهم مطلق الحرية فى التعبير عن معتقداتهم، وأن أوناس قد أخذ منهم تلك الفكرة؛ أى أن التغيير بدأ من أسفل لأعلى.
الأمر الثانى أن مقبرة خوى لم يكن العثور عليها مصادفة، فطبوغرافية منطقة سقارة شبه واضحة، ونحن نستطيع أن نتوقع إذا ما كان الموقع يضم آثارا أم لا، لكن لا نستطيع أن نتوقع ما يحوى بداخله، فبعد أن انتهينا من ترميم الهرم، أردنا أن نعرف مكان دفن كبار موظفى الملك، وقررنا أن نعمل فى الجزء الشرقى من المجموعة الجنائزية، وحين عثرنا على المقبرة وجدنا أن كسوتها الخارجية تمت من خلال استخدام الحجر الجيري؛ أى جاءت من محاجر ة، وجميع المحاجر فى تلك الفترة والموارد الطبيعية كانت ملكًا للملك، ومعنى ذلك أن خوى حين قرر كساء مقبرته بالجير الأبيض حصل على تصريح من الملك، الأمر الآخر أن التصميم المعمارى للمقبرة من الداخل كان تصميمًا ملكيًا، من خلال الممر الهابط، وكذلك وجود حجرة دفن وحجرة أمامية ومخزن داخل المقبرة، وهذا النمط شبيه بأهرامات الأسرة الخامسة، لذلك نال خوى امتيازات كانت حكرًا على الملوك. ولعل من أسباب تفرد المقبرة هى جودة الألوان بداخلها، حيث استخدمت ألوان كان من الصعب أن يحصل عليها شخص عادى مثل اللون الأزرق واللون الأخضر، والتى كانوا يأتون بها من المحاجر الملكية فى سيناء.
-اعتمادًا على هذه الأدلة هل خوى ينتمى للأسرة الحاكمة؟
الأدلة التى بين أيدينا تجعلنا نرجح أن يكون خوى من الأسرة المالكة، لكن لا نستطيع حتى الآن أن نتأكد من الأمر، لأن هناك مشكلة وهى أننا فى الدولة القديمة نعرف ألقاب الموظفين، لكن هناك ألقاب لا نعرفها مثل؛ عم الملك، أو خاله، وهذه العائلة الحاكمة لا نعرف عنها شيئا فى الدولة القديمة، لكننا نسأل أنفسنا سؤالًا وهو «لماذا تمتع خوى بهذه المكانة الكبيرة؟» هل كانت تربطه صلة قرابة بالملك أو الملكة؟ هذه الأسئلة قد نستطيع الإجابة عنها خلال السنوات المقبلة.
-وما الذى نعرفه حتى الآن عن فترة حكم جد كا رع؟
هذا الملك أعطى لموظفيه حرية التعبير عن معتقدهم الديني، وظهرت هذه الحرية الدينية فى نهاية عهد الأسرة الخامسة، والدولة فى تلك الفترة بدأت وظائفها تكبر وتزداد وبالتالى مسئوليات الملك بدأت تتزايد، وفى عهد جد كا رع -الذى حكم لمدة ٤٠ عامًا- بدأ يعطى صلاحيات لموظفيه، وبدأ يغير من تركيبة النظام الكهنوتى فى البلاد،  واستحدث وظائف جديدة لأول مرة منها وظيفة وزير الجنوب لإحكام السيطرة، وصارت إدارة الدولة فى غاية التعقيد، مع إعطاء كبار الموظفين هامشا من الحرية واتخاذ القرارات، والسيطرة على أجزاء من البلاد، وكان من نتيجة ذلك أنه فى نهاية الأسرة السادسة انهارت الدولة المصرية القديمة، وبدأ عصر الانتقال الأول وعصر الفوضى الأول.