كتب: عمر يوسف
«الدنيا ساعة، فاجعلها طاعة».. تلك الجملة التى يرددها عم إبراهيم، أقدم ساعاتى فى منطقة باب اللوق، ويفتح بها أبواب الحديث مع كل شخص يقبل عليه .. فمهنة الساعاتى كانت هوايته منذ صغره.. قديمًا كانت تساعده فى نفقات المنزل إلا أنها الآن أصبحت تشغل وقته ويقضى فيها ساعات عمره بعد زواج الأبناء.. فى الماضى كانت الورشة تعج بالزبائن الذين ربطوا مع عم إبراهيم جميع روابط الصداقة، إلا أن القدم بدأت تختفى تدريجيًا ويقل التردد على المكان مع التطور الكبير الذى يسابق الزمن ولحق بدوره مهنة إصلاح الساعات التالفة وتحول عملها من الزمبلك إلى البطاريات.. رغم أنه قد يقضى يومه بالكامل دون أن يأتيه سوى عدد قليل من الزبائن إلا أنها أسعد أوقات حياته تلك التى يقضيها بين جدران هذا المكان.
عندما تنظر حولك تجد عددا لا يحصى من ساعات اليد جار عليها الزمن، ومنبهات أنتيكات يبدو وأنها تحفة فنية لا تقدر بثمن رفض عم إبراهيم الكثير من مشتريها لأنه يعتبرها قطعة من روحه، وكذلك مجموعة فريدة من ساعات الحائط تدور معًا فى تكات واحدة.. يعلق المنظار فى عينيه ويدفن رأسه بين هذا الكم الكبير من الساعات منذ أن يفتح أبواب المكان صباحًا إلى أن تشتد آلام ظهره فيقرر العودة إلى بيته.. وفى الليل يجتمع عم إبراهيم بصديق عمره الحاج المجاهد رفيق الروح، والشخص الذى شاركه جميع مراحل حياته منذ الشباب حتى الشيخوخة.. فى كل ليلة يلتقطون أطراف الماضى ويفتحون أشرعة ذاكرتهم على أيام شهدت ضحكاتهم المجلجة، ولن يخلو الحديث من امرأة حاول أحدهم التقرب منها وتفاجأ بزوجته تقف له بالمرصاد.. وفى كل ليلة تتعالى ضحكاتهم التى يصاحبها حشرجة أنفاسهم وسعال متواصل للحاج مجاهد الذى يعانى من مشاكل في التنفس والقفص الصدرى.