عصاه السحرية «الإمبراطورية الإعلامية»

من أجل تمرير مخططاته وخدمة أجنداته

العمل من المنزل لمواجهة الوباء
العمل من المنزل لمواجهة الوباء

مخطط يرغبون فى تمريره.. الترويج له وسيلة لإنجاحه، والتصدى للمعلومات المعرقلة لتنفيذه ضرورة، مراقبة ورصد لكل ما يُنشر ويُبث، لإحكام قبضتهم وتسهيل مهمتهم، وحتى لا تتضرر مصالحهم، عيون تقرر ما هو صائب يصلح للنشر والتداول، وما هو مضلل يُحذر منه بالحجب؛ من يحاول إظهار حقائق عن مخططهم يغلقون حساباته على مواقع التواصل الاجتماعي، ويحذفون ما يمكن أن تصل إليه على الشبكة العنكبوتية، لذا السيطرة على الكيانات الإعلامية داخل الولايات المتحدة وخارجها التى توصف بأنها لوبيات مؤثرة فى السياسة العالمية، كانت هدفًا لمؤسسة "بيل وميليندا جيتس" مع النخبة من الأثرياء لتحقيق أجنداتهم السياسية والاقتصادية.

زادت نظريات المؤامرة حول عملاق التكنولوجيا جيتس منذ تفشى جائحة فيروس كورونا، فزادت الرقابة على كل ما يُنشر.. كثرت الشائعات مع صدق نبوءاته وما أعقبها من تداعيات حتى بات مادة دسمة للإعلام بكل وسائله وعلى مواقع التواصل الاجتماعي، فكثرت عمليات التحكم والسيطرة وإغلاق حسابات على العالم الافتراضى مثلما حدث مؤخرًا مع المحامى والناشط الأمريكى "روبرت كينيدى جونيور"، نجل شقيق الرئيس الأمريكى الراحل "جون كينيدي"، عندما أعرب عن شكوكه بشأن الفوائد الصحية للقاحات، وتقنية التعديل الوراثى للأغذية «GMO» تقليله من مخاطر الفيروس.
وفى المقابل، لم يحذف أو يغلق حساب الرئيس التنفيذى لشركة تسلا "إيلون ماسك"، الذى قلل مرة أخرى من مخاطر كورونا، خلال المقابلة التى أجراها مع الصحفية "كارا سويشر" فى "نيويورك تايمز" الأمريكية، عندما سألته عن أفكاره بشأن الفيروس، وما إذا كان يخطط لأخذ لقاح ضده، فأجاب ماسك، إنه لن يأخذ اللقاح حتى عندما يصبح متاحًا، لأنه ليس فى خطر الإصابة بالفيروس، ولن يعطى أطفاله اللقاح. كما وصف جيتس بـ"رأس المفصل والمحرك لكل شيء متعلق بالجائحة".
وكان لماسك سجلٌ حافل من التعليقات على الوباء وإجراءات الإغلاق التى اقترحها جيتس على الحكومات لمواجهة الجائحة وتقليل نسبة الوفيات والحد من انتشاره، حيث اعترف لسويشر "أن الوباء مشكلة معقدة، حيث يصبح التفكير العقلانى فى المرتبة الثانية" منتقدًا جيتس.
وكان ماسك قد نشر معلومات مضللة حول الفيروس، ونشر تغريدة شهيرة أوائل مارس الماضى يقول فيها إنه يتوقع أن يكون هناك "ما يقرب من صفر حالات جديدة" بحلول "نهاية أبريل"، كما رأى أنه "لا يوجد هناك ما يقلق بشأن الفيروس"، ما دفع جيتس، الذى يعمل مع مجموعة من الباحثين والمؤسسات على إيجاد لقاح مضاد للمرض، للتصريح فى يوليو 2020 بأن ماسك عليه ألا يتحدث عن الوباء، خاصة أنه لا يعلم شيئا فى هذا المجال". وأضاف "إن ماسك لا يشارك كثيرًا فى اللقاحات، بل يصنع سيارة كهربائية وصواريخه تعمل بشكل جيد، لذلك سمح له بقول هذه الأشياء. آمل ألا يخلط بين المجالات التى لا يشارك فيها كثيرًا." فيما عارض ماسك إجراءات الإغلاق ووصفها بالأخطر من الفيروس ذاته. ومن المعروف الدور التى تلعبه تسلا فى محاولة المساعدة فى الجائحة حيث يتم تطوير أجهزة التنفس الصناعى وإنتاجها، والتعاون مع شركة التكنولوجيا الحيوية الألمانية "كيور فاك" لصنع جهاز للمساعدة فى إنتاج اللقاح.
فيما عبّر جيتس عن استغرابه لنظريات المؤامرة التى وصفها بالجنونية والخبيثة التى انتشرت عنه وعن كبير خبراء الأمراض المعدية "أنتونى فاوتشي" على وسائل التواصل الاجتماعى خلال الجائحة. وقال فى مقابلة مع وكالة "رويترز"، إنه يود استكشاف ما وراء هذه النظريات التى ترسخت لأسباب منها اقتران الجائحة المخيفة بتنامى دور وسائل التواصل الاجتماعي.
ومنذ سنوات، ولدى جيتس اهتمام شديد بتقوية قدراته الإعلامية حول العالم، حتى يتيح له القيام بشن حرب إعلامية أو الرد على أى أخبار أو شائعات يمكن أن تعرقل خططه، وخلال الفترة الماضية، كشفت مجلة "كولومبيا جورناليزم ريفيو" سيطرة مؤسسة جيتس على الصحافة العالمية، بتوجيه أكثر من 250 مليون دولار إلى العديد من الكيانات الإعلامية مثل صحف "الجارديان" و"الفاينانشيال تايمز" البريطانية، و"نيويورك تايمز" ومجلتى "ذى أتلانتيك" و"ناشيونال جورنال" الأمريكية وصحيفة "لوموند" الفرنسية بالإضافة إلى العديد من الإذاعات على رأسها الإذاعة الوطنية العامة «NPR»  الأمريكية، وهيئة الإذاعة الوطنية «NBC» الأمريكية، وشبكة الإذاعة البريطانية وشبكة "يونيفزيون" الأمريكية والجزيرة القطرية وغيرها. هذا بجانب مركز التقارير الاستقصائية، ومركز بوليتزر، وحاول جيتس إخفاء ذلك عبر تحويل مبالغ مجهولة فى صورة منح. ولقد أتت هذه المنح بثمارها خلال الوباء؛ حيث تعاملت هذه الكيانات الإعلامية مع جيتس كخبير فى الصحة العامة، على الرغم من افتقاره إلى التدريب الطبى أو الخبرة التنظيمية.
ويوضح تحقيق المجلة للصحفى الأمريكى "توم شواب"،  كيف يتم استخدام أموال المنح التى تم الكشف عنها علنًا للتغطية الإعلامية التى تبدو محايدة، وتعمدها إظهار نشاط مؤسسة جيتس بصورة إيجابية. كما يمول جيتس أيضًا جيشًا من مدققى الحقائق المستقلين بما فى ذلك معهد "بوينتر وجانيت"، اللذان يستخدمان منصاتهما الخاصة بفحص الحقائق لإسكات المنتقدين والتعامل معهم باعتبارهم يروجون لنظريات المؤامرة الكاذبة والمعلومات المضللة.
وفى عام 2007، نشرت صحيفة "لوس أنجلوس تايمز" واحدة من التحقيقات الحاسمة عن مؤسسة جيتس، حيث كشفت عن امتلاك المؤسسة أسهمًا فى شركات وصناعات مرتبطة بعمالة الأطفال، وأخرى مسببة للتلوث البيئى الذى ساعد على انتشار أمراض الجهاز التنفسى والسرطان فى دلتا النيجر؛ كاستثماراتها مع شركة البترول الإيطالية العملاقة إيني. ويقول كبير مراسلى الصحيفة الأمريكية "تشارلز بيلر"، "لم يكونوا مستعدين - جيتس وميليندا - للإجابة على الأسئلة ورفضا التعليق تمامًا".
كما أظهر التحقيق كيف أدى تمويل جيتس للصحة العالمية إلى توجيه أجندة المساعدات العالمية نحو أهدافه الشخصية (اللقاحات والمحاصيل والكائنات المعدلة وراثيًا) وبعيدًا عن القضايا مثل الاستعداد للطوارئ لأزمة الإيبولا، التعامل مع الحالات المصابة للتجارب السريرية والأبحاث العلمية فقط وليس إنقاذ أرواح. ويقول الصحفى "أليكس بارك" بعد التحقيق فى جهود لقاح شلل الأطفال فى مؤسسة عملاق التكنولوجيا "لقد تجنبوا الإجابة على الأسئلة وسعوا إلى تقويض التغطية"، بعد أن تسبب اللقاح فى "آثار سلبية خطيرة"، ووفاة البعض منهم.
ويسلط الصحفى شواب الضوء على كيفية تأثير المنح المقدمة إلى غرف الأخبار على تغطية القضايا المتعلقة بالتعليم والزراعة والرعاية الصحية، وهى المجالات التى تشارك وتستثمر فيها مؤسسة "بيل وميليندا جيتس" أموالا طائلة. ويشير إلى عدم وجود تغطية سلبية فى المنافذ الإخبارية الأمريكية، وخاصة تلك التى تلقت المنح المقدمة من المؤسسة. ويوثق تحقيق شواب الحالات التى كذب فيها مدققو الحقائق لحماية جيتس من "نظريات المؤامرة" المفترضة؛ التى هى فى الواقع حقائق يمكن التحقق منها علنًا؛ أعطى مدققو الحقائق مثل Politifact وUSA Today التابعين لمعهد "بوينتر وجانيت" تقييمات خاطئة للادعاء بأن مؤسسة جيتس وميليندا لديها استثمارات فى شركات تطوير اللقاحات؛ أى أن المؤسسة لم تشارك فى اللقاحات. فيما يُظهر موقع المؤسسة الإلكترونى وأحدث نماذج الضرائب أن مؤسسة جيتس لديها بالفعل استثمارات فى مثل هذه الشركات، بما فى ذلك شركة "كيور فاك" الألمانية و"جلعاد" للتكنولوجيا الحيوية.
ووفقًا للصحفى الأمريكي، ليس هناك أى أخبار فى الصحف الأمريكية الكبرى تكشف تضارب المصالح لمؤسسة بيل وميليندا جيتس فى تمويل دراسات المراقبة الأخلاقية على اللقاحات التجريبية. وعلى سبيل المثال، سعى "مدققو الحقائق" فى رويترز، إلى التراجع بعد سنوات وإخفاء ما تم نشره من قبل بعنوان "جيتس يحاكم فى الهند"، لأنه تعرض لانتقادات بسبب تضارب المصالح. وبدلاً من ذلك حاولوا إخفاء ما توصلت إليه اللجنة الدائمة فى البرلمان الهندى للتحقيق فى الصحة ورعاية الأسرة؛ واتهام المؤسسة بتجاهل نتائج أبحاثها ودراساتها وإصرار جيتس وميليندا على مواصلة التجارب على الفتيات والتطعيم التجريبى فى الهند رغم خطورتها وحدوث حالات وفيات بين الفتيات اللاتى شاركن فى الدراسة، وبدلًا من ذلك تسجيل الوفيات بأنها ناجمة عن الانتحار، وفقًا لتقارير صحيفة الهند الاقتصادية.
ويدعو شواب إلى العمل لوضع المليارديرات فى مستوى أعلى من التدقيق، قائلًا "القلق الأكبر هو ليس طريقة تغطية أنشطة وتصريحات وأعمال جيتس وحده، بل حول كيفية إعداد تقرير عن الجيل القادم من المليارديرات فى مجال التكنولوجيا، الذين تحولوا إلى محسنين، بما فى ذلك الرئيس التنفيذى السابق لشركة أمازون "جيف بيزوس" ومؤسس فيسبوك "مارك زوكربيرج". وقد أظهر جيتس كيف يمكن لقائد الصناعة الأكثر إثارة للجدل أن يحول صورته بسلاسة أمام العامة من شرير التكنولوجيا إلى فاعل خير. وبقدر ما يفترض أن يدقق الصحفيون فى الثروة والسلطة، ينبغى أن يكون جيتس واحدًا من أكثر الأشخاص الخاضعين للتحقيق على وجه الأرض، وليس الأكثر إعجابًا.