4 عقبات تهدد مسلسلات «السير الذاتية»

أحمد حلمى وجرافيك لشخصية نجيب محفوظ
أحمد حلمى وجرافيك لشخصية نجيب محفوظ

كتب: شريف عبدالفهيم

تمتلئ الساحة الفنية والأدبية فى مصر بالعظماء الذين قدموا على مدار مشوارهم الفنى أو الأدبى الكثير من الأعمال التى أثروا بها شاشات السينما ومحافل الأدب، ولأن السينما والتلفزيون هما السجل التوثيقى للتاريخ والأحداث التى يمر بها أى بلد فى العالم، كان على صناع السينما عبء توثيق أحداث كثيرة، قد ينجح منها ما ينجح ويفشل ما يفشل، لكنه يظل مسجلاً لسنوات طوال تطلع عليه أجيال جديدة دخلت عالم السوشيال ميديا والشاشات المحمولة ليصبح الكتاب الورقى نوعاً من الانسحاق الأدبى لدى جيل يحمل فى يده جهاز يدخل به إلى آفاق رحبة من المعارف لا توجد بين غلافى كتاب واحد.

لأن الفن كما قلنا هو السجل التاريخى لكل الأحداث التى مرت بنا، ألزم بعض المنتجين أنفسهم أن يدونوا بالكاميرا حياة شخصيات ملأت الساحة الفنية أو الأدبية بإنتاجهم، فخرجت علينا فى بداية الألفية الجديدة عدة أعمال أرخت لحياة شخصيات كثيرة، بدأت بكوكب الشرق "أم كلثوم" عام 2000، ليتبعها بعد ذلك "العندليب" و"السندريلا"، ثم "الشحرورة"، ليتم الإعلان عن عدة أعمال لشخصيات بارزة، حيث أعلن الفنان أحمد حلمى نيته تقديم قصة حياة الأديب الراحل نجيب محفوظ، وينتظر محبوه أن يروا ذلك العمل المرتقب، وكان الفنان خالد النبوى أعلن تقديم قصة حياة الدكتور مصطفى محمود، وغيرهما من النجوم الذين أعلنوا عن تقديم مسلسلات أو أفلام عن شخصيات شهيرة، إلا أنها توقفت تماماً ليطرح سؤال مهم نفسه على الساحة: هل فشل بعض الأعمال التى جسّدت السيرة الذاتية لبعض الشخصيات الشهيرة سبب فى توقف واختفاء تلك النوعية؟!

المجتمع غير مؤهل

يقول الناقد طارق الشناوي، إننا غير مؤهلين كمجتمع لتقديم السير الذاتية، ولا حتى الجهات المعنية بذلك مؤهلة لتقديمها بشكل جيد، فنحن فى مجتمعنا ننزعج لمجرد تقديم أى ملمح سلبى حول حياة الشخص الذى يُقدَّم مسلسل أو فيلم عن حياته، وتزداد الأمور صعوبة عندما نجد أسرة الشخصية لا تريد أن يُظهر العمل أى جوانب سلبية، فقط الوجه الإيجابي.

وأضاف: "فى عام 2000 أُنتج مسلسل )أم كلثوم( الذى فتح الباب واسعاً لأعمال السِير الذاتية، ورغم أن المسلسل كشف فقط الجانب الإيجابى فى حياة كوكب الشرق، فإن نجاحه صنع تياراً من التوجه إلى هذا النوع من الأعمال، فبدأت أعمال كثيرة فى الظهور مستندة إلى النجاح الكبير الذى حققه )أم كلثوم(، مثل )العندليب( و)السندريلا(، اللذين ظهرا فى موسم واحد، رغم أنهما لم يحققا النجاح نفسه".

وشرح الشناوى الأسباب التى أدت إلى تراجع إنتاج أعمال السير الذاتية: "حدثت حالة من التشبع التام لدى الجمهور، فمثلاً الموسيقار محمد عبدالوهاب ظهر فى مسلسلات )أم كلثوم( و)العندليب( و)السندريلا(، وفى أعمال أخرى كثيرة، فلو فكر أحد المنتجين أن يقدم قصة حياة عبدالوهاب، سيجد المشاهد قد تشبع بالشخصية بما رآه فى الأعمال السابقة، لذلك سينصرف عن مشاهدة المسلسل، كما شاهدنا من قبل فى مسلسلى )العندليب( و)السندريلا(، وجود شخصية صلاح جاهين مثلاً، والعملان عُرضا فى الموسم ذاته، فهل لو تم تقديم عمل عن صلاح جاهين سيقبل عليه الجمهور وهو قد شاهد أغلب الأحداث فى عملين سابقين".

منى زكى فى "السندريلا"

وتابع: "هذه المشكلة أحدثت نوعاً من التشويش والتشبع لدى المشاهد، بالإضافة إلى عدم رؤية أعمال تتناول أحداثاً عُرضت بالفعل فى أعمال أخرى، بجانب إصرار ذوى الشخصية على ظهوره بشكل ناصع البياض لا تشوبه شائبة ولا يوجد أى جانب سلبى فى حياته، كل ذلك جعل أعمال السير الذاتية تتوارى فى السنوات الماضية، وأصبحت الفضائيات متخمة بالأعمال ولا توجد أى رغبة فى تقديم عمل جديد".

مشاكل بالجملة

الناقدة ماجدة موريس، قالت إنه لم ينجح من أعمال السير الذاتية من كل ما قُدِم سوى مسلسلى ∀أم كلثوم∀ و∀أسمهان∀، لأن بهما قدراً من الاجتهاد فى الكتابة، حيث ظل المؤلف الراحل محفوظ عبدالرحمن أكثر من عامين يجمع المادة التى تؤهله لأن يقدم عملاً متكاملاً عن كوكب الشرق يحمل المصداقية أمام المشاهد، بخلاف اجتهاد المخرج فى اختيار الممثلين الذين يمكن أن يقدموا الرؤية التى يريدها.

وأضافت أن هناك عوامل كثيرة أدت إلى فشل الأعمال التى قدمت أو التى يقرر بعض صناع الدراما تقديمها أولها اختيار المخرج، فهو الأساس الأول فى أى عمل يجب تقديمه فما يحدث حالياً من أن يتم اختيار الممثل ثم بعد ذلك يقرر هو من المخرج الذى يقدم العمل، يعد بداية الطريق لفشل العمل، فعندما تم اختيار المخرجة إنعام محمد على لإخراج مسلسل "أم كلثوم" واختارت صابرين لتقديم الدور هاجت الدنيا عليها وأدخلوا صابرين فى مقارنات مع نجمات أخريات، لكن بعد تقديم العمل ثبتت صحة رؤية المخرجة، وهو نفس ما حدث فى مسلسل "الجماعة" )الجزء الثاني( عندما تم اختيار الفنان السورى الراحل ياسر المصرى لتقديم دور الرئيس جمال عبدالناصر، وقوبل الاحتيار بهجوم حاد بحجة أنه يوجد بين الممثلين المصريين من هو أفضل منه، ثم قدم المصرى دوراً رائعاً.

وتابعت: إن وجود مؤلف ثقة لكتابة العمل هو أحد أهم المشاكل التى تواجه تقديم السير الذاتية، فما حدث فى مسلسل "أسمهان" مثلاً، من إظهار الكثير من الجوانب الشخصية مثل علاقتها بالإنجليز أو علاقة أشقائها بوفاتها جعل العمل يحمل المصداقية فى تقديمه ما استتبع نجاحه، فمسألة أن يأخذ الكاتب وقته فى تأليف العمل يجعل السيرة الذاتية لأى شخصية وخاصة نجوم الفن ناجحة.

العامل الآخر فى فشل تقديم أغلب أعمال السير الذاتية هو تدخل الورثة، فلا يصح أن يتم كتابة وتقديم عمل عن أى شخصية تحت رقابة الورثة، وهناك أعمال كثيرة لم تر النور بسبب إصرار الورثة على الإشراف على العمل، فهم يريدون أن يقدموا الشخصية فى صورة ملاك، الأمر الذى يعد خاطئاً فى هذه الحالات، وتدخل الورثة دائماً يكون وراءه إما أن يظهروا صاحب السيرة الذاتية فى صورة ملائكية، أو لمطالب مادية مغالى فيها، الأمر الذى يؤدى فى النهاية إلى فشل العمل أو عدم ظهوره من الأساس.

وقالت موريس: "العامل الأخير فى فشل أعمال السير الذاتية هو الإنتاج، فهذه الأعمال يجب أن يكون هناك إنتاج سخى كى تخرج بصورة جيدة، فلا يصح مثلاً أن يكون العمل يحتاج السفر والتصوير فى بلد ما ويتم التصوير فى أماكن داخلية حتى لو كانت تشبه الأماكن الحقيقية".

حق الورثة

الناقد عصام زكريا، أكد أن هناك خطأ شائعاً لا بد أن ندركه وهو مصطلح السيرة الذاتية حول الأعمال التى تقدم، فهذا المصطلح لا يطلق إلا على الكاتب الذى يحكى تاريخ حياته هو، أما ما يقدم عن الشخصيات العامة فيجب أن ندرك أنه يندرج تحت مسمى السيرة فقط.

وأكد أن كل الأعمال التى تم تأجيلها أو إلغاؤها بسبب تدخل الورثة، يكمن حلها فى إصدار قوانين واضحة وصريحة لحرية التعبير فيما يختص بالكتابة عن الشخصيات العامة، فليس من حق أى وريث أن يقول رأيه فى سيناريو أو حتى يوافق أو لا يوافق على هذا السيناريو، بل ليس من حقه أن يرى السيناريو من الأساس، لأن ذلك الوريث يكون أجهل شخص بحياة قريبه الذى يقدم عنه العمل، ولذلك لا بد من تطوير القوانين التى تحمى حرية الإبداع والرأى والفكر.

وأضاف: "ما دام وافق هذا الشخص أن يدخل هذا المجال وأن يكون مشهوراً، يكون خاضعاً لمفهوم الشخصية العامة، الذى يندرج تحته أمور كثيرة، أهمها أنه من حق الناس أن يعرفوا كل شيء يخصه، فلا يجب أن يخفى أى أمر عن المشاهد، لأن ذلك يؤثر سلباً فى المشاهد وحرية التناول فيما يتعلق بسير الشخصيات المشهورة".

وتابع: "لا بد أن يعى الناس أن ذلك فيلم أو مسلسل، وليس حياة الشخصية التى تُقدم عنه، فلو كانت هناك أى أخطاء فى العمل يجب أن يتم الرد عليها بالنقد وليس بإقامة دعاوى قضائية ومنع العرض، فكلها وجهات نظر يتم تقديم الأعمال وفقاً لها، ودائما ما تكون حسب المصادر المتاحة للكاتب".

وشدد زكريا على أن الإعلام هو المتسبب الأول فى انتشار مسألة تدخل الورثة، حيث يكون الهم الأول للنقاد عند عرض عمل ما إظهار الأخطاء التى وقع فيها العمل مما يجعل ورثة الفنان يهاجمون العمل ويتوعدون بإقامة دعاوى ضده، "فنحن كإعلاميين نسهم فى نشر هذا التخلف الفكرى بما نصنعه".