تعمل على مدار الساعة.. والأسطوانات متوفرة

مصانع الأكسجين.. مصدر «أنفاس» ضحايا كورونا

تانكات الأكسجين
تانكات الأكسجين

كتب: محمد التلاوى  −   أحمد دياب

تصوير: )خالد عيد − طارق إبراهيم(

الجهود كبيرة ومتواصلة لتوفير رعاية صحية للمصابين بفيروس كورونا عبر توفير مخزون كافٍ من غاز الأكسجين فى  جميع المستشفيات من خلال التعاون مع كبرى الشركات وتفعيل النظام الإلكترونى  للوقوف على بيان معدل الاستهلاك اليومى  من الأكسجين الطبي..

"آخر ساعة" قامت بجولة داخل عدة مصانع لتعبئة غاز الأكسجين الطبى، للتعرف على مراحل إنتاجه وأسعار الأسطوانات بمختلف أنواعها، وما إذا كان هناك عجز فى  تلبية احتياجات المستشفيات فى  حالة زيادة الطلب.

فى الحى السادس بمدينة نصر وأمام مصنع تعبئة وإنتاج غاز الأكسجين، يجلس عشرات المواطنين على الكراسى التى وفرتها الشركة لراحتهم منتظرين مجيء دورهم لدخولهم وتعبئة الأسطوانات التى حملوها داخل سياراتهم الخاصة.

سألنا مدير المصنع، أحمد العطيفي، عن عملية الإنتاج والتعبئة، فقال إن الأكسجين أحد عناصر الهواء الجوى وعملية تصنيعه تمر بعدة مراحل بسيطة، حيث يتم فصله عن الهواء العادى عن طريق مادة معينة توضع داخل ∩عمود الفصل∪ وبدرجة برودة عالية يجرى فصل الأكسجين عن العناصر الأخرى وتحويله من غاز إلى سائل ثم يُعبأ فى ∩تانكات∪.

يتابع: هناك حوالى 30 مصنعاً فى مختلف المحافظات تنتج غاز الأكسجين، وإنتاجنا اليومى لا يقل عن 12 ألف لتر سائل، ونُعبِئ 1400 أسطوانة أكسجين طبى يومياً، والعمل فى المصنع لا يتوقف، إذ نعمل بنظام الورديات على مدار الساعة، ونلتزم مع كل الجهات المتعاقدة معنا سواء كانت حكومية أو خاصة، وهناك مستشفيات تحتاج إلى تزويدها بالغاز السائل الذى يتم توريده لهذه المستشفيات عن طريق التانكات لتضعه فى شبكة موجودة لديها تغذى من خلالها غرف المرضى فى غرف العناية المركزة عن طريق التوصيلات الداخلية وتحويل هذا السائل إلى أكسجين لتعويض المرضى عن نقص الأكسجين، إضافة إلى توريد أسطوانات إلى هذه المستشفيات لاستخدامها فى حالة حدوث أعطال فى الشبكة التى تحتوى على الغاز السائل لحين تصليحها.

يضيف: لدينا وحدة للصيانة مكوَّنة من فريق عمل مهمته فرز هذه الأسطوانات والكشف عليها والتأكد من سلامتها وخلوها من أي عيوب تعوق عملية التعبئة أو تشكل أي خطورة، والأسطوانة التى لا تنطبق عليها المواصفات الطبية نعيدها للمستهلك، أما إذا كانت مطابقة للمواصفات فيتم إدخالها إلى الشبكة وتعبئتها بالغاز.

ويشير إلى أن وزن الأسطوانة سعة الـ40 لتراً يتراوح بين 47 إلى 50 كيلو، وإذا نقص وزنها بسبب تآكل أجزاء منها أثناء فترة الاستخدام يتم التخلص منها، والأسطوانة مدوَّن عليها تاريخ الإنتاج، وبعد مرور 5 سنوات على استخدامها يتم عمل صيانة لها، وتمر بمراحل اختبار معينة لضمان سلامتها وقدرتها على التشعيل. وبعد الانتهاء من مرحلة التعبئة يتم أخذ عينة عشوائية من الأسطوانات المعبأة عن طريق اختبار نقاء الأكسجين، ويقوم بهذه المهمة قسم الجودة الذى يضم عدة أجهزها من بينها قياس نسبة الرطوبة، إذ لا بد أن تبلغ نسبة نقاء غاز الأكسجين 99.7 إلى 99.9%.

ويوضح أن الأسطوانات أحجامها مختلفة، فهناك أسطوانات سعتها 10 و20 و40 لتراً، ويصل سعر تعبئة الأسطوانة الكبيرة إلى 45 جنيهاً شاملة الضريبة، والأسطوانة الأقل من 40 لتراً تُعبأ بـ30 جنيهاً، كما أن سعر شراء الأسطوانة الـ40 لتراً يصل إلى ثلاثة آلاف جنيه شاملة الضريبة، بينما يصل سعر الأسطوانة الـ10 لتر إلى نحو 1600 جنيه شاملة الضريبة، والمتوافر لدينا حالياً هو الأسطوانة سعة 10 لتر فقط.

يتابع: "المصنع يوفر الأكسجين الطبى والصناعى، لكننا نظراً للظروف الطارئة التى سببتها جائحة كورونا نوجه كل إنتاجنا إلى الأكسجين الطبي". مشيراً إلى أن هناك من انتهز الفرصة لرفع سعر تعبئة الأسطوانة لتصل إلى 100 جنيه.

وعن استغلال البعض الأزمة وزيادة الأسعار يؤكد: "لم نستغل جائحة كورونا لزيادة سعر التعبئة، فهذه الأسعار لم تتغير من قبل أزمة الفيروس، وعموماً المصنع يعمل على مدار اليوم لتلبية احتياج المستهلك فى أى وقت، والأمور لدينا ميسرة، وأطمئن المواطنين بأن قدرتنا الإنتاجية عالية ولن يكون هناك أزمة فى أسطوانات الأكسجين، وهناك تنبيه على العاملين بعدم حصولهم على إكراميات من أى شخص حتى لا يزيد الضغط على المواطن".

وفيما يتعلق بالكميات التى تطلبها المستشفيات، قال: "حالياً تطلب المستشفيات ضعف الكمية المعتادة بسبب ظروف كورونا، ونحاول توفير طلبها بالكامل من خلال مصنعى الشركة فى العاشر من رمضان ومدينة نصر، بجانب توفير طلبات أهالى المرضى الذين يأتون إلى المصنع مباشرة تجنباً لحدوث أزمة".

وعلى بوابة المصنع الرئيسية يقف تامر سمير عبدالقادر، ممسكاً بيده جهاز التعقيم. سألناه عن مهمته، فأوضح أنه بناءً على توجيهات وزراة الصحة يجرى تعقيم كل الأسطوانات الموجودة مع المستهلكين الذين يريدون تعبئتها، وكذا تعقيم الأسطوانات المحملة على السيارات التابعة للمصنع، والتى تم إحضارها من المستشفيات لإعادة تعبئتها.

محمد عبدالمحسن، مندوب توزيع، يقول: "حالياً لا يوجد ضغط كبير من جانب المستشفيات لطلب أنابيب الأكسجين، مثلما كان الوضع فى الفترة الماضية، حالياً تراجع الطلب بشكل ملحوظ". ويلتقط منه زميله شعبان أبو اليسر طرف الحديث، قائلاً: "نعمل ليل نهار لنتمكن من الإيفاء بالتزامتنا تجاه المستشفيات، ولا نعود إلى بيوتنا إلا بعد أن نشعر أننا قمنا بواجبنا على أكمل وجه، فنحن نعمل فى مهنة إنسانية، ويجب على الجميع أن يتعاون وأن نشعر ببعضنا البعض إلى أن يزول هذا الوباء".

طارق محمد إبراهيم، أحد العاملين على خط الإنتاج، يقول: "أسحب الأسطوانات بعد إنزالها من على السيارات والتأكد من سلامتها، ثم أضعها على خط التعبئة والإنتاج من خلال توصيل طرف الأسطوانة بالطرف النحاسى الموجود على شبكة التعبئة التى تنقسم لخطين كل خط يتحمل 36 أسطوانة يجرى تعبئتها وفقاً للضغط المطلوب، والذى يكون حده الأقصى)150 بار(، ويتم التحكم فى هذه الدرجة من خلال لوحة موجودة على جانبى الشبكة، وبمجرد الانتهاء من التعبئة يتم غلق الأسطوانة يدوياً عن طريق المحبس الموجود بها، حيث تحتاج الأسطوانة من 25 إلى 30 دقيقة لتعبئتها".

كما أكد الكيميائى على محمد، مدير الجودة فى المصنع، أن أسطوانة الأكسجين لا بد أن تمر بعدة اختبارات وفحوصات قبل تعبئتها، ويتم ذلك ظاهرياً بالكشف عن تاريخ الصلاحية المدوّن على الأسطوانة، والتأكد من عدم وجود أى كدمات أو زيوت عليها، بالإضافة إلى سلامة بياناتها الفنية، فأسطوانة الأكسجين لها مواصفات خاصة فى لونها وصمامها.

فى أثناء الجولة، التقينا أيضاً بعض المواطنين الموجودين فى المصنع. حيث قال محمد عبدالمحسن، إمام مسجد فى منطقة المقطم: "أتردد على المصنع منذ أكثر من شهر لتعبئة بعض الأسطوانات بالأكسجين الطبى لمساعدة أهالينا فى الحى الذى نعيش فيه ورواد المسجد ومن يحتاج المساعدة، والحقيقة وجدتُ معاملة حسنة وتعاوناً ومرونة من كل العاملين فى المصنع لأنهم يتفهمون الظروف الصعبة التى نمر بها جميعاً".

بينما يقول مواطن آخر يدعى محمد حامد: "هذه هى المرة الثالثة التى أجيء فيها إلى المصنع لتعبئة أسطوانات الأكسجين، حيث أقوم أنا ومجموعة من أصدقائى بتوفيرها لبعض المرضى غير القادرين لمساعدتهم على اجتياز محنتهم".

وفى مصنع آخر لتعبئة الأكسجين الطبى بمنطقة الحوامدية تحدثنا إلى المهندس كريم سماحة المسئول عن التسويق والمبيعات، حيث قال إن الطلب زاد على استهلاك الأكسجين الطبى بسبب جائحة كورونا العالمية وليس هناك زيادة فى الأسعار طبقاً للعقود المبرمة مع المستشفيات، ونحن ملتزمون بهذه العقود وبتوريد الأكسجين سواء كان سائلاً أو معبأ فى أسطوانات، موضحاً أن المصنع لا يتوقف عن الإنتاج ويعمل على مدار الساعة ولا يوجد إجازات، وهناك تنسيق مستمر بين الشركة والمستشفيات فيما يتعلق بالتوزيع، إضافة لخدمة المستشفيات، وأبوابنا مفتوحة لكل المواطنين الذين لديهم حالات مرضية ويطلبون تعبئة الأسطوانات.

ويوضح: "لا بد أن يكون لون الأسطوانة أبيض من الأعلى وبقية جسم الأسطوانة يتم طلاؤه باللون الأسود، وعندما تكون الأسطوانة صالحة للتعبئة يتم وضعها على الشبكة لتكون جاهزة للإنتاج وأثناء التعبئة يتم فحص درجة نقاء الغاز من خلال أجهزة حديثة، وبعد الانتهاء من التعبئة تُفحص الأسطوانة من خلال قسم مراقبة الجودة للتأكد من أن نسبة ضغط الغاز سليمة وأن نقاءه مطابق للمواصفات القياسية، حيث لا تقل النسبة عن 99.5%، ثم بعد ذلك يتم بيعها، وعموماً لدينا أحجام مختلفة من الأسطوانات، حيث تتراوح سعتها من لتر إلى 50 لتراً.

من جانبه، يقول محمد إسماعيل عبده، رئيس شعبة المستلزمات الطبية باتحاد الغرف التجارية: هناك شروط لحصول أى مستشفى على ترخيص لمزاولة العمل الطبي، من بينها ضرورة وجود "شبكة غازات"، بالتالى فإن جميع المستشفيات فى مصر مزوّدة بتلك الشبكة.

وفيما يتعلق بوفاة حالات مصابة بكورونا منذ فترة فى أحد المستشفيات نتيجة نقص الأكسجين، قال: "ما حدث قد يكون خطأ تقنياً أو إدارياً من أحد المسئولين عن تزويد المستشفى بالأكسجين، بالتالى تم عمل مراجعة فى كل المستشفيات بعد هذه الواقعة للمتابعة كل ثلاث ساعات وليس كل 12 ساعة"، لافتاً إلى أن سبب ارتفاع أسعار أسطوانات الأكسجين الفارغة هو زيادة أسعار الحديد عالمياً بقيمة 6 آلاف جنيه للطن، ما اضطر الشركات التى تصنِّع الأسطوانة إلى رفع سعرها.

وأوضح: هناك جهازان لاستخلاض الأكسجين من الهواء، ولدينا أيضاً جهاز ثالث أكثر تطوراً، حيث يقوم بسحب الأكسجين من الجو ومعالجته على الفور لينتج الأكسجين الطبي، ويسهُل حمله ونقله إلى أى مكان، وكل ذلك لا بد أن يكون تحت إشراف طبى لتحديد نسبة الأكسجين المفترض ضخها داخل الجسم، لأن كل مريض له معدل يتحمله جسده، لذلك يجب أن يكون هناك متخصص لتركيب هذه الأنبوبة. وأكد أنه لا توجد أزمة فى الأكسجين، لأنه موجود بالفعل فى الجو، ومصانع إنتاجه تعمل بشكل يومى على مدار الساعة.

فيما يقول الدكتور محمد جاد، رئيس هيئة الإسعاف: إن كل محافظة لها تعاقد مع الشركات الموردة للأكسجين الطبي، وأسلوب التعاقد يكون فى إطار القوانين المنظمة لعملية الشراء، ولا يوجد لدينا حالياً أي مشكلات، ونقدم خدماتنا للمواطن تيسيراً عليه من خلال تأجير أسطوانات الأكسجين له بسعر التكلفة بعد دفع قيمة التأمين وصورة البطاقة، وبعد استخدام الأسطوانة يعيدها إلينا مرة أخرى خلال 72 ساعة ليستفيد بها مواطن آخر.

المسئولون فى وزارة الصحة وفى مقدمتهم الدكتورة هالة زايد وزيرة الصحة، أكدوا أن الدولة تتعاون مع كبرى شركات الغاز لإمداد كل المستشفيات بالأكسجين بشكل مستمر، كما تم زيادة عدد "تانكات" الأكسجين والأسطوانات، بالإضافة إلى رفع كفاءة كل شبكات الغاز الطبية والصيانة بصفة دورية لها بكل مستشفى، إضافة إلى أن هناك غرفة عمليات مركزية بالوزارة لمراقبة عملية الإمداد والمتابعة المستمرة لمعدلات استهلاك الأكسجين بالمحافظات، بجانب وجود غرفة فرعية بكل محافظة لمتابعة توافر الأكسجين بالمستشفيات، كما يتم متابعة بيانات مخزون الأكسجين الطبى ومعدلات الاستهلاك وعدد الأسرة المشغولة على أجهزة التنفس الصناعى وماسك الأكسجين بكل مستشفى من خلال منظومة الإمداد المميكنة بالوزارة التى يتم تحديثها على مدار الساعة، وتكاتف جميع مؤسسات الدولة لمواجهة هذه الجائحة العالمية.

وشددت الوزيرة على أن الدولة لا تألو جهداً فى الحفاظ على صحة المرضى فى ظل مواجهة الأزمة العالمية لفيروس كورونا من خلال توافر مخزون كافٍ من غاز الأكسجين الطبى بجميع المستشفيات التى تستقبل الحالات المصابة، وبما يكفى لتشغيل جميع أسرة الرعاية المركزة والأسرة الداخلية بالمستشفيات.