بعد طرده من المنزل.. خادمة تفضح نجيب الريحاني

 الريحاني
الريحاني

بعد ليلة واحدة فقط صعد فيها نجيب الريحاني على خشبة المسرح، فوجئ بصاحب الفرقة سليم عطا الله يسلم له خطاب بالاستغناء عنه لارتكابه جريمة التفوق، والنبوغ الفني بعد شهادة الأدباء والنقاد والصحفيين الذين صعدوا لمقابلته، كي يبينوا بأنه ممثل لا يشق له غبار.

وبعد أن طردته والدته من المنزل بسبب عمله بالفن، ووجهت له وابلا من التوبيخ والتأنيب، وتشعره بالعار، والمذلة في أن يلتحق أحد أبنائها بتلك المهنة التي لا يؤخذ بشهادة أصحابها في المحاكم مثل الحواة، والقرداتية، أوصدت الباب في وجهه، وذاق مرارة الجوع، والتشرد.

هنا اتخذ الريحاني من جزيرة كوبري قصر النيل لوكاندة اليمين فوق السور، يتوسد حجرا من أحجار الطريق إلى أن تشرق الشمس، ويعود إلى قهوة الفن بشارع عبد العزيز، وقضى ٤٨ ساعة لم يذق للأكل طعما، لا زهد منه، ولا أسفا على شيئ لكونه لم يجد وسيلة يكتسب منها لقمة العيش.

وبعد أن حفيت قدماه، وفي عام ١٩١٠، في عهد الخديو عباس الثاني، عثر على وظيفة بشركة السكر بنجع حمادي، وسارع إلى استلام الوظيفة مبتعدا عن القاهرة، وما فيها من شقاء تاركا خلفه الوسط الفني الذي يعشقه، ويتمناه، معتقدا بأن الدهر بعد عبوس يبتسم له، ويحالفه بعد خصام.

استمر في العمل ٧ أشهر على خلالها حب، وثناء، وإعجاب رؤساءه في العمل يحلم بالمستقبل، لكن دائما ما كان يطارده شبح المثل الخالد (عند صفو الليالي يحدث الكدر) ويحمله من حال إلى حال، خاصة بعد أن ارتبط بعلاقة حب بإحدى الفتيات والتي كانت تتمتع بجمال صارخ، واتفق معها في أحد الأيام أن يقضي معها سهرة بمنزلها، وعلى أن تترك باب المنزل مفتوحا كي يتمكن من التسلل في منتصف الليل.

وبالفعل تظاهرت الفتاة أمام خادمتها بأنها أغلقت الأبواب، ولم يكن يعلم الريحاني بأن الخادمة والتي وصفها أيضا باللعينة إلى القيام بإحكام قفل الأبواب من الداخل، ووقف في حيرة من أمره، يجول بخاطره لقاء محبوبته، حتى هداه شيطانه إلى حيلة بأن يتسلل إلى الأسفل من خلال فتحة موجودة بمنور المنزل، وما إن تعلق بأحد المواسير، فوجئ بصرخات الخادمة التي استيقظت بالصدفة فتجده معلقا، واعتقدت بأنه لصا، وأطلقت صرخات.

ويروي الريحاني في مذكراته التي نقلته عنه "الأخبار" أن الخادمة كانت "بصوت منكر"، واستيقظ الجيران، وهرول الخفراء، وألقي القبض عليه، وكانت فضيحة، واكتفوا في نهايتها بفضله من عمله، فما كان منه إلا أن عاد مرة أخرى إلى قهوة الفن بشارع عبدالعزيز، يكسو وجهه الخجل، يعاني من البطالة، ويعود بين حين وآخر للعمل لفرقة عزيز عيد المسرحية، التي كانت تقدم الحفلات متقطعة بنظام الأجر بالأسهم.

وكان من يقوم بالتمثيل في العرض المسرحي يكون له عدد من الأسهم حسب مكانته الفنية، وشهرته، وفي نهاية العرض يتم توزيع الإيراد على المشاركين في العرض، وفي أحيان كثيرة كان الإيراد لا يغطي تكاليف العرض، ويخرج معظم من شاركوا فيه بلا مليم واحد، ويلحس أصابعه من الجوع.