الدكتور «مصطفى محمود».. صاحب «العلم والإيمان» في سطور

 الدكتور مصطفى محمود
الدكتور مصطفى محمود

تحل اليوم 27 ديسمبر، الذكرى الـ 99 لميلاد المفكر الإسلامي الراحل الدكتور مصطفى محمود.

ولد مصطفى كمال محمود حسين آل محفوظ، في 27 ديسمبر عام 1921، من الأشراف وينتهي نسبه إلى علي زين العابدين.

توفي والده عام 1939 بعد سنوات من الشلل، درس الطب وتخرج عام 1953 وتخصَّص في الأمراض الصدرية، ولكنه تفرغ للكتابة والبحث عام 1960.

تزوج عام 1961 وانتهى الزواج بالطلاق عام 1973، ورزق بولدين هما "أمل" و"أدهم"، وتزوج ثانية عام 1983 من السيدة زينب حمدي وانتهى هذا الزواج أيضا بالطلاق عام 1987.

ألف 89 كتابا منها الكتب العلمية والدينية والفلسفية والاجتماعية والسياسية إضافة إلى الحكايات والمسرحيات وقصص الرحلات، ويتميز أسلوبه بالجاذبية مع العمق والبساطة.

قدم الدكتور مصطفى محمود أكثر من 400 حلقة من برنامجه التلفزيوني الشهير (العلم والإيمان)، وأنشأ عام 1979م مسجده في القاهرة المعروف بـاسم "مسجد مصطفى محمود".

ويتبع له ثلاثة مراكز طبية تهتم بعلاج ذوي الدخل المحدود ويقصدها الكثير من أبناء مصر نظراً لسمعتها الطبية، وشكل قوافل للرحمة من ستة عشر طبيبًا، ويضم المركز أربعة مراصد فلكية، ومتحفاً للجيولوجيا، يقوم عليه أساتذة متخصصون. ويضم المتحف مجموعة من الصخور الجرانيتية، والفراشات المحنطة بأشكالها المتنوعة وبعض الكائنات البحرية، والاسم الصحيح للمسجد هو "محمود" وقد سماه باسم والده.

عاش مصطفى محمود في ميت الكرماء بجوار مسجد "المحطة" الشهير الذي يعد أحد مزارات الصوفية الشهيرة في مصر؛ مما ترك أثره الواضح على أفكاره وتوجهاته.

بدأ حياته متفوقاً في الدراسة، حتى ضربه مدرس اللغة العربية؛ فغضب وانقطع عن الدراسة مدة ثلاث سنوات إلى أن انتقل هذا المدرس إلى مدرسة أخرى فعاد مصطفى محمود لمتابعة الدراسة. وفي منزل والده أنشأ معملاً صغيرًا يصنع فيه الصابون والمبيدات الحشرية ليقتل بها الحشرات، ثم يقوم بتشريحها، وحين التحق بكلية الطب اشتُهر بـ"المشرحجي"، نظرًا لوقوفه طوال اليوم أمام أجساد الموتى، طارحًا التساؤلات حول سر الحياة والموت وما بعدهما.

في أوائل القرن الماضي كان يتناول عدد من الشخصيات الفكرية مسألة الإلحاد، تلك الفترة التي ظهر فيها مقال لماذا أنا ملحد؟ لإسماعيل أدهم وأصدر طه حسين كتابه في الشعر الجاهلي، وخاض نجيب محفوظ أولى تجارب المعاناة الدينية والظمأ الروحي.

لقد كان "مصطفى محمود" وقتها بعيدا عن الأضواء لكنه لم يكن بعيدا عن الموجة السائدة في وقته، تلك الموجة التي أدت به إلى أن يدخل في مراهنة عمره التي لا تزال تثير الجدل حتى الآن.

تعرض لأزمات فكرية كثيرة كان أولها عندما قدم للمحاكمة بسبب كتابه (الله والإنسان) وطلب عبد الناصر بنفسه تقديمه للمحاكمة بناء على طلب الأزهر باعتبارها قضية كفر!،ة إلا أن المحكمة اكتفت بمصادرة الكتاب، بعد ذلك أبلغه الرئيس السادات أنه معجب بالكتاب وقرر طبعه مرة أخرى!.

كان صديقا شخصيا للرئيس السادات ولم يحزن على أحد مثلما حزن على مصرعه يقول في ذلك "كيف لمسلمين أن يقتلوا رجلاً رد مظالم كثيرة وأتى بالنصر وساعد الجماعات الإسلامية ومع ذلك قتلوه بأيديهم.. وعندما عرض السادات الوزارة عليه رفض قائلاً: "أنا فشلت في إدارة أصغر مؤسسة وهي الأسرة.. فأنا مطلق.. فكيف بي أدير وزارة كاملة"، فرفض مصطفى محمود الوزارة كما سيفعل بعد ذلك جمال حمدان مفضلاً التفرغ للبحث العلمي.


تمركزت جهود مصطفى محمود حول توضيح خطر الصهيونية، ووظف لها -فضلا عن مقالاته- 9 كتب أصدرها خلال حقبة التسعينيات، تتضمن أطروحاته الفلسفية تجاه جذور الخطر وحاضره.

 ولعل هذا المجهود الفكري من جانب مصطفى محمود هو ما دفع أسرته وعددا من متتبعي سيرته لاتهام إسرائيل بالوقوف وراء منع صاحب "العلم والإيمان" من استكمال برنامجه الشهير بالتلفزيون المصري،  فضلا عن حظر مقالاته في الصحف، ففي كتابه "إسرائيل البداية والنهاية"،

يقول مصطفى محمود إن "إسرائيل تتصرف وكأنها تتعامل مع أصفار، وتتوسع وكأنها تمرح في فراغ، وهذا الغياب للموقف العربي سوف تكون له عواقب وخيمة". وأمام هذا التهاون أو الهوان العربي كان ضروريا أن يحذر المفكر المصري من مآلات السلام الذي يسعى إليه الكيان الصهيوني، ففي كتابه "على حافة الانتحار" رأى أن إسرائيل ليست لديها نية جادة للسلام بقدر ما هي راغبة في تطويع وقبول من الطرف العربي لسلام من طرف واحد.

ويستدل محمود، على رأيه بأن تل أبيب بقياداتها السياسية وزعاماتها الدينية تزرع المزيد من الكراهية ضد العرب، كما أن آلتها العسكرية تتوسع باستمرار على حساب شعب فلسطين، فضلا عن أنها ما زالت تطور أسلحتها الذرية والبيولوجية والكيميائية وتضعها على حدود مصر ولا تدخر جهدا في المساهمة في تدمير الاقتصاد المصري. لذلك طالب الكاتب بأن تعي الدول العربية ما يُحاك لها من قبل الاستيطان الصهيوني، وأن تحذر في تعاملها مع السلام الذي يُطلب منها اللحاق به، وهو ما يحتاج الاستقلال العسكري والاقتصادي. ويزيد مصطفى محمود من التحذير في كتابه "إسرائيل النازية ولغة المحرقة"، قائلا "انظروا إليهم كيف يتفاوضون مع العرب ويحسِبون نصيبهم من الأرض بالمتر والسنتيمتر ونصيبهم من الماء فوق الأرض وتحت الأرض وفي جوف الأرض، ويريدون الحفر في الماضي والحفر في الحاضر والحفر في دماغنا ولا نهاية لمطالبهم". ولخص صاحب العلم والإيمان رؤيته للسلام بين العرب مع الكيان الصهيوني، بأنه عقد إذعان أكثر منه اتفاقا وتراضيا، وبأنه طريق مرصوف بالجحيم.

وعبر سلسلة الكتب التي تناولت الخطر الإسرائيلي، تطرّق مصطفى محمود إلى كثير من الخطط الصهيونية، ومنها تشويه الإسلام عبر استخدام ودعم من سماهم إسلاميين متطرفين لتدمير الحضارة الإسلامية من الداخل، داعيا في ذلك إلى ضرورة أن يتعامل المسلمون مع المعطيات الجديدة للعصر ونقد الموروث القديم. وأضاف أن إسرائيل تخطط للتحكم في منابع النيل عن طريق السيطرة على منطقة البحيرات الكبرى، وإثارة الحروب والفتن الطائفية والعنصرية بين نصارى الجنوب ومسلمي الشمال في السودان، المنكوب بالتآمر من كل بلاد الجوار الأفريقي.بالإضافة لعلاقات إسرائيل بالحبشة وإريتريا وتسليحها للإثنين وإمدادهما بالمعدات العسكرية أمور لها مقابل، وبوابة البحر الأحمر ودول القرن الأفريقي وجزر البحر الأحمر، كلها محطات إستراتيجية تقع تحت رقابة وأطماع العين الإسرائيلية طول الوقت".

وقال أدهم نجل الدكتور مصطفى محمود، إن نظام الرئيس المخلوع حسني مبارك منع مقالات والده من النشر منتصف تسعينيات القرن الماضي.

توفي مصطفى محمود في الساعة السابعة والنصف من صباح السبت 31 أكتوبر 2009/12 ذو القعدة 1430 هـ، بعد رحلة علاج استمرت عدة شهور عن عمر ناهز 87 عاماً، وقد شيعت الجنازة من مسجدهِ بحي المهندسين ولم يحضر التشييع أي من المشاهير أو المسؤولين ولم تتحدث عنهُ وسائل الإعلام إلا قليلاً مما أدى إلى إحباط أسرته. و يُذكر أن الإعلامي وائل الإبراشي قام بالتعقيب وقتها على التجاهل الرسمي للراحل، وقال الإبراشي إن مصطفى محمود كان يمثل خطرا على إسرائيل لأنه كان الوحيد الذي يرد على ادعاءاتها من خلال قراءته المتأنية في العقائد والتاريخ والعلوم، وهو ما تسبب في حرج شديد للمسؤولين في الدولة، مما قد يفسر تخليهم عنه في محنة مرضه وحتى لحظة وفاته.