قلب وقلم

«ميكروفون» الشيخ حمزة!

عبد الهادي عباس
عبد الهادي عباس

.. وصوت الشيخ حمزة متكاسل، متخاذل، لا تبين حروفه المدغومة فى بعضها وكأنها عجينة الفلاحة؛ بلغم منتشر فى سقف الحنك الليِّن يسد مجارى الهواء فتتخشَّب الحروفُ وتتصلب، ومن ثم يخرج الصوتُ كأنه أنين مريض أو عواء موتور سيارة فولكس قديمة من تلك النوعية التى تحتل خط الجيزة/ الهرم.

على طريقة الفنان محمود الجندى فى مسلسل "رمضان كريم" حين كان يُقحم نفسه على المسجد ليُمارس سطوته على الميكروفون، يواصل الشيخ حمزة نشاطه اليومى فى عقاب المحيطين بمسجد التوحيد بحى العمرانية، وكأنه مُكلف من وزارة الأوقاف بإخراج الشياطين القابعة فينا، أو إخراج الملائكة، لا فرق، ما دامت ستخرج أرواحنا عند كل صلاة جديدة يحصل مولانا مقابلها على جنيهات يُقمن صُلبه، ونحصد نحن أمراض الآذان والأذواق؛ وما زلت أحسب أن هناك "نداهة" تسلب الألباب فى تلك الحديدة الصغيرة؛ "نداهة" تجعل منها صندوق باندورا، أو المصباح السحرى الذى تتصارع فيه العفاريت للانعتاق من أسْر التجاهل والنسيان؛ وربما يكون ذلك سببًا فى شيطنة أطفالنا بعدما انتشرت بينهم تلك الحديدة الجهنمية ذات الصوت الصاخب؛ لكن أسيادنا الأئمة مُحصنون من آفات الشيطنة الصبيانية، مدعومون بمددٍ إلهى للانتصار للإسلام ولو بالميكروفون، فى مباريات بائخة، لزجة، حامية الوطيس فى الصلوات الخمس مع تلك "الحديدة" البائسة، من الشيخ حمزة أو من ينوب عنه، فلا يسلم الميكروفون من تلك الحبال الصوتية التى تنتهك صناعته فيُخرجها زقومًا وغسلينًا على آذان القاطنين قبالة المسجد؛ حتى فى صلوات الهمس يُصبح هو البطل المغوار الذى يفرش صداعه على البيوت دونما حياء أو استئذان. فى الأحياء الشعبية كل شيء مُباح، الصخب الهاذر فى ميكروفونات المساجد باسم الدين مُباح، والراديو المفتوح عن آخره بالمحلات المغلقة طوال الليل على إذاعة القرآن الكريم مُباح، والتنافس المحموم بين سماعات محلات الكشرى ومحلات الملابس على أغانى المهرجانات مُباح؛ أما المريض الذى يحتاج إلى الهدوء، أو العامل المكدود الذى يرجو الغفو ساعات، أو الطالب الباحث عن لحظات صفاء للمذاكرة، فلا حق لهم، ما دام الشيخ حمزة قد قرر أن يُؤسلم أهل المنطقة الزنادقة المارقين من الإسلام، وأن يهبهم خدمة مجانية للاستيقاظ الإجبارى لصلاة الفجر لنيل بركات البكور بصوته المحشور!