شجون جامعية

«الرسائل الجامعية» فى مهب الريح

د.أحمد عفيفي
د.أحمد عفيفي

تمثل "الرسالة الجامعية" منتجاً معرفياً ثرياً يصيغ أطروحة أكاديمية أو بحثاً قائماً على التخطيط العلمى الممنهج واتباع أساليب منظمة وإجراءات مقننة لتحليل ودراسة ظاهرة ما فى المجتمع. ومن ثم جمع البيانات وتقصى الحقائق حولها بغية توضيح طبيعتها وخباياها، وطرح تفسيرات وحلول قابلة للتطبيق، وتقديم معلومات مفيدة تساهم فى تطوير العلم.

إنها "كود جامعى" ووثيقة تضم "أبحاث" و"نتائج" الجامعة،  كما تعد إحدى ركائز المنظومة التعليمية، وأعلى أداة بها تتربع على قمة "الدراسات العليا" لنيل الدكتوراة أو الماجستير. تحدد اللوائح الجامعية شكل وحجم وعدد صفحات وسطور "الرسالة" وأيضا لون الغلاف وتشكيل لجان "الإشراف" و"المناقشة والممتحنين" ومنح الدرجة العلمية. أما "المحتوى" فيدور فى نطاق الخطط البحثية المقررة لكافة المجالات التى تغطيها الجامعة.

يعد "البحث" المنعقد لنشره فى "الدوريات العلمية المتخصصة" أو "المؤتمرات العلمية المصنفة" أمراً مختلفاً تماماً لا تنطبق عليه شروط "الأداة التعليمية"، حيث يستطيع تنفيذه فنيون مدربون− وليس بالضرورة باحثون متخصصون− أما استخلاص النتائج ذات الجدارة والاستحقاق، فمن الجائز أن يتناولها أحد الخبراء "بالتحليل" و"التفسير" و"الاستنتاج" و"الإعداد" للنشر طبقاً لاشتراطات "المجلة" أو "المؤتمر"، مما يحقق توثيقه وضمان ملكيته الفكرية واتساع رقعته فى الاستفادة والتطبيق.

عندما ننظر بعين التطوير "للرسائل الجامعية"، فلا يجب أن ينصب جل الاهتمام على "الشكل" دون "المضمون" وفى خلفية المشهد رمزيتها التاريخية التى يحتفى بها المجتمع الأكاديمى، مما يعتبر حدثا كبيراً يحسب للجامعة وعنصراً لتميزها فى ظل معايير الجودة والإعتماد التى تفرض "إتاحة" البحث العلمى و"جودته" سوياً، دون جور إحداهما على الأخرى، حتى يتحقق الاختراق المرجو لسوق "النفوذ العلمى" الذى يضع قدم الجامعة على عتبة التصنيف الدولى. هكذا، فإن "الاعتماد" يمنح مساراً محدداً "لآليات تغيير" لا يجب الحيد عنها أو اللجوء للتغييرات الفجائية.

إن الجدل الدائر حول بقاء "الرسالة الجامعية" على حالها التقليدى أم تتطور؟، انطلاقاً من أن التحديث والتطوير هما "متلازمة" الحياة، يضع بنيتنا الذهنية وتفكيرنا الدائرى فى مرمى السهام. على "الجامعة" توخى الحذر الشديد وهى تقدم على المساس بثوابت "الرسالة"، ، وأن تدرس بتؤدة وروية تداعيات المزج بين النموذجين ("الرسالة"/"البحث المنشور"). المنطق مع استيلاد "بحث"/"أبحاث للنشر"(وهى الفرع) من رحم الرسالة (وهى الأصل)، أما أن تصبح "الرسالة" "فرعاً" أو "مسخاً" أو "غلافاً" يحوى فقط "الأبحاث المنشورة"، سيفقدها ظلها ويطفئ لمعانها، ويفرغ لجنتى الإشراف والحكم والمناقشة"من وظيفتهما. ناهيك عن ارتهان الماجستير/الدكتوراة بالنشر الدولى الذى قد يطول زمنه أكثر مما ينبغى فى الدوريات المرموقة، إضافة إلى المغالاة الكبيرة فى تكلفة النشر التى قد تصل إلى مبالغ باهظة تتجاوز قدرة صاحب "الرسالة" والمشرفين معاً.