المساواة فى تونس «حبر على ورق»

تونس
تونس

ياسمين السيد هاني

لاتزال المرأة التونسية غير قادرة على الاستفادة من كم التشريعات والقوانين المناصرة لها والتى صدرت فى أعقاب ثورة «الياسمين»، قبل نحو عشر سنوات.

فمنذ الاستقلال عام 1956، حظيت المرأة التونسية بجملة من الحقوق والامتيازات المدنية اعتبرت بمثابة «تحولات ثورية» مقارنة بوضع النساء آنذاك في العالم العربي. ومن بين تلك التشريعات منع تعدد الزوجات ومنح حق الطلاق للمرأة والحق في التعليم والعمل.

لكن هذه الحقوق لم تكن كافية لتحقق للمرأة التونسية المساواة الكاملة مع الرجل ولحمايتها من العنف سواء داخل محيط الأسرة أو خارجها. فقد ظلت النساء طيلة عقود تحت تأثير مفارقة جمعت بين التحرر من جهة والتمييز والعنف من جهة أخرى.

على الصعيد الميداني، ووفق مسح أجراه «الديوان الوطني للأسرة والعمران البشري» في العام 2010 (أي قبل اندلاع الثورة التونسية)، فإن نصف النساء التونسيات ضمن الشريحة العمرية 18 ـ 64 سنة، تعرضن لشكل من أشكال العنف.

وفي إطار كشف طبيعة الاعتداءات التي تتعرض لها النساء أظهر المسح أن العنف الجسدي يمثل 31,7% يليها العنف النفسي بنسبة 28,9% والعنف الجنسي بـ15,7% ثم العنف الاقتصادي بـ7,1%.

وبعد الثورة عام ٢٠١١، حققت تونس خطوات جديدة في مسار ضمان حقوق المرأة ومكافحة التمييز ضدها.

ففي 2014 رفعت تونس كل التحفظات الخاصة باتفاقية «سيداو» التي صادقت عليها عام 1985، واتفاقية سيداو هي معاهدة دولية اعتمدتها الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1979، تهدف للقضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة.

وبالتالي وجب إرساء قانون جديد يرتقي إلى مستوى النصوص التشريعية التي تستوفي المعايير الدولية في مكافحة ظاهرة التمييز والعنف المسلط على المرأة، وفي هذا الإطار أقر البرلمان التونسي القانون الأساسي عدد 58 لسنة 2017 مؤرخ في 11 أغسطس 2017 يتعلق بالقضاء على العنف ضد المرأة. ما اعتبر ثورة تشريعية في هذا السياق. ويتضمن الفصل الثاني «أن هذا القانون يشمل كل أشكال التمييز والعنف المسلط على المرأة القائم على أساس التمييز بين الجنسين مهما كان مرتكبوه وأيّا كان مجاله».

ويقوم القانون الجديد على أربع ركائز وهي الوقاية من العنف، حماية النساء ضحايا العنف، تجريم مرتكبي العنف، الإجراءات والخدمات والمؤسسات التي تقدم الإحاطة للنساء ضحايا العنف.

ووفق مقال للمستشار السابق لمجلس النواب محجوب الجلاصي صدر في صحيفة الشروق فإن من أبرز المحاور التي تضمنها هذا القانون غير المسبوق في العالم العربي أن الدولة تتعهد بالإحاطة بالمرأة ضحية العنف والأطفال المقيمين معها بالإنصات والإيواء الفوري في حدود الإمكانيات المتاحة، كما تلتزم بوضع السياسات الوطنية والخطط الاستراتيجية والبرامج المشتركة لمكافحة جميع أشكال العنف المسلط على المرأة.

والدولة ملزمة في هذا السياق أيضا بالقضاء على الممارسات التمييزية بحق المرأة خاصة على مستوى الأجر والتغطية الاجتماعية في جميع القطاعات ومنع الاستغلال الاقتصادي لها وتشغيلها في ظروف قاسية أو مهينة أو مضرة بصحتها وسلامتها وكرامتها.

أما على مستوى العقوبات فإن أهم النقاط الجديدة التي جاء بها هذا القانون تتمثل فيما يلي:  

  رفع مدة عقوبة مرتكب التحرّش الجنسي من سنة إلى سنتين ورفع قيمة الغرامة من ثلاثة آلاف إلى خمسة آلاف دينار، ويكون العقاب مضاعفًا إذا كان الضحية طفلًا أو كان الفاعل من أصول أو فروع الضحية أو كانت له سلطة عليه. واستجابة لأحد أهم مطالب الجمعيات الحقوقية في تونس، تم إلغاء تزويج الجاني بالمجني عليها الذي كان يتم بهدف وقف الملاحقات ضده في قضية الاغتصاب.

كما ينص القانون الجديد على تعريف جريمة الاغتصاب التي لم تكن معرفة في السابق إلا من قبل القضاء. كما يتضمن هذا القانون تعديلًا في عقوبة جريمة الاغتصاب من السجن مدى الحياة إلى 20 سنة. وكذلك تشديد العقوبة في جرائم ختان الإناث حيث تصل إلى 20 عامًا.

لكن المحامية التونسية حنان بن حسانة قالت لوكالة الأنباء الفرنسية إن «قانون مكافحة العنف ضد المرأة مثالي في صيغته النظرية فقط»، ونوهت للصعوبات التي يواجهها لتطبيقه.

فـ«القضاء على العنف ضد المرأة» وفق بن حسانة «في الواقع يرتكز بالأساس على إنشاء المرصد الوطني للعنف ضد المرأة والتنسيق الجهوي مع الجمعيات المحلية والمجتمع المدني ووزارة المرأة، ووضع السياسات والبرامج الكفيلة بمكافحة هذا النوع من العنف».

لكن «ميدانيًا وعلى سبيل المثال، مراكز الحماية غير موجودة في أغلب ولايات الجمهورية، غير موجودة في صفاقس ولا في ولايات الجنوب الأخرى، وفي تونس العاصمة لا توجد سوى جمعية بيتي التي تقوم بهذه المهمة».

وشددت بن حسانة على أن تطبيق هذا القانون «يتطلب تنسيقًا بين الوزارات بهدف تركيز السياسات والبرامج لمكافحة العنف ضد المرأة«، لكن «للأسف» ووفق قولها فإن وزارة التربية غائبة، لم تضع برامج جديدة من أجل إرساء هذه السياسة... دور الإعلام غائب أيضا رغم أهميته... حتى أنه في أحيان عديدة يشجع هو ذاته على العنف، وبالتالي لا نرى تنسيقًا بين مختلف المؤسسات في الدولة لوضع برامج أو سياسات لهذا الغرض».

أما على المستوى القضائي، قالت بن حسانة:« إن الإجراءات متشابكة وصعبة، فمطلب الحماية الذي تتقدم به المعنفات، على سبيل المثال، يبقى أحيانا ثلاثة أو أربعة أشهر حتى يتم النظر فيه... من المفروض أيضا أن يكون كافيا من أجل بت القضاء في الحكم، لكن الأمر ليس بهذه السهولة، بل يطلب من الضحية مطالب تعجيزية أخرى من بينها أصل الشكاية، إلى أي مرحلة وصلت الشكاية، إلى غير ذلك...».

وأشارت بن حسانة إلى «أن المجتمع المدني في تونس هو الطرف الوحيد القائم بدوره وبدور الدولة بالنسبة لكل ما يتعلق بإدانة أي سلوك في إطار القضاء على العنف ضد المرأة».

 

شاهد ايضا :- من جديد|«حرية المرأة» تشعل الخلاف تحت قبة البرلمان التونسي