حكايات| داليا يونس فنانة تعالج بالغناء.. وأول محجبة تسجل ترنيمة داخل كنيسة

داليا
داليا

 دينا درويش

تؤمن بأن الفن رسالة لخدمة قضايا الوطن وإحداث تغيير إيجابي في العالم من حولنا، وأن تغيير كل مجتمع للأفضل ممكن من خلال أغنية أو كلمة المهم هو أن نبدأ ونلقي الضوء علي القضايا المهمة ونساهم في حلها، قدمت العديد من الأعمال والتجارب الإيجابية الناجحة ووصلت أنها أصبحت أول مسلمة محجبة تقوم بتسجيل ترنيمة داخل كنيسة في مصر، داليا إيهاب يونس فنانة الصوت والكلمة.

داليا إيهاب يونس من مواليد عام ١٩٨٦، تخرجت في كلية الطب جامعة عين شمس ، تركت مجالها  لتعمل كصانعة محتوى وحصلت على ماجستير إدارة الأعمال تخصص التسويق الدولي من جامعة ESLSCA الفرنسية، وبجانب عملها  لها العديد من المشروعات الموسيقية المبتكرة لتحقق وصفها لنفسها بفنانة الصوت والكلمة.

وكانت داليا تحب الغناء منذ الصغر لكنها لم تأخذ الأمربجدية قبل عام ٢٠١٦ حين مرت بظروف صعبة ساعدها تعلم الغناء وممارسة أنشطة موسيقية ثابتة في تخطيها، ولم تدرس داليا الموسيقى دراسة أكاديمية لكنها اعتمدت على التعلم الذاتي عبر الإنترنت ومشاركتها في كورال الجامعة الألمانية بقيادة السوبرانو عهود خضر التي علمت داليا أساسيات الغناء الأوبرالي ثم كورال الفيحاء بقيادة المايسترو اللبناني الأرمني باركيف تاسلاكيان.

تؤمن داليا أن الله وهبها موهبة التعبير بالكلمة والصوت لكي تحدث تغييرًا إيجابيًا في العالم، فهي ليست كاتبة فقط ولا مؤدية صوتية فقط ولكنها تدمج الموهبتين في تجارب فنية وإنسانية مختلفة لكي تكون التغيير الذي تريد أن تراه في العالم،وتسعى داليا لاستخدام الفن في خدمة القيم والقضايا التي تؤمن بها وأهمها التعايش بين الثقافات والأديان والمعتقدات المختلفة وقضايا وحقوق المرأة وتغيير النظرة النمطية لدورها وقدراتها ووضعها في المجتمع وتمكين ودمج الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة أو كما تفضل داليا تسميتهم "القادرون باختلاف" والصحة النفسية والوعي والتعبير عن الذات والبيئة وتغير المناخ.

شاهد أيضا : وزير الأوقاف: من مات مدافعًا عن كنيسة كمن يموت دفاعًا عن مسجد

وجاءت بداية داليا إيهاب يونس فنانة الصوت والكلمة منذ إنشائها لمدونة وقت ازدهار المدونات، وبعد أن أصبح الفيسبوك منافسًا قويًا للمدونات قامت داليا بإنشاء صفحة للتواصل مع قرائها من خلالها ومع الوقت تطورت الصفحة لتشمل كل أنشطة داليا المكتوبة والمسموعة.

وتمتلك داليا العديد من المشروعات الفنية ومنها  كلاكسكيات وهو كلمة مركبة من "كلاكس" و"كلاسيك"، وفكرة المشروع هي استخدام فن الأكابيلا (أحد فنون الغناء الكلاسيكي المميزة الذي يعتمد على الأصوات البشرية بدلًا من الآلات لإنتاج الموسيقى) في تقديم أغاني شعبية معروفة أو مكتوبة خصيصًا لتعبر عن الناس العادية.

ويهدف المشروع نشر الوعي حول الغناء الكلاسيكي وقدرته على تحويل أي أغنية لقطعة فنية رائعة والتأكيد على أن الفنون الكلاسيكية مكانها ليس الأوبرا فقط وجمهورها ليس الطبقة المثقفة الراقية فقط ولكنه مثل أي فن يصل للجميع طالما وُضع في قالب مفهوم ومعبر،وتقديم فن الأكابيلا باللغة العربية وباللهجة المصرية وأهم إنجازات المشروع اطلاق النسخة الكلاسيكية من الأغنية الشعبية "علي يا علي" التي حصلت على أكثر من ٣.٧ مليون مشاهدة بدون أي دعاية مدفوعة وأغنية "هَم وقلة مم" التي كتبت كلماتها داليا لتعبر عن أن الحب الوحيد الصادق في حياة أغلب البشر هو حب الأكل وحولتها لأغنية "تفاعلية" يمكن أن يغير شكلها الجمهور في كل مرة تُغنى فيها والنسخة الكلاسيكية من الأغنية الشعبية "مفيش صاحب يتصاحب" والتي غنت فيها داليا مع الفريق لحن هابانيرا من أوبرا كارمن (لمؤلفها چورچ بيزيه) لكن باستخدام كلمات الأغنية الشعبية الشهيرة "مفيش صاحب يتصاحب" بدلاً من كلمات هابانيرا الأصلية.

ويعتبر مشروع قعدة غنا الثاني لداليا  التي بدأته الفكرة في سبتمبر ٢٠١٧ حين عرضت ندى نصار علىيها بعد حضورها لأولى حفلات داليا أن تستمع لها ولمجموعة من صديقاتها لتوجيههم صوتيًا واقترحت داليا على ندى أن يتم تغيير الهدف من هذه القعدة لأن تصبح قعدة غنا جماعي وليس جلسة تقييم أو توجيه يستطيع فيها كل الحضور أن يغنوا بشكل حر بعيدًا عن الأحكام أو التقييم وسبب ذلك أن داليا كانت تمر بفترة صعبة في حياتها وساعدها الغناء وإقامة أول حفل لها على تخطيها بسهولة فشعرت بمسئولية أن تساعد الآخرين على تخطي الأوجاع والمشاعر السلبية باستخدام الغناء والموسيقى.

ويهدف  المشروع لتشجيع  الحضور على التعبير عن أنفسهم بالغناء ليكون بمثابة علاج حتى لو كانت أصواتهم غير جيدة لأن الغناء نشاط إنساني يعبر به الشخص عما يشعر به من مشاعر إيجابية أو سلبية قبل أن يكون نشاطًا فنيًا وتوفير مساحة آمنة للتعبير دون أحكام أو استهزاء أو تنمر ونشر ثقافة استكشاف الذات عن طريق الفن إذ أن داليا تطبق العديد من مفاهيم الدعم النفسي واستخدام الفن للتعافي التي تعلمتها عبر حضورها لورش ودورات مختلفة وإتاحة الفرصة لتجربة جديدة غير تقليدية في تكوين علاقات إنسانية مميزة في وقت مكثف نظرًا لما تتضمنه القعدة من ألعاب ونشاطات تقوم على التواصل الفعال والإيجابي بين الحاضرين ونشر ثقافة "المتعة المسئولة" حيث يقضي الحاضرون وقتًا ممتعًا مع التزامهم بقواعد الاحترام المتبادل والدعم غير المشروط والمساهمة في إسعاد أشخاص يتعرفون عليهم لأول مرة دون انتظار مقابل. 

وحتى سبتمبر ٢٠١٩ كانت أهم إنجازات المشروع إقامة ٣٣ قعدة غنا في أماكن مختلفة في القاهرة وطنطا والإسكندرية بحضور أكثر من الف شخص من مختلف الأعمار السنية والخلفيات الثقافية والاجتماعية وتعاون قعدة الغنا مع جمعيات خيرية لدعم مشاريعها مثل قعدة غنا لدعم مشروع مطبخ دوار و تبحث داليا حاليًا عن جهة داعمة لنقل التجربة لمحافظات أكثر بعد نجاح التجربة في طنطا والإسكندرية والمقصود بالدعم هنا هو دعم السفر والإقامة للمنظمين المتطوعين فقط.

ومن مشروعات داليا إيهاب يونس الفنية الموسيقى المقدسة نظرًا اهتمام كبير بالموسيقى المقدسة في الأديان المختلفة وبدأ هذا الاهتمام منذ مرحلة المراهقة حين استمعت لأول مرة لتسجيل حي لترنيمة أدتها فيروز في كنيسة في بيروت ومن وقتها بدأت في استكشاف الترانيم المسيحية وحفظ بعض منها، ولا ترى داليا تعارضًا بين حبها لأداء بعض الترانيم وقناعاتها الدينية فهي تتعامل مع الترانيم كفن وتجربة روحية وليس كطقوس دينية فإعجابنا بفنون الحضارة الفرعونية مثلًا لا يعني وجوب اتفاقنا مع عقيدة الفراعنة وهناك أمثلة كثيرة لفنانين برعوا في فنون تتعلق بديانات ومعتقدات أخرى منها مسيحيون يغنون الأناشيد الصوفية.
 

وأدت داليا الترانيم بشكل علني لأول مرة عند استضافتها في برنامج هذا الصباح في مطلع عام ٢٠١٨ مع صديقة مسيحية كاثوليكية اكتشفت إجادة داليا للترانيم بالصدفة وعرضت عليها أن تظهر معها على الشاشة لتهنئة المسيحيين الأرثوذكس بالأعياد، ورأت داليا أن ذلك يتماشى بشكل كبير مع قيمها الخاصة بالتعايش وإيجاد المشترك وتقريب المسافات وتم تداول فيديوهات هذه الحلقة بشكل كبير على صفحات التواصل الاجتماعي المسيحية وكانت أغلب ردود الفعل إيجابية ومرحبة ومشجعة وشجع ذلك داليا على أن تأخذ خطوات أخرى في هذا المشروع فقامت بتسجيل ترنيمة "يا مريم البكر" داخل كنيسة جامعة برينستون في أمريكا أثناء زيارتها لها في صيف ٢٠١٨ وترنيمة "إليك الورد يا مريم" في كنيسة سان جوزيف في وسط البلد في نفس السنة ولم تكن أيهما أثناء قداس أو احتفالات دينية كما تداولت بعض وسائل الإعلام، بل كانت في عدم وجود جمهور كمبادرة شخصية من داليا،وتم التسجيل في كنيسة سان جوزيف بترحيب كريم من الأب بطرس دانيال المسئول عن الكنيسة الذي أظهر تعاونًا لولاه ما استطاعت داليا أخذ هذه الخطوة وتسجيل الفيديو لتصبح أول مسلمة محجبة تقوم بتسجيل ترنيمة داخل كنيسة في مصر.

وفي ديسمبر ٢٠١٨ ظهرت داليا في برنامج "مصر النهاردة لتؤدي أول ترنيمة خاصة بها من كلمات وألحان صديقها الموسيقي أبانوب يني بمناسبة عيد الميلاد المجيد،ومن مشروعات داليا إيهاب يونس الفنية أغاني النوم وظهر ذلك المشروع في ٢٠١٥ حين كان بدأت داليا تلاحظ أن ابنها أنس البالغ من العمر ٦ أشهر وقتها قد بدأ يكون ذوقًا موسيقيًا في الأغاني التي تغنيها له قبل النوم وقامت داليا بتسجيل بعض أغانيه المفضلة حتى يمكن لأنس سماعها حين لا تقدر على الغناء أو يحتاج شخص آخر لتنويمه وفكرت داليا في وضع تلك الأغاني على موقع ساوندكلاود لإتاحتها للأمهات اللاتي يعانين من صعوبة في تنويم أطفالهن،وحققت تلك الأغاني (التي اعتمدت على أسلوب معين في الغناء يساعد على الاسترخاء والنوم) انتشارًا مذهلًا  وتم تشغيلها لأكثر من ٧٠ ألف مرة.

وبعد أن تلقت داليا الكثير من رسائل الدعم والشكر من الأمهات قررت تطوير المحتوى المقدم فقدمت أغنية للحروف الأبجدية العربية على نفس لحن أغنية الأبجدية الإنجليزية (حتى يسهل حفظها على الأطفال الذين يتلقون تعليمًا دوليًا) ونسخة التربية الإيجابية من "ماما زمانها جاية" وفيها عدلت داليا من الكلام ليتماشى أكثر مع مبادئ التربية الإيجابية الحديثة،بالإضافة لكتابتها العديد من الأغاني على موسيقى معروفة في مشاريعها المختلفة بدأت داليا في ٢٠١٩ في كتابة وتلحين أغانيها الخاصة وفي سبتمبر الماضي وبمناسبة الإضراب العالمي للمناخ كتبت ولحنت داليا أول أغنية باللهجة المصرية لدعم قضايا البيئة وسوء استخدام البلاستيك بعنوان "كوكبنا جاب آخره".

 

وتعتبر داليا إيهاب يونس فنانة الصوت والكلمة هذه المشروعات الفنية أهم إنجازاتها فهي كانت تحلم دائمًا بنشر ثقافة الغناء بطريقة الأكابيلا ولفت النظر للفنون الكلاسيكية وتقريبها من رجل الشارع العادي، كما كانت تحلم بخلق المساحة الآمنة لمختلف الأشخاص في التعبير عن أنفسهم باستخدام الغناء، بالإضافة إلى استخدام الغناء في التقريب بين الثقافات والأديان وخلق محتوى مصري يناسب الأطفال المصريين من الأجيال الجديدة،ومن أهم الأهداف التي تسعي لتحقيقها في العام الجديد نقل تجربة قعدة الغنا لمزيد من المحافظات (حتى الآن حققت ذلك في القاهرة والاسكندرية وطنطا والمنيا) وكتابة وتلحين المزيد من أغانيها الخاصة التي تعبر عن أشخاص وقضايا لم يتم التعبير عنهم من قبل.

 

وتنصح الفتيات اللاتي يردن تعلم الغناء أن يبدأن بالتعلم الذاتي عبر الإنترنت، فهناك العديد من دروس الصوت ونظرية الموسيقى المتاحة كفيديوهات باللغة العربية الآن ،وكذلك الاهتمام بالغناء بشكل يومي وتطبيق ما تم تعلمه عبر تلك الدروس،ووالأهم من هذا وذاك الإيمان بأن الموهبة الصوتية لا قيمة لها بدون اجتهاد وتخصيص وقت لصقلها والتفكير في المنتج المختلف الذي سيتم تقديمه.