أمس واليوم وغدا

حقوق الإنســــان.. ليست تجارة جملة ولا تجزئة!

عصــام السـباعى
عصــام السـباعى

عصــام السـباعى

[email protected]

لا‭ ‬أبالغ إذا قلت إن نتائج المباحثات التى أجراها الرئيس عبد الفتاح السيسى فى باريس، بأيامها الأربع، ناجحة ومثمرة فى جميع الملفات، الثنائية والإقليمية والدولية، وأن نجاحها غير مسبوق، وخاصة فيما يتعلق بالتعاون بين البلدين، والملفات الساخنة فى المنطقة، وخاصة ليبيا وسوريا ولبنان وفلسطين.

لا‭ ‬أبالغ أيضاً عندما أؤكد أن تلك الزيارة ستأخذ مكانها فى أدبيات الدبلوماسية الدولية، وبالتحديد فيما يتعلق بذلك الحوار الراقى الذى دار فى المؤتمر الصحفى المشترك بين الرئيس السيسى ونظيره الفرنسى ماكرون، عقب انتهاء مباحثات القمة، وكانت نتيجته محسومة للمنطق الواضح السليم والعقلانى والواقعى الذى طرحه الرئيس.

لا‭ ‬أبالغ فى إظهار سعادتى الكبيرة بتلك الثقة والقوة فى المنطق والبيان الذى جاء فى رسائل السيسى لكل العالم من باريس، فقد كانت كل كلمة فى كل جملة، دقيقة مركزة واضحة قوية، وظهر ذلك فى عدة نقاط أساسية: 

‭(‬١‭)‬ عندما علّق الرئيس، على تصريحات ماكرون، المتعلقة بالرسوم الكاريكاتورية المسيئة وحرية الصحافة، وقال: ∩من المهم ونحن نعبر عن رأينا ألا نقول إنه من أجل القيم الإنسانية تُنتهك القيم الدينية.. مرتبة القيم الدينية سماوية ومقدسة وتسمو فوق كل القيم أعلى بكثير من القيم الإنسانية، لأن القيم الإنسانية إحنا إللى عملناها∪، ولم يكن الحق مع ماكرون، فهو قد ركز على أن فى فرنسا حرية صحافة، والصحفى يرسم ويكتب ما يريد منذ الثورة الفرنسية ومنذ الجمهورية الفرنسية، باعتباره جزءاً من حقوق الإنسان، ويرى أن فلسفة التنوير تقوم على أن قيمة الإنسان واحترام كرامة البشر فوق كل شىء، ولا أريد الدخول هنا فى جدل فكرى أو فلسفي، فقط أدعو الرئيس الفرنسى وغيره، إلى قراءة كتاب ∩الأنوار التى تعمي∪ للمفكر الفرنسى ريجيس دوبريه ففيه الإجابة الشافية، وسأكتفى هنا فقط بمثال واحد فى متحفها العنصرى الذى يحمل اسم متحف الطبيعة أو متحف الإنسان بباريس، وأسأل: هل من كرامة البشر أن تحتفظ بلاده بجماجم قادة المقاومة الجزائرية لمدة تزيد على 170 عاما، وتمنعهم من أبسط حقوق البشر، وهو ∩الدفن∪، وهناك صور داعشية بمعنى الكلمة لجنود فرنسيين يحملون رؤوسهم لا يمكن نشرها، وأستطيع أن أحدثك أكثر عما حدث وما يحدث فى إفريقيا وغيرها بأيادٍ فرنسية.

‭(‬٢‭)‬ لا توجد حقوق إنسان ∩فرى سايز∪، كما لا يوجد فصل بين حقوق الإنسان، فهى حقوق عامة سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية، وغير قابلة للتجزئة كما فعل ماكرون ويفعل غيره، كما أنها غير قابلة للتعامل بمعايير مزدوجة، وهناك اتفاق بين المعنيين بأدبيات حقوق الإنسان، على مبدأ ∩النسبية الثقافية∪، فما هو أخلاقى ولا يعيب فى فرنسا مثل الشذوذ الجنسى أو تحديد سن 15 أو 17 سنة لممارسة البنت للجنس برضاها، غير مقبول فى دول كثيرة، ولا يمكن لفرنسا أو غيرها أن تدعى أن منظومتها الأخلاقية شاملة عامة تفرضها على كل البشر، ومن هنا كان النص على حق الدول فى التحفظ على بعض الأمور، وفعلت ذلك إفريقيا وصاغت خصوصيتها فى ميثاقها لحقوق الإنسان، كما فعلت ذلك أيضاً دول جنوب وجنوب شرق آسيا فى إعلان بانكوك أو ∩الورقة البيضاء∪ عقب مؤتمر بكين!

‭(‬3‭)‬ إذا كانت حقوق الإنسان لا تعرف المعايير المزدوجة، وفيها ∩نسبية∪ مجتمعية وثقافية تختلف من مكان لمكان ومن دولة لأخرى، فهى لا تعرف أيضاً الانتقائية، وأجمل ما جاء فى تصريحات الرئيس السيسى أنها عبرت عن تلك المبادئ، وكانت شاملة وواعية ومنطقية، حيث أكد حرص مصر على تعزيز حقوق الإنسان بمفهومها الشامل، الذى يعلى شأن الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والمعيشية للمواطنين، دون تمييز وتعميق المواطنة وتجديد الخطاب الدينى وتطبيق القانون على الجميع دون استثناء وتحديث البنية التشريعية، وخاصة قانون تنظيم ممارسة العمل الأهلى وإطلاق أول استراتيجية وطنية شاملة لحقوق الإنسان والتى يجرى إعدادها بمشاركة أطياف المجتمع المدنى.

‭(‬4‭)‬ كل مصرى، إلا من فى قلبه مرض أو خلل، شعر بالفخر من كلمات الرئيس الحازمة والمنطق الذى تحدث به، فكلنا عشنا اضطرابات الأمس التى كادت تضيع معها الدولة بمؤسساتها، وتحديات الأمس واليوم وغدا، من إرهاب ودماء، وأمان كاد يضيع، وظروف معيشية ومؤشرات اقتصادية غاية فى الصعوبة، وبالتالى ندرك قيمة ومعنى كل كلمة قالها الرئيس، كما سبق وذكرت من تلك العبارات القصيرة المركزة: ∩ليس لدينا ما نخاف منه أو نحرج منه، لا يليق تصوير وتقديم الدولة المصرية فى ظل كل ما تقدمه لشعبها بأنها نظام مستبد وقاس.. هذا الأمر انتهى من سنين ومش موجود، لدينا فى مصر 55 ألف جمعية مجتمع مدنى مرخص لها بالعمل وتشارك الحكومة المصرية.. يا ترى كام منهم اشتكى من تعطل عمله؟، أنا مُطالب بحماية 100 مليون مصرى من تنظيم متطرف بنى قواعده على مدار 90 سنة فى مصر والعالم كله، فرنسا أحيانا تتأثر بأفكار  أنتجها هذا التنظيم الإرهابي، نحن أمة تجاهد لخلق مستقبل أفضل لشعبنا فى منطقة شديدة الاضطراب، كنت أتمنى ممن يسألنى ملاحظة ما آلت إليه الأمور فى سوريا والعراق وليبيا ولبنان واليمن وباكستان وأفغانستان∪.. وكل تلك النقاط فى محلها، فالحالة المصرية وبكل اقتناع، مضيئة فى حقوق الإنسان، وكلها مثبتة فى المؤشرات العالمية المختلفة، بما فيها مؤشرات جودة الحياة ومكافحة الفساد، وكان المواطن والمجتمع المدنى شريكا أساسيا فيها كلها.

والمراقب لتطورات الأوضاع فى أوروبا، يعرف أن فرنسا نفسها قامت بحل جمعيات على خلفية التصدى للإرهاب، وتنتقص من الحقوق الشخصية من أجل صالح ما تصفه بالمبادئ الفرنسية، وتراقب التمويلات الخارجية، وتسجل هى وبريطانيا كافة الاتصالات، وأن ألمانيا حلت جمعيات بعد أن رصدت خطورتها وتطرفها، وحلت أخرى لوجود تمويل الاستخبارات التركية لها، وغير ذلك كثير فى بريطانيا وغيرها، وكلها لمواجهة تهديدات محتملة، فما بالنا بدولة مثل مصر، سالت فيها دماء وأزهقت أرواح بالآلاف، ووزعت تمويلات، ولم تفعل ما فعلته كل تلك الدول، ولكن وبكل أسف من يرقص لا يفكر، كما قال الرائع المــبدع إحســان عبدالقــدوس فى عنوان روايته المسرحية ∩لا أستطيع أن أفكر وأنا أرقص∪!!

إننى فخور ببلدي.. فخور بما حققته للإنسان المصرى.. فخور برئيس بلدي.. فخور برئيس الحكومة فى بلدى.. فخور بكل مسئول.. بكل مواطن ساهم فى ارتقاء بلدى للأفضل .. ودوما وأبدا ∩تحيا مصر∪.