«الرسم بالضوء» فى فوتوغرافيا «فادى قدسى»

تحت عنوان يجمع بين العمارة والضوء
تحت عنوان يجمع بين العمارة والضوء

منى عبد الكريم

تحت عنوان يجمع بين العمارة والضوء باللغة الإنجليزية «Archilight»، قدم الفنان فادى قدسى معرضا لأعماله الفوتوغرافية ضم ما يقرب من 40 عملا بالأبيض والأسود واستضافها مؤخرا جاليرى نوت بالزمالك، إلا أن الفنان فادى قدسى لم يضع مرادفا عربيا للعنوان الرشيق الذى تصدر البوستر بالإنجليزية والذى يقوم على كلمة واحدة تتضمن مقطعين الأول معنى بالعمارة والثانى بالضوء الذى يعتبر مكونا رئيسيا من مكونات الفوتوغرافيا التى تعنى أيضا «الرسم بالضوء»، تاركا المجال لمخيلتنا الإبداعية  لوضع عنوان بديل باللغة العربية والذى ترجم لاحقا «ما بين الضوء والعمارة» إذ إنه ليست ثمة كلمة واحدة تعبر عن ذلك المزيج بالعربية.

 

والحقيقة أن التزاوج بين العمارة والضوء لاسيما فى مجال الفوتوغرافيا يفتح الباب لخيارات متعددة، حيث تتغير شكل العمارة مع تغير أوقات النهار وتغير الإضاءة حتى لو من نفس الزاوية، إذ يقول قدسي: إذ كنا نرسم بالضوء على الوجه لإظهار مشاعر معينة، ففى العمارة يكون الأمر له علاقة بتفاعل الضوء مع المعمار فى وقت محدد.

وبخلاف التصوير المعماري، اشتهر الفنان فادى قدسى كذلك بتصوير البورتريه، وله تجارب متميزة فى هذا المجال، لكن مع ذلك يخلو هذا المعرض تماما من الشخوص أو البورتريهات سوى فى بوستر المعرض الذى مزج فيه بين صورة شخصية له التقطها لنفسه، بعدد من العناصر المعمارية تنوعت بين قبة المتحف المصرى ومكتبة الأسكندرية ومدرجات الأنبا سمعان.


يقول فادي: «لقد كانت هذه الصورة هى المحفز الإبداعى الأول لإقامة هذا المعرض، بل وقررت أن تكون هى بوستر المعرض، وحين سألته حول سبب اختفاء العنصر البشرى من كافة صورة المعرض الأخرى أجابني : كل المعمار انعكاس للتاريخ الإنساني، غياب البشر فى الصور هو حضورهم فيما قدموه».

 

ويضيف فادي: «المعمار يعكس تطور الفكر والمعرفة، وفى رؤيتك للمعمار تشعر بالتواصل مع روح المبنى والزمن الذى مر به، أما بالنسبة لعينى كمصور فأنا أبحث عن اقتناص اللحظات التى تعكس رؤيتى المختلفة لما أقدمه، حيث أطارد الضوء وزوايا سقوطه على المعمار وتجسيده له ولتفاصيله، تختطفنى التفاصيل، وأميل إلى التجريد الذى يظهر قوة تفصيلة ما، وربما يتحول المبنى إلى عدة لقطات تجريدية، وتتحول اللقطة التجريدية لوحدة بنائية جديدة».


وأهم ما يميز أعمال فادى قدسى ولفت الانتباه إليها هو اختياره لمناظير وزاويا مختلفة للمبانى التى رأيناها عشرات المرات سواء فى الواقع أو من خلال الصور.. وليس هذا فحسب بل قام قدسى أيضا بإعادة فك وتركيب عناصر معمارية مختلفة ليقدم مجموعة من التصميمات المتخيلة، وكذلك استعان فادى ببرامج التعديل لينتزع السماء فى كثير من الأعمال مكتفيا بخلفية بسيطة تركز على المبانى التى قدمها، أو حتى لتحرير خطوط بعض المبانى لتصبح أكثر انسيابية.

 

وتتنوع الخيارات التى تضمنها المعرض ما بين اللقطات المباشرة والتصوير الفنى الذى يصل للتجريد، وما بين عمارة المصرى القديم التى نراها مثلا فى معبد هابو من لقطة علوية، ومعبد الكرنك، للعمارة الإسلامية كما فى مسجد السلطان حسن، والرفاعى ومجموعة قلاوون بخلاف البنايات الكلاسيكية التى نراها فى شوارع العاصمة، ومبنى الجريك كامبس والعمارة الحديثة ممثلة فى مكتبة الإسكندرية، وغيرها، قدم فادى جملته البصرية متنقلا بين مختلف أنماط العمارة التى تحاورت معا داخل قاعة العرض.

 

ويأتى هذا المعرض بعد مشوار طويل انتقل فيه فادى بين مختلف أساليب التصوير، إذ بدأ الأمر كهواية تحولت لاحتراف، قبل أن يعمل قدسى بفترة بإحدى استديوهات التصوير ليتشرب أسرار المهنة، حيث يقول فادي: هناك عالم إنسانى فى الفوتوغرافيا لا يمكن أن تراه إلا إذا كنت مصور شارع أو استديو أو مصور صحفي، وتتنوع الحكايات التى مرت عليه داخل الاستوديو والتى يمكن أن تصبح مؤلفا بحد ذاتها، لكن الأكثر غرابة هو أن فادى دخل إلى التصوير عبر بوابة الكتابة الإبداعية، إذ فاجئنى فى بداية حديثنا أن جريدة أخبار الأدب كانت هى السبب فى دخوله إلى عالم الفوتوغرافيا، إذ بدأ فادى مسيرته الإبداعية بالكتابة ونشر العديد من الخواطر والأعمال النثرية، ولذا كان يحرص على متابعة أخبار الأدب باستمرار التى اعتادت بدورها نشر أعمال العديد من المصورين الفوتوغرافيين والفنانين العالميين، حتى جاء ذلك اليوم الذى شاهد فيه قدسى بعض أعمال المصور الأمريكى رالف جيبسون، وكانت تلك اللحظة الفارقة هى  بوابة عبور فادى قدسى لعالم الفوتوغرافيا الساحر، الذى غرق فيه بالكامل.